"سالي، أنتِ لم تشاهدي في حياتك شارعاً مثل "إفتح يا سمسم". كل شيء يحدث هنا. ستحبينه". أوردت هذا الحوار شخصية غوردن روبنسون، وكانت أول جملة تُنطق في برنامج طموح عُرض للمرة الأولى على "القناة التعليمية الوطنيّة" في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1969.
على مدى خمسين سنة تالية، تحوّل برنامج الأطفال السبّاق إلى نجاح عالمي ورائد ثقافي. واستمتع ضيوف بارزون كمحمد علي كلاي وبرت لانكاستر وديفيد بيكهام وبيونسيه وبي بي كينغ وروبن ويليامز وديفيد بووي وإد شيران وتايلور سويفت، بالظهور إلى جانب شخصيات الدمى المتحركة الشهيرة في العمل، وهم بيرت وإرني وبيغ بيرد وكوكي مونستر والضفدع كيرمت.
واصل "إفتح يا سمسم" الذي عُرض لاحقاً على شبكات "بي بي إس" و"إتش بي أو"، نجاحه ليفوز برقم قياسي من جوائز "إيمي" التلفزيونية بلغ 189 جائزة، إضافة إلى إحدى عشرة من جوائز "غرامي". يُقدّر الجمهور الذي شاهده بأكثر من 100 مليون شخص في ما يفوق 150 دولة، الأمر الذي لم يخطر على بال عالم النفس لويد موريست والمنتجة التلفزيونية جون غانز كوني عندما كانا يدردشان حول برامج الأطفال التلفزيونية خلال حفل عشاء في 1966.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توجه موريست بسؤاله إلى كوني، إحدى أوائل الشخصيات الإدارية النسائية الكبيرة في قطاع التلفزيون، عما إذا كانت تعتقد بإمكانية تسخير قوة التلفزيون لمصلحة التعليم. بعد ثلاث سنوات، وعقب إجراء بحث أكاديمي مكثّف وبعض الحملات الذكية لجمع التبرعات، طوّرت ورشة عمل تليفزيون الأطفال المُستحدَثة برنامجاً يخدم تلك الغاية. على كل حال، بدأ القلق ينتابهما مع اقتراب اليوم المهم... بداية البث. وببساطة، أشارت المواد الترويجية الأولى عن البرنامج، إلى أنه "تلفزيوني تعليمي موجّه للأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة". ولم تذكر إسماً محدداً للعمل.
تتذكر كوني التي بلغت عامها التسعين هذا الشهر في حديث نُشر على موقع "ذا سيسمي ورك شوب" أن الجميع " كان متوتراً جداً بشأن العنوان... وكاد العاملون في قسم الدعاية الخاص بنا يصابون بالجنون. كيف سيمكنهم الترويج لبرنامج لا اسم له؟".
ومن بين الأسماء التي اقتُرحت في اجتماع طارئ، ورد "قاعة دروس الفيديو" و"شارع المرح" و"1-2-3 جادة ب" (رُفِضَ العنوان الأخير خوفاً من أنه قد يعزل المشاهدين المقيمين خارج نيويورك). واقترحت فرجينيا شون، إحدى كتّاب البرنامج اسم "إفتح يا سمسم". وعلى الرغم من مخاوف بشأن إمكانية ألا يستطيع الأطفال لفظ الاسم، إلا أنّ المدرّسة السابقة في رياض الأطفال كانت المنتصرة عندما أكّدّت أن الأطفال يستمتعون بنطق جملة الأمر الأسطوريّة "افتح يا سمسم!" التي ترد في قصة "علي بابا والأربعين حرامي". وتعترف كوني: "لقد وافقنا عليه [الإسم] لأنه كان أقل العناوين سوءً".
عند بداية الحلقة الأولى، نرى العلامة الخضراء والصفراء التي تحمل إسم الشارع وقد باتت أيقونية الآن، معلقة على عمود الإنارة. ويشبه موقع التصوير حياً مدنياً في إحدى المدن الأميركية الداخلية، بكل عناصره الأساسية من محل بقالة صغير، ومحطة لقطارات الأنفاق، وسلالم حجرية بنية اللون، وبعض رسوم الغارفيتي على الجدران وحاويات القمامة. وبوضوح، تمثّل الهدف الأخلاقي من البرنامج بالمساعدة في تعليم الأبجدية للأطفال، وغرس حب القراءة والحساب وتطوير المفردات لديهم.
وفي السياق نفسه، عزّز "إفتح يا سمسم" أيضاً قيم التعاطف والتسامح. اختار المنتجون مجموعة ممثلين من عرقيات متنوعة، وقد دفعت تلك الخطوة إلى حظر البرنامج في المحطات التلفزيونية في ولاية ميسيسيبي المتحيزة عرقياً. وكذلك استفاد المنتجون من ابتكارات الدمى المتحركة الرائعة لجيم هينسون كي يكسبوا حب الأطفال. وذكر هينسون، الذي لم يتجاوز الـ 53 عاماً عند وفاته في 1990، أنّ "الأطفال يحبون التعلّم. ويجب أن يكون التعليم مثيراً وممتعاً".
