حمل اعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية المعروفة ب"البوكر" العربية مفاجأتين هذه السنة ، الاولى اختيار ادارتها اعلانها مساء اليوم من مدينة القدس، وهي المرة الاولى تحتفي الجائزة بفلسطين كمكان يمارس وجوده الحقيقي وليس فقط كرواية عن الارض المحتلة والشعب المضطهد ،اما المفاجاة الثانية فتمثلت في احتلال اربعة اسماء نسائية هذه القائمة المؤلفة من ستة، وهذه ظاهرة لافتة جدا تدل على ان المرأة بات لها حضور قوي في الساحة الروائية العربية التي طالما كانت الغلبة فيها للرجال. بل ان هذه الظاهرة تؤكد ان دخول المرأة عالم الكتابة الروائية لم يكن مجرد "طفرة" شهدها العقد الاخير، وتؤكد ايضا ان المشروع السردي النسائي بات في مقدم المشهد الروائي العربي.هاتان المفاجآتان لم تعرف جائزة "البوكر" العربية ما يماثلهما في دوراتها السابقة، فهي كانت دوما محط سجال اعلامي ونقدي تتعدد فيه الاراء واحيانا الاتهامات وتتناقض. والجميل ان المؤتمر الصحافي عقدته لجنة الجائزة في المسرح الوطني الفلسطيني – الحكواتي في مدينة القدس، وهو مسرح يعني الكثير للفنانين والجمهور الفلسطيني، فعلى خشبته تقدم اهم العروض الوطنية والعالمية. وبما ان زيارة القدس ليست سهلة تحت الاحتلال وعبر الحواجزالمزروعة على طرقها، فإن أربعة من أعضاء لجنة التحكيم شاركوا في المؤتمرمن خلال تطبيق الاتصال بالفيديو "سكايب"، وهذه طريقة باتت معتمدة من اجل كسر الحصار. وتضمنت القائمة القصيرة، الكتاب والروائيين: اللبنانية هدى بركات (بريد الليل، دار الاداب)، الاردنية كفى الزعبي (شمس بيضاء باردة، دار الاداب)، السورية شهلا العجيلي (صيف مع العدو، منشورات ضفاف)، المصري عادل عصمت (الوصايا، دار الكتب خان) ، العراقية إنعام كجه جي (النبيذة، دار الجديد) والمغربي محمد المعزوز (بأي ذنب رحلت؟ المركز الثقافي العربي).
وكانت لجنة الجائزة اختارت الإعلان عن القائمة القصيرة من مدينة القدس في إطار النهج السنوي الذي اعتمدته باختيار مركزٍ يعبر عن المشهد الثقافي العربي كل عام لتعلن منه قائمتها القصيرة. وفي سبيل رفع تحية الى فلسطين تسعى الجائزة الى عقد سلسلة من الانشطة الثقافية في مدينتي رام الله وبيت لحم في الضفة الغربية، واحتفاءً كذلك بالإبداع الأدبي الفلسطيني، نظرا إلى وصول عدد من الكتّاب الفلسطينيين إلى القائمتين الطويلة والقصيرة في الدورات السابقة، وأبرزهم الروائيان إبراهيم نصرالله، وربعي المدهون، الفائزان بالجائزة في عامي 2018 و2017 على التوالي.
وكانت ثلاث كاتبات وصلن سابقا الى القوائم الطويلة والقصيرة، من بينهن إنعام كجه جي التي ترشحت الى القائمة القصيرة عامي 2009 و2014 عن روايتي "الحفيدة الأمريكية" و"طشّاري"، وشهلا العجيلي، التي وصلت إلى القائمة القصيرة عام 2016 عن رواية "سماء قريبة من بيتنا" وشاركت في ورشة الجائزة للإبداع عام 2014، وهي أصغر كتّاب القائمة القصيرة سنا، بينما وصلت هدى بركات إلى القائمة الطويلة عام 2013 عن رواية "ملكوت هذه الأرض".
الناقد المغربي شرف الدين ماجدولين، رئيس لجنة التحكيم كانت له كلمة مهمة تناول فيها الروايات الفائزة والمعايير التي اعتمدت في التحكيم، وفي رأيه ان الروايات الست المختارة مختلفة كثيرا في موضوعاتها وفي أساليبها واختياراتها الجمالية، فهي تجمع ما بين الرواية العائلية، ورواية الذاكرة، وخيبة الأمل والمنفى والهجرة، و تعكس فضاءات محلية متنوعة جراء انتمائها الى بلدان عربية شتى. "إنها روايات تعكس واقعاً متبايناً ورؤى عميقة وناضجة ومؤثرة من الراهن العربي، و في الآن ذاته تقترح صيغا سردية بديعة تستجيب لطبقات مختلفة من المتلقين".
