مع "إصرار" فلسطين على الانفكاك التدريجي عن إسرائيل، زار رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية القاهرة، في مسعى إلى الانفتاح على الجانب المصري والتبادل التجاري.
وما إن وصل أشتية مع وفده الوزاري الرفيع المستوى المكون من أحد عشر وزيراً، حتى عقد اجتماعاً سريعاً وثُنائياً في الصالة الحكومية في مطار القاهرة، مع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، لفتح آفاق التعاون بين فلسطين ومصر في المجالات كافة، بما يعزز العلاقة الإستراتيجية بين البلدين.
وقف التحويلات الطبية
زيارة يبحث فيها أشتية عن قدرة مصر على حلحلة بعض الأزمات أو حتى إنهائها، بدءاً من المصالحة الفلسطينية وصولاً إلى ملف التبادل التجاري وملف العلاج في المستشفيات المصرية للمرضى كبديل عن الإسرائيلية. وكشف أشتية في تصريح صحافي، عن اتفاقيات مرتقبة مع الجانب المصري تشمل فتح المستشفيات المصرية أبوابها أمام المرضى الفلسطينيين، بعد إيقاف التحويلات الطبية إلى المستشفيات الإسرائيلية في مارس (آذار) 2019، حين اتفق الجانب الفلسطيني مع إدارات المستشفيات المصرية والأردنية، على تحويل المرضى إليها بدلاً من تحويلهم إلى المستشفيات الإسرائيلية. كما وأعلن أشتيه عن نية السلطة الفلسطينية نقل التجربة المصرية إلى المدن الجديدة ومشاريع الإسكان. فمصر وبحسب الحكومة الفلسطينية، تساعد على تدريب الشرطة وفتح المستشفيات وقضايا التجارة والنقل والمواصلات والقضايا الجمركية والمالية.
قرار سياسي
ووفق وزارة الصحة الفلسطينية، فإن 17 في المئة فقط من المرضى الفلسطينيين يجري تحويلهم إلى مستشفيات إسرائيلية، وقد بلغت قيمة الكلفة الإجمالية لعلاجهم عام 2017 حوالى 139 مليون شيكل، أي ما يعادل 32.3 في المئة من التكلفة الإجمالية للعلاج خارج مرافق وزارة الصحة. ويبلغ متوسط تكلفة علاج المريض الواحد في المستشفيات الإسرائيلية حوالى 8.558 شيكل، في حين لا توجد أرقام أو إحصاءات حول التكلفة الحقيقية في مصر أو الأردن.
الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة الفلسطينية أسامة النجار تحدث إلى "اندبندنت عربية" عن التحويلات الطبية إلى المستشفيات الإسرائيلية قائلاً "كانت تُكلف خزينة الدولة ما يقارب الـ 100 مليون دولار سنوياً، وبعد قرار وقف التحويلات الطبية، خُفّض المبلغ لأكثر من النصف، والحالات التي كان يجري تحويلها إلى المستشفيات الإسرائيلية يُعالج جزء منها في المستشفيات الفلسطينية، وما لا يوجد علاج له يُحوّل إلى مستشفيات الأردن ومصر، بعد الاتفاق معهما على ذلك، بتكلفة أقل من المستشفيات الإسرائيلية. وسنشهد العام المقبل انخفاضاً أكبر في فاتورة التحويلات الطبية مقارنة بالعام الحالي والماضي".
وفي ظل اقتطاع إسرائيل نصف مليار شيكل من عائدات الضرائب الفلسطينية (أموال المقاصة) منذ بداية العام الحالي، يأتي قرار السلطة وقف التحويلات الطبية إلى إسرائيل وتحويلها إلى دول عربية كمصر والأردن ودول أخرى، سياسياً يسعى إلى الانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل.
توطين الخدمة الصحية
ويضيف النجار أن "المستشفيات الإسرائيلية تعالج المرضى الفلسطينيين من دون موافقة وزارة الصحة، وهناك الكثير من الدلائل والحقائق والإثباتات التي بيّنت لوزارة الصحة الفلسطينية زيف الفواتير الباهظة للتحويلات الطبية من المستشفيات الإسرائيلية، بل وتقوم بخصمها من أموال المقاصة من دون الرجوع أو التدقيق مع وزارة الصحة الفلسطينية. وهناك التفاف مقصود من قبل إسرائيل بزج القطاع الصحي في اتفاقية أوسلو".
