لقد قمت مؤخراً وبشكل علني بالنأي بنفسي عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعدما أمضيت قرابة 30 عاماً في الحملات المناصرة له. لم أفعل هذا بطيش أو لأنني تحولت فجأة إلى رؤية جديدة لمستقبل المملكة المتحدة تتمحور حول الاتحاد الأوروبي. في الواقع، ما زلت أؤكد أن بريكست هو الطريق الأفضل لكل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، فإن خروج بريطانيا من منظمة التجارة العالمية فقط الذي يبدو أن الحكومة الحالية متشبثة به يشكل وفقاً للشروط الحالية تهديداً أكبر من العضوية في الاتحاد الأوروبي بكل الأحوال.
إنني من حزب المحافظين، وهذا يعني أنني بطبيعة الحال أشكك في التحركات الثورية الراديكالية. إذ يختلط الحابل بالنابل عندما يحل حماس التغيير محل العقلانية في صنع القرارات. وللأسف، نظراً لأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أصبح ثورة عن غير قصد، فإن بريكست الذي صوت له الكثيرون بحسن نية قد قُضي عليه الآن.
والأسوأ من ذلك، يبدو من المتوقع أن يحصل خروج "يميني متطرف" لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، استناداً إلى تصوير كل ممارسة شرعية للتمعّن على أنها مؤامرات النخب لإحباط إرادة الشعب.
يجب إيقاف بريكست هذا، فهو انقلاب يميني متطرف نابع بشكل مباشر من استراتيجيات المساعد السابق للرئيس دونالد ترمب ستيف بانون، ويجب إجراء حوار وطني حول الاتجاه الذي سنسلكه بعدها.
لقد وعدنا نحن مؤيدي الخروج بالانتقال الرشيد من المسار المؤسسي للاتحاد الأوروبي إلى الاتحاد السياسي الكامل، إلى ترتيب الاستقلال السياسي الذي تدعمه شراكات اقتصادية وتجارية مستمرة.
بالنسبة إلى داعمي بريكست ذوي الباع الطويل، مثلي، يعني هذا مغادرة حتمية للاتحاد الأوروبي وسياساته المشتركة في التجارة وصيد الأسماك والزراعة، وإعادة الاستقلال السياسي والقانوني الكامل للمملكة المتحدة، مع الحفاظ على الروابط الاقتصادية والمؤسسية الوثيقة مع الاتحاد من خلال المنطقة الاقتصادية الأوروبية (أو اتفاقية شبيهة بها) ، ومواصلة المشاريع المشتركة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي مثل، على سبيل المثال لا الحصر، إراسموس للتعاون الأكاديمي بين الدول الأوروبية وغاليليو لتوفير نظام تحديد مواقع عالي الدقة.
سيظل الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء شركاء وأصدقاء مهمين للغاية، مع استمرار المملكة المتحدة في العمل عن كثب معهم بشأن قضايا المصالح المشتركة الرئيسية، مثل التغير المناخي، وضغوط الهجرة ، بينما تبدو روسيا على استعداد للمباغتة في أي لحظة. حيث تعمل مع الاتحاد الأوروبي، ولكن ليس تحت إدارته.
للأسف، قُوّض هذا الوعد من قبل أولئك في داخل وخارج حزب المحافظين الذين دفعوا كلاً من ماي وجونسون الآن لتبني رؤية متطرفة من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتي لن تفشل فقط في تقديم القيمة الاقتصادية التي سيقدمها الخروج المناسب، ولكنه في الواقع خروج سيتسبب لا محالة في صدمة اقتصادية أستطيع أن أستنتج فقط أنها متعمدة. سيؤدي هذا فقط إلى زيادة المطالب بالعودة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي الممنوحة بشروط أسوأ مما لدينا الآن.
علاوة على ذلك، إنه خروج يدمر بطريقة مروعة الشراكات الدبلوماسية التي عملنا بجد لتعزيزها منذ الخمسينيات، ويهاجم المؤسسات المحلية الرئيسية مثل البرلمان والقضاء والنقابات وحتى الملكية. حتى أنه يجازف بالسلام في أيرلندا، الأمر الذي يخاطر بالعودة إلى العنف الذي لم نشهده منذ تسعينيات القرن الماضي.
باختصار، إن الأمر يتعلق بأن يكون الخروج غير محافظ قدر الإمكان.
إن خروج بريطانيا المخادع هذا هو حصان طروادة مصمم للتغرير بالمملكة المتحدة في مجموعة من السياسات الاقتصادية والتجارية التي ما كنا سنوافق عليها بطريقة واعية. وبالتالي، فإنه خروج غير شرعي وغير ديمقراطي كلياً يهدد بتدمير الأشياء التي قررنا إنقاذها. لم يكن تفويض المغادرة يوماً تفويضاً بتدمير دستورنا من أجل تحقيق الخروج.
