لم يعد ممكناً في العراق، تعريف "المتظاهر السلمي"، بعد هيمنة العنف على أول أيام موجة الاحتجاج الجديدة في البلاد، حيث بلغت حصيلة الضحايا نحو 40 قتيلاً وثلاثة آلاف جريح، فضلاً عن إحراق عشرات المقرات الحكومية والحزبية في مناطق الوسط والجنوب.
كان التحول الواضح في اتجاه التظاهرات نحو العنف واضحاً. إذ استغلت الاحتجاجات على ما يبدو من قبل أطراف سياسية، للنيل من خصوم ومنافسين، لا سيما في المناطق الشيعية وسط البلاد وجنوبها، بدلالة عمليات الحرق التي طالت مقرات حكومية وحزبية في محافظات البصرة وذي قار والمثنى والديوانية والنجف وبابل وواسط.
مسلحون ملثمون يجوبون الشوارع
وتحدث نشطاء من مدن وسط العراق وجنوبه، أسهموا في الدعوة إلى احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول)، لـ"اندبندنت عربية"، عن استغرابهم للتحول الخطر في مسار حركة الاحتجاج، فيما قالوا إنهم شاهدوا مجموعات منظمة انشقت عن مواقع تجمعات المحتجين وتوجهت نحو مقرات الأحزاب والحكومات المحلية ومجال المحافظات ومنازل المسؤولين لحرقها.
وأشار النشطاء إلى انتشار كثيف للسلاح الخفيف والمتوسط في محيط مواقع تجمعات المحتجين في بغداد وعدد من المحافظات، حيث ظهر ملثمون مدججون بالبنادق الرشاشة والقنابل اليدوية، وهم يجوبون الشوارع، خلف حشود متظاهرين تفتش عن مقرات الحكومة والأحزاب ومنازل المسؤولين.
أبلغ مسؤولون في الناصرية والسماوة، جنوب العراق، عن "سقوط" المدينتين في أيدي مسلحين مجهولين، فيما بدا واضحاً أن الأحزاب التي استهدفت مقراتها بالحرق اتخذت قراراً بحمايتها بعيداً من الأجهزة الرسمية، حيث نزل مسلحوها في عدد من المدن، ما عزز كثافة السلاح المنفلت في الشارع.
صباح السبت، قالت مصادر أمنية إن بغداد أرسلت قطعات عسكرية كبيرة إلى مدن البصرة والناصرية والعمارة، لبسط الأمن فيها.
في مدينة العمارة، جنوب العراق، استمرت المناوشات بين مسلحين يحرسون مقرات الأحزاب وآخرين نسبهم شهود عيان إلى "سرايا السلام"، وهي قوات تابعة للزعيم الشيعي مقتدى الصدر.
مخاوف من اقتتال شيعي- شيعي
قال مراقبون إن اتجاه الحراك الشعبي ربما سمح باندلاع شرارة اقتتال شيعي في بعض مدن جنوب العراق، لا سيما العمارة والناصرية والسماوة.
في محافظة واسط، أعلن المحافظ محمد المياحي احتراق وتخريب ونهب أكثر من 30 منزلاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قال المياحي "نهيب بشيوخنا الأكارم ووجهاء واسط بالعمل على حماية المحافظة من الحرق والضياع"، مؤكداً "إحراق وتخريب ونهب أكثر من 30 منزلاً في واسط".
وأضاف "تم تكليف اللواء حسن هاشم قائداً لشرطة واسط"، مطالباً "من تعرضوا لاعتداءات يوم أمس أن يقيموا دعوات قضائية لنتخذ الإجراءات اللازمة".
وتابع بأنه لن يسمح لأحد بأن "يتجاوز على المتظاهرين السلميين"، مشيراً إلى أن "الأجهزة الأمنية تعاملت مع المتظاهرين بأعلى درجات ضبط النفس".
اعتصامات مفتوحة
على الرغم من اليوم العصيب الذي خيم فيه العنف على التظاهرات، لم يتردد المحتجون في إطلاق اعتصامات مفتوحة وسط كل من بغداد والنجف وكربلاء، ابتداء من صباح السبت.
في ساحة التحرير ببغداد، أعاد المتظاهرون تنظيم صفوفهم وبدأوا في نصب السرادقات إيذاناً ببدء اعتصام مفتوح.
وشاهدت "اندبندنت عربية" موجة من المتظاهرين حاولت كسر الحاجز الكونكريتي الذي نصبته القوات الأمنية خلال ساعات الليل على جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء، حيث مقر مكتب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي. كما أن القوات الأمنية المكلفة حماية المنطقة الخضراء استخدمت ظهر السبت قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لمنع المتظاهرين من اجتياز الجسر، ما تسبب في إصابات عديدة، فيما أبلغ شهود عن سماع إطلاق نار كثيف قرب موقع الاحتكاك بين المتظاهرين وعناصر الأمن.
في ساحة النسور، التي تقع في الضفة الثانية لنهر دجلة، تجمع عدد من المتظاهرين، معلنين البدء في اعتصام مفتوح، ما يعني أن المنطقة الخضراء صارت محاصرة من جهتين.
في البصرة جنوب العراق، تحركت التنسيقيات المحلية على وقع أنباء ارتفاع حصيلة ضحايا احتجاجات الجمعة في المحافظة إلى سبعة قتلى و300 جريح.
قال شهود عيان إن المتظاهرين حاولوا تنظيم صفوفهم في محيط مبنى محافظة البصرة، وحول عدد من الدوائر الحكومية، لكن أجهزة الأمن تحاول تفريقهم.
لم يختلف الأمر في مدينة كربلاء، حيث بدأ المحتجون اعتصاماً مفتوحاً حتى تحقيق مطالبهم، لكن الإجراءات الأمنية كانت أقل تشديداً، بحسب شهود عيان.