وتحدث ياسر سليمان، رئيس مجلس الأمناء قائلا: "تطلُّ علينا القائمة القصيرة لهذه الدورة بأصواتٍ أدبيةٍ تبدع في تناولها لموضوعات رواياتها، والتي يعود بعضها إلى الماضي فيستحضره بلغة تأسر الواقع وتتجاوزه؛ لترسم صورة للحنين إلى ماض لن يعود. ويستلهم بعضها الآخر ثيماته من مآسي الحاضر المتنوعة؛ مآسي تَحطُّم الأوطان وانكسار إنسانية الإنسان أمام جبروت قوى تقضم ما يقف أمامها بلا شفقة. ويميز هذه الروايات غوايتها باللغة، وآليات سردها المتداخلة، ورواتها الذين يتداولون الأدوار في النص الواحد بأصوات متوازية متنافرة تتنازع القارئ وتجذبه إليها. ولا شكّ في أن صدارة الأصوات النسائية في هذه القائمة لأول مرة في تاريخ الجائزة العربية يمنحها ريادة جديرة بالحفاوة. ومما يزيد من احتفائنا في هذه القائمة هي فرصة الإعلان عنها من القدس الشرقية، بتاريخها الثقافي العميق، والذي هيّأ لها فرصة الانخراط من موقع المنتج والمتلقي في أدبها العربي على مر العصور".
اما الروايات الفائزة فهي تختلف بعضا عن بعض، ف"بريد الليل" رواية حول بشر هاربين من مصائرهم بعدما صار الصمت والعزلة والكآبة والاضطراب عالمهم الجديد، وهي رواية إنسانية ذكية الحبكة توازن بين جدة التقنية وجمال الأسلوب وراهنية الموضوع الذي تعالجه، بينما تسلط رواية "شمس بيضاء باردة" الضوء على مصادر أزمة الشباب، وتطرح مسألة الثقافة العقلية لدى النخبة في مجتمع جامد أبى أن يتغير."الوصايا" رواية حول أجيال ذكورية، تصوّر حياة الريف المصري قبل الستينيات ثم تقدّم صورة عن التغييرات الاجتماعية الكبيرة التي طرأت عليه بتأثير الانفتاح على المدينة والسفر والتعليم. وترسم رواية "صيف مع العدو" مشاهد من حياة مدينة الرقة السورية على امتداد ثلاثة أجيال؛ فهي سيرة مدينة، ولكنها أيضا سيرة مواطنين يدفعهم سوء الواقع إلى الهجرة إلى أماكن بعيدة ولغات مختلفة، وإلى فقدان الهوية. أما رواية "بأي ذنب رحلت؟" فهي حكاية المثقفين، حكاية الخيبة التي عاشها ذلك الجيل على امتداد البلاد العربية، بل بلاد العالم الثالث، ولكنها حكاية الأمل أيضا في النهوض والبدء من جديد. وتصور رواية "النبيذة"، من خلال شخصيتين نسائيتين، أصداء حقبتين من تاريخ العراق الحديث، الملكية والجمهورية. ولا تغفل المسألة الفلسطينية التي تدخل إليها من خلال شخصية الحبيب الفلسطيني المهجر الذي يتنقل بين عواصم العالم حاملا معه ماضيه وهويته.
اما لجنة لجنة التحكيم للدورة الثانية عشرة2019 – فتكونت من: شرف الدين ماجدولين (رئيس اللجنة)، أكاديمي وناقد ، فوزية أبو خالد، شاعرة وكاتبة وأكاديمية وباحثة سعودية ،زليخة أبوريشة، شاعرة وكاتبة اردينة؛ لطيف زيتوني، أكاديمي وناقد لبناني ؛ وتشانغ هونغ يي، مترجمة وباحثة صينية.
وحدّد يوم الثلاثاء 23 أبريل- نيسان 2019 لإعلان اسم الرواية الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية في احتفال يقام في أبوظبي عشيّة افتتاح معرض أبوظبي الدولي للكتاب.