ويكمل الناطق الرسمي "تعاقدنا في الفترة الأخيرة مع تركيا لإجراء تحويلات زراعة الكبد، ومع الهند لإجراء تحويلات لزراعة القلب والرئتين. كما أن الوزارة تولي أهمية قصوى بأن يأخذ كل مريض فلسطيني حقه بالعلاج، ولا بد من توطين الخدمة الصحية والاعتماد على الذات، وأي مريض يتعذّر علاجه في مستشفياتنا سنعمل على تحويله إلى خارج البلاد، سواء إلى الأردن أو غيره من دول العالم. وضمن خطة وزارة الصحة الإستراتيجية الوطنية 2017-2022 والمُعتمدة من مجلس الوزراء، بذلت كل جهد ممكن لتوطين الخدمات الصحية الفلسطينية وتقليل التحويلات إلى الحد الأدنى".
ومن أجل توطين الخدمة والاستغناء عن التحويلات وتخفيفها قدر الإمكان، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في وقت سابق، استقطاب الكوادر الطبية الفلسطينية من الخارج، وافتتاح أقسام لجراحة قلب الأطفال والكلى والأعصاب، وعلاج الحروق داخل المستشفيات الفلسطينية. وفي عام 2019 قامت بإرسال 50 كادراً طبياً إلى الخارج للتعليم والتدريب بتخصصات مختلفة نادرة".
انفكاك تدريجي
وفي ضوء استمرار "الهيمنة" الإسرائيلية ومحدودية المصادر، وضعف قدرة القطاعين الخاص والعام على خلق واقع أفضل للفلسطينيين، هناك إجماع فلسطيني على أهمية الانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل، على أن يكون ضمن أولويات واضحة مدروسة وتدريجية، وبما يتوافق مع الواقع الاقتصادي الفلسطيني الذي يسعى إلى الانضمام إلى المنظمات الدولية المختلفة القادرة على ردع إسرائيل عن "انتهاكاتها الاقتصادية ضد السلطة الفلسطينية". ومع ذلك يرى اقتصاديون أن "الانفكاك يحتاج لسنوات وسنوات من العمل الجاد والحقيقي". وفي هذا الشأن، قال المحلل الاقتصادي نصر عبد الكريم لـ "اندبندنت عربية" إن "الأزمة الاقتصادية التي تمر بها السلطة الفلسطينية أكبر بكثير من أزمة المقاصة، فالأزمة المالية هي أزمة بدأت منذ عامين، وتحتاج لأكثر من عام للتعافي منها، وحل مشكلة الضرائب لا يعني حل مشكلة الاقتصاد الفلسطيني، التي تملك إسرائيل مفاتيحه."
انهيار وشيك
خطط ومشاريع وانفكاك مرتقب عن إسرائيل، يجري الحديث عنه بقوة على الصعيد الفلسطيني والإقليمي وحتى الدولي. ففي الوقت الذي أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني عن خطط وإستراتيجيات وطنية، أكدت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" في تقرير لها صدر أخيراً، أن "فلسطين تعيش أزمة إنسانية غير مسبوقة، وأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وصلت إلى نقطة الانهيار، في حين تدفع أزمة المقاصة مع إسرائيل المالية العامة الفلسطينية صوب انهيار وشيك."
إسرائيل قامت عام 2019 بخصم مبلغ 11.5 مليون دولار شهرياً من إيرادات المقاصة الفلسطينية (138 مليون دولار سنوياً)، والحكومة الفلسطينية ردت على ذلك برفض استلام أي شيء أقل من كامل مبالغ الإيرادات الضريبية المستحقة لها. وبسبب حرمان الحكومة الفلسطينية من ثلثي الإيرادات الضريبية، فقد اضطُرت إلى التكيف من طريق تخفيضات مؤلمة للمساعدات الاجتماعية، ودفع 50 في المئة فقط من رواتب موظفي القطاع العام.