مجددا تجتاح أجواء من السخط الشارع المصري بشأن قضية تتعلق بهيئة السكك الحديدية، التي لطالما كانت مثار أزمات لتكرار حوادث قطاراتها مخلفة عشرات القتلى والجرحى، غير أن هذه المرة جاءت الواقعة مختلفة بعد أن لقي شاب مصرعه أسفل عجلات قطار، وأصيب آخر بعدما تردد عن إجبار مسؤولي قطار على القفز منه أثناء سيره.
وبين سخط تصدر مواقع التواصل الاجتماعي على مدار اليومين الأخيرين، وتحركات رسمية وقضائية بحق المسؤولين عن الحادث لاحتواء الأزمة، لا تزال تداعياتها تلقي بظلالها على الشارع المصري ووسائل الإعلام المصرية، التي علت بعض أصواتها موجهة انتقادات غير معهودة لمسؤولي السكك الحديدية ومكذبة بيانهم، بشأن حادث القطار الذي حمل رقم 934، والمتجه من الإسكندرية في أقصي الشمال إلى الأقصر (جنوباً).
ماذا الذي حدث؟
وفق شهود عيان ورواية الشاب المصاب، وفيديوهات تداولها ناشطون على مواقع التواصل، جاءت الحادثة في الساعات الأولى من يوم الاثنين، بعدما طالب "كمساري" (محصل التذاكر من الركاب) من شابين كان على متن القطار ثمن التذاكر ودفع غرامة الركوب دون تذكرة.
وقال شهود عيان، إنه أثناء مرور القطار بنطاق قريبة "دفرة"، إحدى قرى مركز طنطا بمحافظة الغربية (شمال غربي القاهرة)، أجبر الكمساري بعد مشادة كلامية مع بائعين جائلين، ويُدعى أحدهما محمد عيد، 23 سنة، من شبرا الخيمة (حي بشرق القاهرة الكبرى)، والآخر أحمد سمير أحمد، 25 سنة، من الشرابية (حي وسط القاهرة)، على إلقاء نفسيهما من القطار، لعدم امتلاكهما "غرامة عدم امتلاك تذكرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال شهود عيان، وفقاً للفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي: "الكمساري فتح الباب وقال للشابين انزلوا، ليرد عليه أحد الشباب قائلاً (هنزل إزاي؟)، فيما أصر الكمساري على موقفه ليقفز أحدهما بعيدا عن القطار فيما سقط الآخر تحت عجلاته".
وبحسب الفيديوهات، فإن رئيس القطار، التي أمرت النيابة العامة المصرية بحجزه للتحقيق لاحقاً، أثناء مروره داخل العربات لفحص التذاكر طالب الراكبين بدفع قيمة التذاكر وغرامة الركوب بدون حمل تذكرة وإلا النزول من القطار، واصطحب الراكبين إلى باب العربة وطالبهما بالنزول من القطار أثناء سيره بسرعة عالية ما أدى إلى وفاة أحدهما (محمد عيد) وبتر قدم الآخر.
ولاحقا قال الشاب المصاب، أحمد سمير أحمد، أنه فوجئ بالكمساري يطالبه بالنزول من القطار بعد أن اكتشف عدم قدرته على سداد ثمن التذكرة، بالإضافة إلى دفع ثمن الغرامة، وقيمتها 30 جنيهاً (نحو دولارين أميركيين)، مضيفا في تصريحات نقلتها عنه تقارير محلية، أن الكمساري عاملهما بـ"عنف"، وخيّرهما بين الدفع أو النزول من القطار أو تسليمهما للشرطة، فقرر زميله القفز من القطار ليلقى حتفه في الحال.
وكانت نيابة طنطا أمرت بنقل المصاب إلى مستشفى جامعة المدينة لعمل التحاليل والتقارير الطبية، وسط إجراءات أمنية مشددة، وتبين أنه مصاب بكدمات بسيطة، ولا يعاني أي كسور.
