طوال فترة الانتفاضة، انقسم اللبنانيون بين المشاركين في التظاهرات وأولئك الذين تسمّروا أمام شاشات التلفزيون، وعلى هواتفهم بانتظار آخر الأخبار. وبينما يصل كم هائل من الأخبار يومياً عبر مختلف وسائل التواصل، يصعب التمييز ما بين تلك الصحيحة والموثوقة المصدر، وتلك التي لا أساس لها من الصحة. يلعب هنا المواطن دوراً أساسياً في فلترة هذه الأخبار وتمييز تلك الأكيدة المصدر من الشائعات، بدلاً من تناقلها والمساهمة في انتشارها أكثر بعد.
من الطبيعي أن يكون المواطن أكثر ميلاً إلى تصديق الأخبار التي ترده في الأزمات، نظراً إلى ظروف التوتر التي يعيشها. فمن الطبيعي أن تترافق هذه الظروف التي تمر بها البلاد، مع معدلات عالية من التوتر وتسهم الأخبار والرسائل التي تنتشر كالنار في الهشيم في زيادتها أكثر بعد. ومما لا شك فيه أن وجود وسائل التواصل الاجتماعي والواتساب، قد شكّلا الأرضية المناسبة لتسهيل تناقل هذه الشائعات بهذه الوتيرة السريعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المسؤولية على المواطن
في ظل هذا الواقع، تقع المسؤولية على المواطن في التمييز بين هذه الأخبار التي تهدف في قسم كبير منها إلى خلق البلبلة والخوف والقلق وشلّ البلد، وبين تلك الموثوقة المصدر. وبين الأخبار التي تتعلّق بتشكيل الحكومة وتلك الخاصة بتسكير الطرقات وتلك التي تخص المدارس، التي كانت كاذبة في قسم كبير منها طوال الفترة الماضية، عاش المواطن مرحلة صعبة غلبت عليها مشاعر القلق والخوف.
في هذا الإطار، يشير الخبير في التواصل والسلوك البشري عادل المصري إلى أنه من الطبيعي في فترة الأزمات أن يلجأ كثر إلى إرسال الأخبار والفيديوهات والرسائل عبر الواتساب وبالتسجيل الصوتي لخلق المزيد من البلبلة "تكون هذه الرسائل في قسم كبير منها غير صحيحة، لكنها تنتشر بسرعة جنونية على الرغم من ذلك، من خلال المجموعات على الواتساب والجيوش الإلكترونية التي توزع هذه الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً. من المؤسف أنه يصعب على الشخص العادي أن يميّز بين الخبر الصحيح والكاذب من خلال ما يرده، وقد يسهم على العكس في انتشاره بشكل أوسع نتيجة ذلك".
ويؤكد المصري أنه ما من طريقة تسمح لأي شخص عادي من التأكد، وبغياب الوعي، يتم تداول هذه الأخبار بسرعة جنونية وعشوائية من دون التأكد من مصدرها وبغض النظر عمّا إذا كانت تبدو صحيحة أو لا، "لذلك من المهم التشديد على أهمية اللجوء إلى وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الموثوقة، في مثل هذه الظروف كمصادر للأخبار".
اكتشاف المصدر ممكن
صحيح أنه يصعب على الشخص العادي معرفة مصدر هذه الأخبار والتأكد من صحتها، لكن في المقابل، يؤكد المصري أن الخبراء في المجال قادرون على التحقق من هذه الأمور "نحن كخبراء، وضمن استراتيجية خاصة لإدارة الأزمات، نملك برامج خاصة وأنظمة تسمح بتنزيل أي فيديو أو تسجيل صوتي يرد أو رسالة لمعرفة مصدرها الأساسي الذي توزع منه وكيفية توزيعها وما إذا كانت صحيحة أو لا. بهذه الطريقة، يمكننا التأكد ما إذا كان فيديو ما حديثاً أو ما إذا كان قد استُخدم سابقاً والتاريخ الذي أُطلق التسجيل الصوتي فيه. هذه المعلومات تساعد إلى حد كبير في تحديد المصدر ومدى صحة الرسالة أو ما إذا كانت مزيفة. أيضاً، ثمة وسيلة أخرى real time monitoring تسمح بتتبع الفيديو أو الخبر والوقت الحقيقي الذي ورد فيه، ما يمكننا من معرفة المصدر الأساسي له وما إذا كان مأخوذاً من موقع معين".
أما بالنسبة إلى الأشخاص العاديين، فيشدد المصري عليهم بالحرص على عدم المساهمة في نشر هذه الأخبار الكاذبة لأن هذا هو هدفها. كما ينصح الجهات المسؤولة بإيجاد مرجع رسمي موثوق به يسمح بتتبع الأخبار بوتيرة سريعة ومباشرة ويسمح بتأكيد أو تكذيب الأخبار التي ترد عبر الوسائل الأخرى، "فثمة ذهنية سائدة وثقافة تمنعان تحمّل المسؤولية في تجنب نشر الأخبار عبر تطبيق الواتساب على الرغم من أنه يُعتبر منصة يكثر من خلالها تناقل الأخبار الكاذبة، إذ تُرسل اليوم الأخبار ومنها عدد كبير غير مؤكد وتُوزع من خلال المجموعات على الفيسبوك وعلى الواتساب والجيوش الإلكترونية، وكثر يستفيدون من ذلك لأسباب مختلفة".