النقد الذي كنا قد وجهناه في السابق ضد الاتحاد الأوروبي (وكنا صائبين في ذلك) يجب أن نوجهه الآن ضد أنفسنا: نحن نستخدم السفسطة لتفادي الحاجة إلى تبرير النتائج التي تفتقر إلى الموافقة الديمقراطية، ونحن نحرف الحقائق الواضحة، ونتجاهل القواعد التي تتناسب مع أهدافنا.
والأسوأ من ذلك، هو أنه في حين أن بريكست سيستقطب دائماً دعماً غير مرحب به من العنصريين ذوي العقول الصغيرة، فقد أصبحت المشاعر المعادية "للأجانب" الآن هي الجانب المسيطر على مفردات اللغة البريكستية، وهي جرثومة تسمم الحياة الوطنية، وتُبعد بطريقة مخزية هؤلاء الأوروبيين الذين اتخذوا من المملكة المتحدة وطناً لهم. لا شيء يوضح ذلك أكثر من الهجمات المروعة الأخيرة على أنغيلا ميركل على الموقع الرسمي لمجموعة الحملة السياسية الداعمة لبريكست Leave.eu، التي قارنتها بهتلر.
المفارقة هي أن أولئك الذين يعودون بالذاكرة إلى بريطانيا الجسورة التي هزمت الفاشية الأوروبية أصبحوا قريبين بشكل خطير من الفاشية التي يسخرون منها. يعيش آرون بانكس ونايجل فاراج في عقلية أربعينيات القرن العشرين المعتقدة أن البريطانيين ما زالوا في حالة حرب مع أوروبا، إنهم خزي وطني، ويدعون إلى حلول قومية واستبدادية للمشاكل الدولية المعقدة. ويبدو أنهم يتمتعون بالسلطة حتى عندما لا يحتلون المناصب.
لا يمكنني، بأي مصداقية، أن أنتقد اتحاداً أوروبياً يبشر بقيم ديمقراطية لا يطبقها بصورة كافية، بينما لا أقوم في الوقت نفسه بانتقاد ما آل إليه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: ثورة مريرة مليئة بالكراهية، إن لم تتم إعادة توجيهها، فإنها ستلحق الضرر ببلدنا ومكانته العالمية وشعبها لسنوات عديدة مقبلة. كما أنه سوف يزعزع استقرار أيرلندا وربما الاتحاد الأوروبي. وليس هذا بالأمر غير المنصف فحسب، بل هو خطير.
نحتاج بشكل ملح أن نقف وقفة تأمل، ونجري بعض أشكال الحوار الوطني ونتأكد من أن أي خروج من الاتحاد الأوروبي نفضله الآن قائم على القيم الليبرالية، والموافقة الديمقراطية والاقتصاد المستدام، وليس خروجاً يعكس فقط قيم أقلية صغيرة من السكان.
يجب أن يكون خروجاً يفي بالوعد وكذلك يحد من السلبيات كي يتمكن مؤيدو البقاء من تحمله. لأن الموافقة هي سمة من سمات دستورنا منذ أيام البرلمان النموذجي في تسعينيات القرن العشرين عندما قرر الملك إدوارد "أن ما يخص الجميع يجب أن يقرره الجميع". وقد أنشيء البرلمان على وجه التحديد ليكون صوت الأشخاص الذين يقررون نيابة عن الشعب.
وبالتالي، فإن بريكست القائم على مبدأ "الفائز يأخذ كل شيء" والذي تفضله الحكومة حالياً هو غير دستوري تماماً لأنه يتجاهل الرغبة المشروعة لـ 48 في المئة من الناس الذين صوتوا ضده لتخفيف آثاره السلبية. والبرلمان، وليس الحكومة، هو الشعب، لذلك يجب أن يكون البرلمان، وليس الحكومة ، الحكم النهائي لكيفية تنفيذ الخروج.
في الوقت الحالي، تسعى تلك الحكومة لتحقيق خروج سيجعل المملكة المتحدة أكثر فقراً من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وسيؤدي إلى زعزعة استقرار جيراننا، وسيؤدي إلى تقويض المؤسسات الذي سعى إلى تمكينها. إنه شكل من أشكال بريسكت لا يتمتع بدعم الأغلبية، وربما لم يحظ به على الإطلاق. إنه ليس الخروج الذي قمتُ بحملات من أجله، وأنا آسف لأنني صوت لصالحه.
© The Independent