التحقيق مع الكمساري وحبسه
وعقب انتشار الواقعة أصدرت الهيئة العامة لسكك حديد مصر، بيانا أعلنت خلاله التحفظ على رئيس القطار بمعرفة شرطة السكة الحديد، وعرضه على النيابة العامة بمدينة طنطا، التي وجهت له تهمة القتل العمد، وحبسه 4 أيام على ذمة التحقيق.
وأوضحت الهيئة، في بيانها، صباح اليوم التالي، أنه أثناء مسير القطار طالب رئيس القطار اثنين من الركاب بدفع قيمة الأجرة فامتنعا، وأثناء تهدئة القطار بمحطة دفرة لوجود عطل بنظام الإشارات بالمحطة نزل الراكبان من القطار أثناء سيره ما أدى إلى سقوط أحدهما أسفل عجلاته وتوفي في الحال، فيما أصيب الراكب الآخر، وتم نقلهما بالإسعاف لمستشفى طنطا العام.
وأضاف البيان "أدى ذلك إلى سقوط أحدهما أسفل عجلاته، وتوفي في الحال، وأصيب الراكب الآخر، وتم نقلهما بالإسعاف لمستشفى طنطا العام"، موضحاً أن "الراكبين من الباعة الجائلين". مشيرا إلى أنه تم التحفظ على "رئيس القطار بمعرفة شرطة السكة الحديد وعرضه على النيابة واتخذت الهيئة قراراً بوقف رئيس القطار وسفري (عامل خزائن الأمتعة) القطار لحين انتهاء التحقيق معهما". وهو ما اعتبره مذيعون مشهورون "بيانا كاذبا ومضللا".
في الوقت نفسه، أكد كامل الوزير، وزير النقل المصري، أنه لن يسمح بأي تهاون في حق أي مواطن مصري، مشدداً على حرصه الدائم على حياة جميع المواطنين.
وقال الوزير، في بيان، الاثنين، إن التحقيقات في واقعة سقوط راكبين بقطار مكيف "الإسكندرية - الأقصر"، ستُظهر الحقيقة وتُتخذ الإجراءات تجاه المذكور "رئيس القطار" حال ثبوت الواقعة.
واليوم الثلاثاء، زار الوزير، عائلة المتوفي، لتأدية واجب العزاء، مؤكدا تضمانه الكامل مع الأسرة.
البرلمان يتدخل على الخط
وبرلمانيا، وجه البرلماني علاء والي، بيانا عاجلا لرئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ووزير النقل كامل الوزير؛ بسبب الحادث. منتقداً الواقعة التي وصفها بـ"البشعة"، وطالب رئيس لجنة النقل، كامل الوزير بوضع حد لهذه المهازل، وإعادة النظر في العاملين بقطاع السكة الحديد الذين يتعاملون مع الجمهور.
وعلى مدار العقود الأخيرة، شهدت مصر العديد من حوادث القطارات الدامية، سقط فيها مئات القتلى وأرجعها مسؤولون ومراقبون إلى قدم القاطرات والعربات والإهمال في صيانتها وتشغيلها، فضلا عن عدم تطوير المزلقانات (ممر منظّم لعبور المركبات الخاصة على قضبان سكك الحديد). وكانت آخر تلك الحوادث في فبراير (شباط) الماضي، عندما لقي نحو 25 شخصاً مصرعهم، وأصيب 50 آخرون، جرّاء انفجار خزان وقود أحد القطارات في المحطة الرئيسة للقطارات بالقاهرة بسبب تصادم عنيف مع مصد أمان.
وتدير القطارات في مصر "الهيئة القومية لسكك حديد مصر"، وهي هيئة حكومية مسؤولة عن تسيير حركة القطارات في البلاد، وتنقل سنويا نحو نصف مليار راكب و6 ملايين طن من البضائع، حسبما تعرّف نفسها على موقعها الإلكتروني. وتقول الحكومة المصرية إنها تواصل جهودها لإصلاح وتطوير هذا المرفق الحيوي.