بعد ظهور الفوتوغرافيا وانتشارها في نهاية القرن التاسع عشر، جاء إلى الشرق العديد من المصورين الغربيين بهدف الاستكشاف أو المغامرة، أو حتى البحث عن أجواء جديدة ومختلفة. ولا شك في أن أغلب الصور التي تعود إلى تلك الفترة تتسم عادة بسمات مشتركة، نتيجة للأساليب المستخدمة في التصوير والطباعة وحداثة العمل على التقنية الجديدة. خلافاً لهذه السمات المتعلقة بالشكل هناك سمات أخرى لها علاقة بالمضمون أو المحتوى الذي يتم تصويره، وهي سمات متعلقة بالخلفيات والتركيبة الثقافية لهؤلاء المصورين أنفسهم. الغالبية الكبيرة من هؤلاء المصورين جاؤوا إلى الشرق تحت تأثير النظرة النمطية للحياة فيه، كما أن بعضهم أيضاً كان مدفوعاً بشعور مسيطر بالتميز أو التفوق الحضاري.
في هذه الصور قد تكون الخلفية حيادية ذات بنية مُغلقة، أو مفتوحة أحياناً على عنصر شرقي تقليدي كقبة أو مئذنة لمسجد، أو معبد أثري. تغلب على هذه الصور الدرجات الكابية والعتيقة بحكم التقنيات المستخدمة. سمات أخرى تتكرر في الكثير من هذه الصور بينها مثلاً طريقة اصطفاف العناصر داخل المشهد، وتطلع الأشخاص وحماستهم نحو المصور، أو انغماسهم في التفاصيل، والتصنّع في الحركة أو الوجل من مصدر الضوء. تبدو المرأة بين كل هذه التفاصيل كجزء من الديكور المكمل للمشهد، ربما تتحرك خلاله تحت وطأة حياة قاسية أو تتحاشى النظر نحو المصور أحياناً. صورة المرأة الشرقية التي قدمتها لنا الفوتوغرافيا عند ظهورها تبدو مختلفة عن هذه التي قدمها الفنانون الغربيون في لوحاتهم ورسوماتهم في العصور التي سبقت ظهور الصورة الفوتوغرافية، والتي غالباً ما كانت تصور المرأة الشرقية كجزء من منظومة الحريم والمحظيات، أو الجواري العاريات والفاتنات في مجالس اللهو والسمر الليلي. وهي كلها بالطبع مشاهد مُتخيلة، وتستند إلى حد كبير على الصورة النمطية الشائعة للحياة في الشرق كما كان يراها الغربيون في ذلك الوقت، ولعل هذا التنميط والتصورات المُسبقة لدى هؤلاء المصورين عن الحياة في الشرق قد أسهما كثيراً في تشكيل هذه الصور القديمة عن المرأة العربية والشرقية في شكل عام.
مشاهد وأساليب
تتتبع الفنانة العراقية سما الشيبي في أعمالها خطوات هؤلاء المصورين الاستشراقيين، وتتقصى طريقتهم في بناء واختيار المشهد، كما تُعالج صورها بالتقنيات والأساليب التي كانت مُستخدمة في بداية ظهور الفوتوغرافيا. تعرض الشيبي جانباً من أعمالها هذه حتى منتصف نوفمبر(تشرين الثاني) المقبل تحت عنوان "عرض مُتخيل" في قاعة أيام في دبي. معظم أعمال الشيبي تسلط الضوء على صورة المرأة العربية عند هؤلاء المصورين الأوائل ورؤيتهم لها. وهي هنا لا تسعى إلى التقليد أو ابتكار مشهد مُفتعل، بل هي تعيد صوغ الصورة من جديد كما تراها، بعيداً من أجواء التعالي والتنميط، هي ببساطة تسخر من كل هؤلاء الاستشراقيين وقناعاتهم السقيمة التي أودعوها صورهم. في أعمال الشيبي تواجه المرأة عدسة الكاميرا في تحد واضح. المرأة هنا تحمل فوق كاهلها أعبائاً مضاعفة، وهو ما عبرت عنه الشيبي في الصور من طريق هذه العناصر والتراكيب المصاحبة التي تحملها المرأة. ربما تتسم هذه الإشارات بالمباشرة في ما يخص تجسيدها لقوة التحمل والتضحية أو الصراع اليومي الذي تخوضه المرأة العربية، في منطقة تموج بكل أنواع الضغوط. هذه المباشرة لا تسبب خللاً للمشهد، بل تضفي عليه جماليات بصرية مختلفة وذات خصوصية. يبقى أن ننوه هنا إلى هذا التماهي بين تجربة الشيبي الفوتوغرافية وتجربتها الحياتية، هذا التماهي الذي يعكسه حضورها داخل المشهد الفوتوغرافي، فهي حاضرة داخل الصورة بجسدها، وحاضرة كذلك بتركيبتها الثقافية وهويتها الموزعة بين العراق من جهة أبيها، وفلسطين من جهة أمها، والولايات المتحدة الأميركية حيث تعيش وتعمل حالياً. انعكست هذه الهويات الثلاث على تجربة الفنانة سما الشيبي في شكل عام من خلال تصديها للبحث في تاريخ المنطقة ورصدها للتحولات المختلفة التي طرأت عليها على المستوى الثقافي والاجتماعي والديموغرافي، وعلاقة كل ذلك بالصراع السياسي والثقافي بين الشرق والغرب.
ولدت سما الشيبي في مدينة البصرة العراقية، وهي حاصلة على درجة الماجستير في التصوير والفيديو والإعلام من جامعة كولورادو. تعمل الشيبي وتمزج في أعمالها بين مجموعة من الوسائط الفنية المختلفة، كالفوتوغرافيا والفيديو والآداء والأعمال التركيبية. وهي تقيم حالياً في الولايات المتحدة الأميركية حيث تعمل في تدريس الفوتوغرافيا والفيديو بجامعة أريزونا.