سيولة أم لا سيولة لدى المصارف؟
تكشف مصادر مصرفية لـ "اندبندنت عربية" أن المصارف لا تواجه حالياً مخاطر مرتفعة وملاءتها المالية جيدة، وأن أي مصرف حول العالم لا يستطيع تلبية طلب مرتفع على النقد ناتج من هلع مرتبط بعدم استقرار سياسي وأمني. فلا قدرة للمصارف على مواجهة خوف المودعين أو ما يُعرف بمصطلح Bank Run. وبيّنت المصادر ذاتها أن بعض البنوك اللبنانية استنزفت سيولتها المتاحة فيما لا تزال بعض المصارف الأخرى في وضع أفضل ولكن لتفادي فراغ الصناديق ودفع كلفة مرتفعة للنقد لجأت كل المصارف إلى وضع سقوف ضيقة للسحوبات النقدية والتحويلات بخاصة الخارجية منها، ما تترجم شغباً وغضباً في الفروع المصرفية، دفع إلى إقفالها.
ارتفاع كلفة تأمين النقد يزيد الضغوط
تلجأ المصارف إلى توظيف الأموال المودعة لديها لتحقيق الأرباح وتسديد الفوائد على الودائع، بالتالي لا تحتفظ بكثير من النقد. فالمصارف تحتفظ عادةً بما نسبته 30 أو 40 في المئة من الودائع كسيولة نقدية. وفي حال احتاجت إلى الأوراق النقدية تتجه إما إلى المصرف المركزي للاقتراض بعملية يضع عليها المركزي فوائد أو إلى المصارف التجارية الأخرى وهنا أيضاً فوائد معروفة ومتحركة بحسب الطلب وهي Overnight interbank rate.
وكانت ارتفعت في الأيام القليلة الماضية الفوائد بين البنوك إلى مستوى 100 في المئة سنوياً، ما يرفع كلفة النقد ويزيد من تعرض المصارف لخسائر فيما هي تعمل في بيئة صعبة وتواجه تراجع الأرباح والتصنيف وارتفاع الضرائب. إذاً المشكلة التي تواجهها المصارف ليست مشكلة سيولة أو تعثر أو خسائر محقَقة تهدد كيانها، إنما عدم قدرة على تلبية الطلبات المرتفعة على النقد، التي سببتها عوامل عدم الثقة والتخوف من انعدام الحل السياسي، الذي قد يؤدي إلى انهيار اقتصادي تصل ارتداداته إلى الودائع المنكشفة على دين الدولة اللبنانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تركيبة الدين في لبنان
خروج الدولار للخارج مستمر
ودفع التأخير في تشكيل الحكومة مطلع العام إلى تراجع الثقة في لبنان ونتج منه خروج أكثر من ملياري دولار في أول 3 أشهر من العام الحالي، هي القيمة الأعلى منذ انتهاء الحرب الأهلية في لبنان. وعلى الرغم من المساعي التي قادها المصرف المركزي لاستعادة تدفقات الدولار إلا أن الفترة التي سبقت الثورة وخلالها، شهدت ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية، ما أدى إلى استئناف نزيف الودائع إلى الخارج. وقدرت المصادر المصرفية لـ "اندبندنت عربية" القيمة التي خرجت من لبنان خلال الأسابيع القليلة الماضية بأكثر من ملياري دولار أيضاً، بينما يعاني لبنان من تراجع تحويلات المغتربين والعاملين في الخارج والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
فتحويلات المغتربين سجلت مستوى 7.2 مليار دولار في عام 2018 بحسب أرقام البنك الدولي بمستويات مشابهة لعام 2017 ولكن بتراجع فاق 7 في المئة عن عام 2016.
أما قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة فسجلت مستوى 2.8 مليار دولار عام 2018 بارتفاع طفيف عن مستوى 2.5 مليار دولار المسجلة في عامَي 2017 و2016، وفق أرقام مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD.
تلك المستويات لا تسد عجز ميزان المدفوعات المتأثر أصلاً بعجز الميزان التجاري الذي يعاني من ارتفاع الاستيراد إلى مستوى يلامس الـ 20 مليار دولار فيما التصدير لا يتخطى 2.5 مليار دولار. وهنا يبرز أيضاً استنزاف الدولار إلى الخارج عبر السلع التي يستوردها لبنان ويستهلكها بدلاً من تصنيعها محلياً أو رفع الإنتاج والتصدير.
الظروف المالية والاقتصادية تبدلت اليوم ولا يمكن مقارنتها بأي أزمة سابقة مر بها لبنان، فانعدام النمو وارتفاع نسبة وكلفة هذا الدين والعجز والبطالة وإفلاس المؤسسات وغضب الشعب وتراجع الثقة في النظام السياسي والخوف من تعرض القطاع المصرفي إلى نكسة وافتراش الناس الطرقات لأكثر من 24 يوماً في انتفاضة لم يشهد لبنان مثيلاً لها في تاريخه، كلها إنذارات مدوية تتطلب حلاً سياسياً أصبح ملحاً وإلا ستكون هناك عواقب لن يسلم منها أحد.