في الوقت الذي يتوسع فيه النظام التركي في إثارة الأزمات الخارجية، تشير البيانات والأرقام الرسمية إلى أن اقتصاد تركيا يزحف بشدة صوب أزمات جديدة مع استمرار انهيار الليرة وارتفاع العجز العام، إضافة إلى استمرار هروب المستثمرين مع إصرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إدارة الملف الاقتصادي وفق رؤيته الخاصة بعيداً عن النظريات والمدارس الاقتصادية سواء القديمة أو الحديثة.
وفقاً لوكالة "رويترز"، قال مصدر مطلع إن الحكومة التركية تعمل على تشريع لتحويل حوالي 17 مليار دولار من حساب خاص تابع للبنك المركزي إلى وزارة الخزانة.
وذكر المصدر أن أنقرة تعكف منذ بضعة أشهر على صوغ الخطة، التي إذا تمت الموافقة عليها، قد تسمح بتحويل حوالي 100 مليار ليرة (17.1 مليار دولار) إلى الخزانة. وأضاف أنه لم يتم اتخاذ قرار نهائي. لكن وزارة الخزانة والبنك المركزي امتنعا عن التعقيب.
وفي يوليو (تموز) الماضي، أقر البرلمان التركي في قانون يسمح بتحويل الاحتياطيات القانونية لدى البنك المركزي التي تقدر بنحو 40 مليار ليرة إلى الخزانة.
ورفعت تركيا الشهر الماضي من توقعاتها لنسبة العجز في الميزانية إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.9% للعام الحالي من 1.8% في تقديراتها السابقة.
وأظهرت البيانات الرسمية، أن العجز في الميزانية بلغ 85.5 مليار ليرة (14.64 مليار دولار) في الأشهر التسعة الأولى من العام، بينما قدرت أنقرة أن العجز في نهاية العام سيبلغ 125 مليار ليرة (21.4 مليار دولار).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عجز الموازنة يقفز لـ3 مليارات دولار في سبتمبر
قبل أيام وفي إطار الأزمات التي تحاصر الاقتصاد التركي، أظهرت بيانات أعلنتها وزارة المالية في الحكومة التركية، أن عجز الميزانية التركية بلغ 17.71 مليار ليرة (3 مليارات دولار) في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.
وأوضحت أن ميزانية سبتمبر (أيلول) الماضي تظهر أن العجز الأولي الذي يستبعد مدفوعات الفائدة بلغ 5.6 مليار ليرة (0.958 مليار دولار) في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وسجلت الميزانية عجزا بلغ نحو 85.8 مليار ليرة (14.69 مليار دولار) في أول تسعة أشهر من العام بحسب البيانات مقارنة مع نحو 56.7 مليار ليرة (9.7 مليار دولار) قبل عام.
أنقرة تعتمد إجراءات جديدة لوقف انهيار الليرة
التحركات التركية الأخيرة بدأت بإعلان وزير الخزانة والمالية التركي براءت ألبيرق، أن بلاده تعتزم الإعلان عن سياسة جديدة لتعزيز المدخرات بالعملة المحلية وتقليل الاعتماد على رأس المال الأجنبي، وهو ما يأتي في إطار عدد من الإجراءات التي تتبناها الحكومة التركية منذ فترة ليست بالقصيرة من أجل محاصرة عدد من المشكلات الاقتصادية، التي يأتي على رأسها تراجع قيمة العملة الوطنية (الليرة). كما أنه يأتي بعد فترة وجيزة من ارتفاع حيازات الأتراك من العملات الأجنبية وبلوغها مستوى قياسياً.
وتنطوي هذه المساعي التركية على العديد من الدلالات، كما أن الإقدام عليها يثير العديد من التساؤلات بشأن مدى كفاءة هذه الإجراءات في حد ذاتها في تحقيق الأهداف المتعلقة بإنقاذ العملة المحلية، وقدرتها على محاصرة المشكلات الآنية وطويلة الأمد التي تواجه الاقتصاد التركي بشكل عام.
ويعيدنا هذا الإجراء إلى عام 2004 حينما أقدمت الحكومة التركية على التدخل في سوق الصرف وحذفت 6 أصفار من قيمة عملتها بعد انهيارها أمام الدولار الأميركي، وهو الإجراء الذي دفع إلى استقرار ربما مؤقت في سوق الصرف وعمل على تعزيز الليرة التركية مقابل العملات الدولية، لكنه في الوقت نفسه قفز بمعدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، وتأثرت جميع القطاعات الاقتصادية وخصوصا الشركات العاملة في السوق التركية بهذا القرار.
على صعيد الديون الخارجية القصيرة المدى، تشير بيانات البنك المركزي التركي، إلى ارتفاعها بنهاية شهر يونيو (حزيران) الماضي بنحو 5% مقارنة بنهاية عام 2018 السابق لتسجل نحو 122.9 مليار دولار. وتراجعت ودائع المقيمين بالخارج من الليرة بنحو 2.5% مقارنة بنهاية العام الماضي لتسجل 13.7 مليار دولار.
