كان جون ديميانيوك معروفاً وسط الجالية الأوكرانية المترابطة في كليفلاند الأميركية بأنه رب أسرة يرتاد الكنيسة بانتظام.
وعمل بجد وكد في مصنع فورد للسيارات في المدينة لأكثر من 20 سنة ولديه ثلاثة أطفال. وكان رجلاً هادئاً، كما قيل، لكنه كان ودوداً.
وما لم يكن بإمكان جيرانه وزملائه وأصدقائه أن يتخيلوه أبداً هو أن هذا الرجل الخجول الذي يرتدي نظارات كان يكتم أكثر الأسرار القاتمة.
ويبدو اليوم مرجحاً أنه كان خلال الحرب العالمية الثانية أحد حراس معسكر اعتقال نازي وكان يتمتع بدرجة فائقة من السادية حتى أصبح معروفاً باسم إيفان الرهيب.
ومن بين أفظع الأفعال التي قام بها، كان تقطيع آذان وأنوف اليهود أثناء اقتيادهم إلى غرف الغاز، بحسب ما تناهى في نهاية المطاف إلى المحكمة، ونُمي إليها أنه كان يشعر بسعادة جمّة عند جَلْد النساء والأطفال.
وفي هذه الآونة، تُعرض سلسلة جديدة على نيتفلكس وتستكشف قضية ديميانيوك التي لا تزال محيرة، وأثارت مرة أخرى السؤال حول مَنْ هو هذا الشخص الهادئ الذي كان يسكن في كليفلاند وما الذي فعله بالضبط قبل وصوله إلى الولايات المتحدة في 1952؟
وليست هذه السلسلة- وهي تحمل عنوان "الشيطان يسكن في الجوار" (ذا ديفيل نيكست دور) - سابقة في تناول مثل هذا التساؤل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكما هي الحال مع الوثائقي "اختفاء مادلين ماكين" الذي قدمته خدمة البث التدفقي، فإن قسطاً كبيراً من محتوى سلسلة "الشيطان يسكن بالجوار" يعرفه إلى حد كبير أولئك المطلعين على القصة.
ومع ذلك، فإن سر ديميانيوك ما زال آسراً وقاتماً. فهو أدين مرتين بارتكاب فظائع خلال الهولوكوست في بلدين مختلفين ولكنه شهد دحض إدانته مرة واحدة بينما ما زال استئنافه للحكم الثاني معلقاً بسبب وفاته.
وما نعرفه عنه بالتأكيد هو أنه ولد في أوكرانيا عام 1920، وتم تجنيده في الجيش الأحمر السوفياتي في عام 1940، وأن النازيين أسروه عام 1942. وبعد عقد من الزمن، وصل إلى كليفلاند في الولايات المتحدة، وكان رجلاً متزوجاً ولديه أطفال ويتمتع بخبرة ميكانيكة كافية لحصوله على عمل في مصنع سيارات فورد.
ولكن ما لا نعرفه بالضبط هو ما حدث في السنوات الممتدة بين أسْره ونهاية الحرب.
كان ديميانيوك يؤكد ولغاية وفاته في عام 2012 أنه كان سجيناً في معسكر عمل قبل أن يُجبر على العمل كحارس ثم القتال لمصلحة النازيين.
وعلى كل حال، تشير الأدلة إلى أنه في واقع الأمر تطوع للعمل في معسكرات الإبادة المعروفة بسمعتها السيئة في تريبلينكا وسوبيبور في بولندا، حيث أكسبته وحشيته الرهيبة، حتى في خضم الإبادة، لقبه المخيف "الرهيب".
وفي أواخر سبعينيات القرن الماضي، أعلنت حكومة الولايات المتحدة لأول مرة عن شكوكها بشأن هذا الدور الذي لعبه في الهولوكوست قبل سحب جنسيته الأميركية، وتسليمه إلى إسرائيل في عام 1981 لبدء محاكمته الطويلة.
وهناك، تعرف عليه العديد من الناجين من تريبلينكا على أنه إيفان الرهيب نفسه.
وذكر أحدهم، وهو إلياهو روزنبرغ "أقول ذلك بلا تردد، من دون أدنى شك ... إنه إيفان من تريبلينكا، من غرف الغاز، الرجل الذي أنظر أليه الآن ... رأيت عينيه، رأيت هاتين العينين القاتلتين".
وفي 1988، أُدين وحُكم عليه بالإعدام - ومع ذلك فقد بُرِّئ بشكل مثير في عام 1993 بعد أن برزت أدلة جديدة تشير إلى أنها ربما كانت قضية التباس في الهوية.
وأُطلق سراحه وعاد إلى الولايات المتحدة، لكن الأسئلة المتعلقة بنشاطه في زمن الحرب لم تُطوَ.
في عام 2002، حكم قاض أميركي بوجود دليل على أنه كان حارساً في سوبيبور، وعقب جلسات استماع قانونية معقدة، تم تسليمه إلى ألمانيا في 2009 لمحاكمته كمشارك في جرائم قتل 27900 شخص.
وذاع الصيت السيء لجلسات الاستماع العسيرة مع صعوبة تحديد أفعال ديميانيوك بعد مرور نحو سبعة عقود من الزمن.
وأثناء محاكمة ميونيخ، لم يتمكن أي من الشهود الناجين من تحديد أنه كان موجوداً في سوبيبور، مما يعني أن الادعاء اعتمد بالكامل تقريباً على أدلة وثائقية - وكان من بين أبرزها بطاقة هوية تابعة للقوات الخاصة وأوامر نازية موثقة.
ومع هذا، كانت الأدلة كافية لإدانته. وأُدين بجميع التهم وحُكم عليه بالسجن لخمس سنوات. على أية حال، حتى هذا لم يكن واضحاً في النهاية. وتقدمت أسرة ديميانيوك بطلب استئناف وكانت في منتصف الطريق عندما توفي الرجل عن عمر يناهز 91 عاماً في دار لرعاية المسنين.
© The Independent