ابتكر صانع الدمى هينسون شخصية كيرمت في 1956. وقد استُخدم الضفدع في البداية في برنامج هينسون التلفزيوني المبتكر "سام والأصدقاء". مَنَحَ برنامج "إفتح يا سمسم" هينسون منبراً مثالياً لاستعراض شخصية كيرمت أمام جمهور أكبر، إضافة إلى شخصيات جديدة مثل "أوسكار ذا غراوتش" و"كوكي مونستر" و"بيرت وإيرني" و"بيغ بيرد".
وقد تمكنت شخصياته من الفوز بقلوب جيل من الأطفال. وتمتعت أيضاً بما يكفي من الذكاء والسحر لجذب المشاهدين البالغين الذين استمتعوا بالحوارات في مقاطع مثل "تيمينغ أوف ذا شو" [= "ترويض الحذاء"] و"ذا أولد مان آند ذا سي" [= العجوز وحرف "سي""].
وعلى مدار سنوات، اجتذب العرض مشاهدين من الأعمار والخلفيات جميعها. وفي سيرتها الذاتية الصادرة في 2019 تحت عنوان "واجهه"، قالت ديبي هاري، المغنية في فرقة "بلوندي"، إنها كانت من أشد المعجبين بعمل هينسون. واعترفت أنها استماتت من أجل الظهور إلى جانب الدمى بعدما رأت نجم موسيقى الجاز المفضل لديها ديزي غليسبي يقدم عرضاً في "إفتح يا سمسم". وأضافت هاري، "امتلك جيم هينسون روح دعابة غريبة بطريقة ذكية، وقدم دوافع وملاحظات لمّاحة لشخصياته".
في السياق نفسه، لا بد من ذكر أن الموسيقى شكّلت جزءاً رئيساً في جاذبية العرض، بدءاً من اللحن الأساسي الذي لا ينسى، وصولاً إلى الأغاني التي كتبها المخرج الموسيقي جو رابوسو خصيصاً للعمل. وتمكنت مؤلفاته بما في ذلك أغنيات "سينغ" ["غنّي"] و"يو ويل بي ماي ميوزك" [= "ستكون أنت موسيقتي"] "وذير يوزد تو بي إي بول بارك" ["كان هنالك منتزه اسمه طابة"] و"سامبادي كوم آند بلي" [فليأتِ أحد ليلعب]، من استمالة ذائقة الجماهير والموسيقيين المحترفين أيضاً. إذ شاهد المغني فان موريسون "إفتح يا سمسم" مع ابنته شانا عندما سمع "كيرميت" (الذي أداه صوتياً هينسون) يغني أغنية للمغني رابوسو عنوانها "إتس نَت إيزي بيين غرين" ["ليس سهلاً أن تكون أخضراً"]. فقرر أن يسجل نسخة بصوته في ألبومه "هارد نوز ذا هاي واي" ["متكبر على الطريق السريع"] الصادر في 1973. وقد أوضح النجم الأيرلندي الشمالي، السبب الذي جعل أغنية عن التسامح من "إفتح يا سمسم" تترك أثراً كبيراً فيه، "إذا لم يحبك شخص ما لمجرد صفة معينة فيك، فربما إنه يرى الصفة الخطأ". في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، اختار الممثل ويندل بيرس تقديم نسخة من أغنية كيرمت "ديزيرت آيلاند ديسكس" ["أسطوانات جزيرة الصحراء"]. كذلك قدم فرانك سيناترا وديانا روس وراي تشارلز وإيميلدا ماي، أغنيات رابوسو.
بالنتيجة، حقّق "إفتح يا سمسم" نجاحاً فورياً. وأوردت كوني في مقابلة ضمن برنامج "ذي آركايف أوف أميريكان تيليفيجن"، أن "الاستقبال لم يكن ليُصَدَّق. قد يكون البرنامجَ الوحيد في التاريخ الذي حصل على ردة فعل هائلة في جميع أنحاء العالم... لقد حلقت دمى جيم في سماء الشهرة بين ليلة وضحاها. كان هناك أشخاص يصرّون أننا ندمر عقول الأطفال ولكن لم يعد لهم وجود يذكر في هذه الفترة، لأن شعبية البرنامج كانت كبيرة جداً لدى الجمهور".
منذ البداية، حرص الكتاب والممثلون والموسيقيون ونجوم الرياضية على الظهور في البرنامج. وتبدو قائمة الضيوف على مدى خمسة عقود مثل لوحة تجمع أهم المشاهير في يومنا هذا. وفي الحلقة الثانية التي بُثتْ في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 1969 ، قام الممثل جيمس إيرل جونز بإلقاء الأحرف الأبجدية بنفس النبرة الرنانة الخشنة التي سيستخدمها لاحقاً للأداء الصوتي لشخصية دارث فيدر في فيلم "حرب النجوم". من أكثر حلقات البرنامج التي لقيت رواجاً في سبعينيات القرن العشرين كانت تلك التي ظهر فيها الروبوت الفضائي "آر تو دي تو" والشخصية الآلية "سي ثري بي أو" الشهيران في سلسلة "حرب النجوم"، إلى جانب الدمية المتحركة "بيغ بيرد".
