الآن، وقد فرغ التونسيون من ماراثون انتخابي طويل تردّدوا خلاله على مراكز الاقتراع في ثلاث مناسبات تشريعية ورئاسية في أقل من شهر وباحت صناديق الاقتراع بأسرارها، يحق لهم أن يبتهجوا بأن الانتخابات عكست إرادتَهم.
فقد فاز، في الانتخابات الرئاسية، قيس سعيد، منتخباً بنسبة 72.71 في المئة من الأصوات، وفق ما أعلنت هيئة الانتخابات التونسية في بيان الاثنين.
وسعيد آت من بعيد سيراً على حبل الخطاب الثوري، من دون أن يمتطي صهوة حزب أو منظمة، وتجوّل في الخريطة التونسية والتقى النّاس وشاركهم همومَهم وأنصت إليهم وانخرط مع الشباب في لقاءات مباشرة وتقاسم معهم الأحاديث والشجون والقهوة.
تونس الجديدة
اللحظة فارقة ومفصلية بين ما كان يقوله الرجل للتميز على خصمه ولاستمالة عطف الناخب، وبين الواقع. فهو الآن رئيس للدولة وممثل شرعي للشعب التونسي. وإذا كان كل الكلام مباحاً في فترة الانتخابات، فالآن لا بد من كبح جماح الخطاب الفصيح والاستعاضة عنه بالواقعية.
فما هي ملامح المرحلة المقبلة في تونس، التي قضى أبناؤها ليلتهم فرحين بفوز قيس سعيد، وما هي أولويات الرئيس الجديد في مناخ عام متّسم بالغموض والرّيبة؟
طمأن الرّئيس الجديد التونسيين في كلمة عاجلة مباشرة إثر الإعلان عن فوزه، أكد فيها أنه سيتم بناء تونس جديدة، معرباً عن التزامه باستمرارية الدولة وقوانينها وعلاقات تونس الخارجية.
وتوجّه بالشكر إلى مَن انتخبوه ومن لم ينتخبوه، واعداً بالعمل على تحقيق مطالبهم في العدل والحرية والتنمية.
مبادرات تشريعية
ما هي أولويات الرئيس الجديد؟
يجيب أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية محمد الجويلي بأن هذا الفوز منتظر، وبأن المناظرة التلفزيونية بينه وبين منافسه نبيل القروي أكدت تفوّق سعيد، وهو الآن بحكم الدستور رئيس لكل التونسيين وعليه مسؤوليات كبيرة بحكم التفويض الشّعبي الممنوح له وهو مدعو إلى التناغم مع الحكومة وتعيين فريق من المستشارين القادرين على تغيير الواقع في تونس، وفق ما وعد به.
وينتظر الجويلي من سعيد مبادرات تشريعية كما وعد من أجل محو آثار الفقر في عدد من مناطق الجمهورية.
ويدعو الجويلي رئيس الدولة إلى اتخاذ مبادرات لتبديد مخاوف بعض التونسيين إزاء قضايا الهوية والمرأة والإعلام والفنّ والحريات، وهي مواضيع كان قيس سعيد غامضاً إزاءها.
الحوكمة ومقاومة الفساد
يربط رئيس منتدى ابن رشد للدراسات، كمال بن يونس، فوز قيس سعيد، المتوقّع بالنسبة إليه، بشكوى التونسيين في هذه المرحلة من سوء التصرّف في الثروات الوطنية واستفحال ظاهرة الفساد والرشوة وغياب الحوكمة الرشيدة. وقيس سعيد كان دائم الحديث عن هذه الملفات.
وفي خصوص الأولويات، يشدّد بن يونس على أن شعارات ما قبل الانتخابات تُطوى مع الانتخابات، وعلى رئيس الدولة الآن أن يعي ما يقول وأن يدرس جيداً خطابه.
ويشدّد بن يونس على أهمية الحزام السياسي الداعم لرئيس الجمهورية، وإلا سيكون حبيس قصر قرطاج مستحضراً تجربة الباجي قائد السبسي في الفترة الأخيرة من حكمه لمّا توتّرت علاقته برئيس الحكومة يوسف الشاهد.
ويرجّح بن يونس أن يُعطي سعيد الأولوية لاحترام الدستور والقانون والاستعانة بمجموعة من المستشارين من الجامعيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسيدفع قيس سعيد، وفق بن يونس، نحو مبادرة تشريعية لإحداث صندوق أو ما شابه للمناطق المهمّشة، لكن هذا مرهون بإرادة الرؤساء الثلاثة في رصد أموال للدولة وتشجيع العمل والإنتاج والتصدير والعمل لرفع قيمة الدينار التونسي وخلق الثروة وربما الحصول على دعم دولي كان غائباً بسبب عدم الاستقرار وغياب حوكمة رشيدة وإستراتيجية ورؤية واضحة.
أما عربياً ودولياً، فرئيس الدولة ضامن لاستقرار البلاد من خلال الحفاظ على علاقات تونس مع جيرانها وتفعيل الدبلوماسية التونسية، خصوصاً في الملف الليبي، وكذلك مع دول الاتحاد الأوروبي الشريك المهم لتونس.
ترتيب الأولويات
تُبدي فئات واسعة من التونسيين تخوفها من المرحلة المقبلة، نظراً إلى غموض الرئيس الجديد في عدد من القضايا المهمة، وفي علاقاته مع عدد من الأطياف السياسية التي تتربص بالمشروع الديمقراطي الوليد في تونس. وستكشف الأيام المقبلة شكل التحالفات السياسية وترتيبات تشكيل الحكومة. وهو مخاض عسير على بلد يئن تحت وطأة المديونية والتضخم وتزايد نسب البطالة والفقر.
ملفات كبرى منها العاجل ومنها الآجل في انتظار رئيس الجمهورية الجديد، إلا أن سقف المطالب مرتفع من الناخبين التونسيين. ما قد يخلط الأوراق ويربك الأولويات. عليه، فان الفريق الجديد في مؤسسة رئاسة الجمهورية مدعو إلى وضع خطة محكمة وبرنامج عمل واضح من أجل البدء في التأسيس لما تحدث عنه قيس سعيد حين كان مرشحاً.
"تونس الجديدة"، كيف ستكون بداية التأسيس وبأي شكل؟