ويتابع "أما الأشخاص الذي يطلقون هذه الرسائل الصوتية والمكتوبة والفيديوهات، فقد يكونون أحياناً من الأشخاص العاديين، لكنهم غالباً ليسوا كذلك، فهم يكونون قد أوجدوا منصات لإطلاق هذه الأخبار السريعة الانتشار ومجموعات خاصة بها. هم يُعتبرون من الجيوش الإلكترونية التي تتقاضى أموالاً لقاء ذلك بهدف تشويه سمعة أحد ما أو خلق بلبلة. فعندما تُوزَّع هذه الأخبار بشكل واسع على الناس، يصبح وقفها أكثر صعوبة على الرغم من أنها قد لا تكون موثوقة، فيبدو أنها تكتسب مصداقيتها من انتشارها. حتى إنّ وسائل الإعلام تتأثر سلباً بذلك، لأن الضغوط عليها تزيد بهذا الشكل".
مواطنون يصدّقون وآخرون أكثر حذراً
ويؤكد المصري أن المواطن العادي قد يجد صعوبة في التمييز بين هذه الأخبار والتأكد من صحتها، إلاّ في حال حرصه على عدم الاستناد إلى مصادر معينة للأخبار.
السيدة أرزة مارون من الأشخاص الذين يفضلون التريث في نقل الرسائل التي يتلقونها "من سنوات عدة، أحرص على التأكد من تواريخ الصور التي ترد والفيديوهات، لأنها قد تكون كاذبة ومركّبة لهدف معين. لذلك أفضّل ألاّ أثق بكل ما أراه، وقد زاد ذلك لدي منذ بداية التظاهرات، لأن ثمة رسائل يستحيل تصديقها ويتم تداولها بكثرة. لكن من المؤكد أنني لا أشارك هذه الرسائل أو أعيد نشرها. حتى إنّني قد أتجنّب مشاهدة فيديو أو قراءة رسالة، إلاّ إذا كانت ترد من جهة رسمية أو أحياناً من الوسيلة الإعلامية المعنية مباشرة".
وتذكر السيدة مارون الرسائل العديدة التي وردت منذ أيام، وكان هدفها نشر أجواء القلق والخوف من الأجواء السائدة في البلاد وإقفال الطرقات والاشتباكات وإعلان حالة الطوارئ، مشيرةً إلى أنها قررت مباشرة عندها التأكد من صحة هذه المعلومات عبر وسائل الإعلام المرئية، وبدا الوضع مختلفاً عما يرد في الرسائل. وتقول "في تلك الليلة، انزعجت كثيراً لأنها كانت ترد بكثافة. لم أكن أصدقها لكنها استطاعت أن تؤثّر سلباً. قررتُ في النهاية ألاّ أقرأ وأن أمحوها بسرعة، خصوصاً أنني شعرت مباشرة بأنها كانت تهدف إلى خلق بلبلة وإثارة مخاوف الناس. كذلك في الحالات العادية، إذا سمعتُ أي خبر عن جهة معينة، أتواصل مع هذه الجهة للتأكد".
حرب الشائعات واضحة
الإعلامية إيليان صهيون تشير من جهتها إلى أنّ حرب الشائعات كانت واضحة طوال فترة الثورة. وعلى صعيد شخصي، تؤكد أنها لا تصدق الرسائل التي تردها عامةً. وتحرص على نصح كل من في محيطها بتجنب المساهمة في انتشار هذه الأخبار الكاذبة، خصوصاً أنّ ثمة جهات رسمية عدّة ووسائل إعلامية يمكن الرجوع إليها للتأكد. وتقول "على الصعيد الشخصي، لا أعتمد إلاّ على الرسائل الإخبارية التي تردني من الوسائل الإعلامية ووكالات الأنباء وبعض المواقع الموثوقة التابعة لوسائل الإعلام المحلية أو الأجنبية، على الرغم من أن وسائل الإعلام أخفقت أحياناً في الحفاظ على مصداقيتها بسبب الوضع وضرورة النقل السريع للأخبار. أما الرسائل والتسجيلات الصوتية عبر الواتساب، فمعظمها غير منطقي ويصعب تصديقها لشدة المبالغة في الأخبار التي تنقلها. كذلك بالنسبة إلى الرسائل المكتوبة التي يمكن لأيّ كان أن يكتبها وتنتشر أكثر بوجود المجموعات. أما هدفها الأساسي، فإثارة مخاوف الناس والبلبلة بينهم. من هنا، أهمية التركيز على الوعي لدى الناس لتجنب انتشار هذه الأخبار الكاذبة".
تكرار الخبر يجعلنا نصدقه
أما المحاضر في الإعلام في الجامعة الأميركية في بيروت مارك ضو، فيؤكد أن الانتشار الواسع لهذه الرسائل يعود إلى حالة الهلع التي تسببها لدى المواطنين فتدفعهم إلى نشرها، خصوصاً في غياب مصادر المعلومات الواضحة وكثرة الأخبار المنتشرة، ما يُضعف قدرتهم على التمييز بين تلك الصحيحة وتلك الكاذبة. فما يترتب عن الثورة من سرعة في نقل الأخبار وتلقيها ونشرها يخلق ارتباكاً في هذا الإطار. "يضاف إلى ذلك أنه مع تكرار الخبر بكثافة، من الطبيعي أن يصدقه الشخص. من هنا أهمية نصح الناس باعتبار الأخبار الواردة كاذبة، وأنّ وحدها تلك التي ترد عبر وسائل الإعلام الموثوقة والتي تنقل بتغطية مباشرة خصوصاً، ذات مصداقية. أيضاً، يمكن الوثوق أكثر بما يتم تناقله عبر تويتر مثلاً، كون الأخبار تُفنّد بشكل أفضل مما يتم تناقله عبر الواتساب، الذي تنتشر الأخبار من خلاله سريعاً من دون أن تكون صحيحة. من المهم الافتراض أن الخبر كاذب، إلاّ إذا نقلته وسيلة إعلامية موثوقة".