وارتفعت ديون واردات القطاعات الأخرى بنحو 2.8% مقارنة بنهاية عام 2018 لترتفع إلى 41 مليار دولار.
الوكالات تواصل خفض التصنيف الائتماني
في السياق ذاته، وعلى صعيد الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تركيا، يشير تقرير منظمة "اونتكاد" التابعة للأمم المتحدة، إلى أن هناك تراجعا حادا في الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تركيا خلال السنوات الثلاث الماضية، كاشفاً عن تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بتركيا في الفترة من عام 2016 حتى نهاية عام 2018.
وأظهر التقرير إنه في عام 2015 جذبت تركيا نحو 18.989 مليار دولار ثم بدأت الاستثمارات تتراجع بشكل حاد. ففي عام 2016 تراجعت الاستثمارات في تركيا إلى نحو 13.705 مليار دولار ثم تراجعت أيضا في عام 2017 لنحو 11.478 مليار دولار، ثم واصلت الاستثمارات في التراجع لتسجل نحو 12.944 مليار دولار بنهاية العام الماضي.
هذا وتقدر خسائر المستثمرين الكويتيين في سوق العقارات التركية بنحو 12 مليار دينار (39.48 مليار دولار) وفقاً لتقديرات غير رسمية.
ودفعت هذه المؤشرات السلبية وكالة "فيتش" للتصنيفات الائتمانية إلى خفض تصنيفها للديون السيادية لتركيا إلى BB- مع نظرة مستقبلية سلبية، قائلة إن عزل محافظ البنك المركزي التركي السابق يسلط الضوء على تدهور في استقلالية البنك وتماسك السياسة الاقتصادية ومصداقيتها.
وتوقع محللون وخبراء اقتصاديون، سلسلة من التخفيضات والتقييمات السلبية من قبل وكالة التصنيف والائتمان الدولية للديون التركية خصوصا الخارجية ومناخ الاستثمار في تركيا خلال الفترة المقبلة.
وذكروا أن تخفيض تصنيف وكالة التصنيف الائتماني "فيتش" للديون السيادية التركية أمر متوقع في ظل التدخلات المستمرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السياسات النقدية والمالية بالبلاد والتي وصلت إلى عزل محافظ البنك المركزي التركي الرافض لتوجيهاته.
وتشير التوقعات إلى أن التصنيف الأخير لوكالة "فيتش" سيسهم في ارتفاع الفوائد على أدوات الدين التركية خصوصا السندات المطروحة أو المزمع طرحها في البورصات العالمية، يعقبه ارتفاع تكلفة الديون التركية بمستويات كبيرة تنعكس سلبا على حجز الموازنة التركية المتفاقمة بالفعل.
انتشار واسع لعمليات "الدولرة" والمضاربات
في وقت سابق، أشار تقرير أعده مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، إلى أن الأتراك عمدوا خلال الفترة الماضية إلى شراء الدولار واليورو كوسيلة للتحوط في مواجهة هبوط قيمة الليرة، وهو اتجاه أبقى على العملة التركية غير مستقرة طوال الفترة المنقضية من العام الحالي، حيث تراجعت قيمة الليرة أمام الدولار إلى ما يزيد على 6.5 ليرة لكل دولار في عام 2018، بما يعني أنها خسرت 30% من قيمتها مقارنة بالدولار خلال العام الماضي، وارتبط ذلك بهجرة رؤوس الأموال الأجنبية من السوق المالية التركية، بنسبة تصل إلى 40% بين بعض فئات المستثمرين الأجانب.
ونتيجة لذلك، اتجه الأتراك إلى الاستغناء عن الليرة والتحوط من تدهور قيمتها بحيازة العملات والأصول التي تتمتع بالمزيد من الاستقرار. وقد أظهرت بيانات البنك المركزي التركي أن الودائع والموارد المالية بالعملات الأجنبية والمعادن النفيسة الموجودة بحوزة الأتراك، سواء الأفراد أو الشركات، بلغت 188.97 مليار دولار بنهاية أغسطس (آب) الماضي، بعد أن بلغت مستوى قياسياً وصل إلى 190.51 مليار دولار في منتصف الشهر ذاته.
وإلى جانب أزمة الليرة، وتأثيرها في مظاهر الاستقرار المالي، عانى الاقتصاد عجزا في الميزان التجاري تبلغ نسبته ما يناهز 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2018، وهي نسبة كبيرة وقياسية بالنسبة لهذا الاقتصاد منذ سنوات طويلة.
وارتبطت هذه المشكلة بأزمات أخرى قريبة منها من حيث التصنيف القطاعي، لا سيما أزمة ارتفاع الدين الخارجي. وقد ذكرت وكالة "فيتش" أن الاقتصاد يحتاج ما يقارب 230 مليار دولار من أجل التخلص من أزمة تضخم الدين الخارجي الخاصة به، سواء تعلق الأمر بالديون المستحقة بالفعل أو الديون الآجلة.