قبل نحو 24 ساعة على انتهاء مهلة الـ72 ساعة التي أعلنها الحريري لإجراء خطوات تصحيحية عاجلة، آملاً إخماد غضب الشارع، نزل عشرات آلاف اللبنانيين إلى بيروت رافعين صوتهم ومطالبين باستقالة الحكومة، جاعلين من ساحتي الشهداء ورياض الصلح لوحة "مليونية" يزيّنها العلم اللبناني.
وعقب تظاهرة سلمية وحاشدة السبت، تلت يومين من الاحتجاجات انتهيا بأعمال عنف واشتباكات مع القوى الأمنية، المشهد اللافت اليوم الأحد في ساحة رياض الصلح كان تراجع قوى مكافحة الشغب من خلف الأسلاك الشائكة الموضوع أمام السراي الحكومي، بعدما أنشأ المحتجون "درعاً بشرياً باللحم الحي" عبر مجموعة من النساء اللواتي منعنَ أي احتكاك مع القوى الأمنية.
النساء يُبعدن قوى مكافحة الشغب
وتؤكّد إحدى الشابات المشاركات في تأمين سلامة التظاهرات في رياض الصلح أن لا خوف من وقوع اشتباكات، قائلةً "نحن نساء نحميهم (المحتجين) بأجسادنا ولن يستطيعوا الوصول إلى عناصر الجيش". وتضيف أن قوى مكافحة الشغب تراجعت عندما رأت الفتيات يحرسن الأسلاك الشائكة، التي علّق عليها المحتجون سلسلة أوراق كُتب على كلّ منها اسم سياسي، مرفقاً بكلمة "حرامي".
وعمّا إذا كان المتظاهرون سيعودون الاثنين إلى الساحة، تقول المواطنة ندى قاعي "سنكون كما اليوم، نقابة العمال أصدرت بياناً بإقفال جميع المؤسسات والشعب في المبدأ صامد وموحّد من أجل إلغاء الطائفية والفساد". وتضيف أنه لا مجال لإعطاء فرصة جديدة لهذه الطبقة السياسية الحاكمة الموجودة "منذ 35 سنة في الحكم، الوالد يورث ابنه، والذي تغيّر اليوم هو استيعاب الشعب أن ما حُكي لم يكن يوماً الحقيقة ولن يكون... هذه إبر بنج ليسرقوا المزيد".
ويعبّر المواطن حسين ابراهيم عن تعب الشعب والفقراء الذين تطالهم الضرائب التي لا يتأثّر فيها الأغنياء، إذ "يصرف الفقير أمواله على تعليم أبنائه ولا يبقى له شيء ليأكل به".
كبار وصغار ومشاهير
وبدأ المحتجون بالتوافد إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح منذ ساعات الصباح الباكرة. وعلى الرغم من تساقط زخات المطر قرابة الساعة الواحدة لبعض الوقت، استمرّت أعداد المحتجين بالارتفاع وملأوا ساحات بيروت التي غطّاها العلم اللبناني. وقبل أن يبدأ المتظاهرون بالوصول، حضر بعض الناشطين باكراً وعملوا على تنظيف ساحات وشوارع بيروت من مخلّفات تظاهرة يوم أمس.
وصل اللبنانيون إلى بيروت من مختلف المناطق، عائلات وأطفال وشباب، وأصبح التنقّل في شوارع العاصمة التي تربط ساحة رياض الصلح بساحة الشهداء صعباً جداً. وشارك في تظاهرات بيروت أيضاً عدد من المشاهير، منهم الفنانان رامي عياش وسعد رمضان والممثل ماريو باسيل والإعلامي محمد قيس والفنان جو رعد. وردّد المحتجون شعار "ثورة ثورة" و"كلن يعني كلن"، وحمل بعضهم لافتات نادت بفرض ضريبة تصاعدية تطال الأثرياء وبتطهير الأجهزة الرقابية والقضائية من الفاسدين وبزيادة الضرائب على أرباح المصارف وباستعادة الأموال المنهوبة.
"للأسف عدنا إلى لبنان"
يقول أحد المشاركين في الاحتجاجات، الذي حضر برفقة زوجته وطفله البالغ من العمر بضعة أشهر فقط، "جئنا من أجل مستقبل طفلنا"، مضيفاً "كنا من المغتربين، وللأسف عدنا إلى لبنان". وتؤكّد امرأة أخرى أنها حضرت إلى التظاهرة لأنها ترغب في أن يبقى أولادها في لبنان عوض مغادرته، مضيفةً أنه يجب تشكيل حكومة تكنوقراط (حكومة اختصاصيين) تدير البلد كما يجب.
ومع المشاركة الكثيفة للشباب في التظاهرات على الأراضي اللبنانية، تقول مجموعة من الطالبات إن الجامعة التي يرتادونها أجّلت الاختبارات التي كانت مقرّرة في الأسبوع المقبل، وذلك في ضوء التطوّرات الميدانية في لبنان وعدم استعداد التلاميذ للخروج من الشارع.
رقص وعزف وورق... وحوض سباحة
وعلى الرغم من مطالبة جميع المتظاهرين باستقالة الحكومة، إلاّ أنّ رؤيتهم اختلفت حول كيفية المضي قدماً لتنفيذ الإصلاحات. فبعضهم ينادي بانقلاب عسكري يسجن الجيش بموجبه جميع السياسيين "الفاسدين" ويتولى زمام السلطة، وآخرون ينادون بتشكيل حكومة اختصاصيين مصغّرة لتنظّم انتخابات مبكرة.
ولتمضية الوقت ومحاربة الملل، رقص المحتجون على وقع الأغاني الوطنية وأحضر بعضهم آلات موسيقية كالطبل والدربكة. كما لجأ آخرون إلى افتراش الطريق واللعب بالورق، فيما أحضرت مجموعة من الشباب حوض سباحة ملأوه بالمياه وجلسوا فيه. وبالطبع لم تغب الأركيلة عن ساحات الثورة في بيروت، وكذلك الكلاب التي شاركت في التظاهرات. هذا وامتلأت جدران العاصمة بالشعارات المندّدة بالسلطة الحاكمة، ومنها "يسقط حكم المصرف" و"لبنان للشعب" و"الوطن للأغنياء الوطنية للفقراء".
وتجدر الإشارة إلى أن إرسال شبكات الهواتف المحمولة شبه مقطوع في العاصمة، حيث يصعب جداً إجراء اتصالات هاتفية أو حتّى الولوج إلى شبكة الإنترنت.