وفي الإطار نفسه، يلفت في التسجيلات التي قُدمت على مدر سنوات طويلة، مدى المتعة التي عاشها الضيوف حتى عندما شارك نجوم من عيار توم هانكس وجوليا روبرتس وجيمس غاندولفيني وجون هام وبنيديكت كامبرباتش وكلير دينز وجولي أندروز. استمر "أوسكار ذا غراوتش" في مقاطعة جوني كاش في منتصف أغنيته، بينما ظهر داني ديفيتو مغطىً بالقمامة، وتظاهر روبرت دي نيرو بأنه كلب بينما كان يشرح فن التمثيل إلى "إلمو".
على كل حال، يجب ألا نغفل أن للبرنامج جانباً جدياً. لطالما حاز "إفتح يا سمسم" الريادة في موقفه بشأن الشمولية والتمثيل، فقدم نماذج تقدّمية لجمهور الصغار. وفي 1975، قدّم طفلاً مصاب بـ"متلازمة داون" [= "المنغولية"]، وذهب البرنامج إلى حد تعريف الأطفال على "كامي"... ذلك الطفل المصاب بفيروس نقص المناعة البشرية، و"أرستوتل" الضعيف البصر و"كيتي" الطفلة المرحة والمتفائلة التي تتنقل بواسطة كرسي متحرك، وتسمي نفسها "سوبر كيتي" في إشارة إلى أن أسلوب حياتها النشيط يشبه الأبطال الخارقين.
وقد ساهم "إفتح يا سمسم" في تشكيل أجيال عدة. وتسبّب في إطلاق أكثر من ألف دراسة بحثية تأملت في تأثير البرنامج على الثقافة الأميركية منذ 1969، مع موافقة الغالبية على تأثيره التعليمي الإيجابي الكبير على المشاهدين.
وعلى نحوٍ مماثل، قدّم العمل قصصاً بارزة عن قضايا مهمة مثل التنمر والتشرد والفقر والموت، وعائلات الأشخاص العاملين في الجيش وأبناء المساجين. وأدى ذلك الارتباط بالحياة الحقيقية إلى جعله مؤثراً للغاية. في 2017، بعد سنوات من البحث، قدم "إفتح يا سمسم" فتاة تدعى جوليا وتعاني من أحد أشكال ظاهرة التوحّد. ونأمل أنها ساعدت في زيادة فهم التوحد لدى ملايين الأطفال في القرن الحادي والعشرين.
وبعد كل ما سلف، ليس من المستغرب أن يثير هذا العرض المؤثر اهتمام العالم السياسي. في 2013، سارت ميشيل أوباما على خطى السيدات الأول السابقات كباربرا بوش وهيلاري كلينتون ولورا بوش، عِبْرَ ظهورها في البرنامج. وذكرت أوباما بعد تسجيل مقطع عن الأكل الصحي، "إن حضوري في "إفتح يا سمسم" ربما أفضل شيء فعلته أثناء وجودي في البيت الأبيض".
من غير المحتمل أن يقدم دونالد أو ميلانيا ترمب ظهوراً رائعاً إلى جانب "كوكي مونستر". إذ سخر البرنامج من الرئيس الحالي على مدار ثلاثة عقود ، بداية من مقطع قُدّم في 1988 عن صاحب منزل متآمر يدعى دونالد غرمب يحاول طرد أوسكار من حاوية القمامة الخاصة به من أجل بناء "برج غرمب". وفي حلقة خاصة في 1994 بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاماً على انطلاقة البرنامج، جسّد الممثل جو بيشي شخصية ترمب، إذ طلا وجهه بمستحضرات تجميل برتقالية اللون ووضع شعراً مستعاراً ذا مظهر أبله.
وبعد خمسة وعشرين عاماً [من تلك الحلقة]، جرى الاحتفاء بعيد ميلاد البرنامج بشكل مميّز الليلة الماضية عِبْرَ احتفالية خاصة بالذكرى الخمسين لـ"إفتح يا سمسم" قدمتها شبكة "إتش بي أو" التلفزيونية. وقد قدّم الحلقة التكريمية جوزيف غوردون ليفيت. وضمت صفوف ضيوفها ووبي غولدبرغ ونورا جونز ونيل رودجرز. وفي التفاتة مؤثرة، انضم إلفيس كوستيلو إلى الدمية كيرمت في تقديم نسخة جديدة من أغنية "إتس نَت إيزي بيين غرين" ["ليس سهلاً أن تكون أخضراً"].
وقد تزامنت تلك الحلقة الخاصة مع بداية الموسم الخمسين للبرنامج. وبحلول الوقت الذي ينتهي فيه الموسم في يوليو (تموز) 2020، سيكون هنالك 5035 حلقة من "إفتح يا سمسم". ومن الصعب أن يجادل المرء في شأن أهميته مع وجود تلك الكمية من التعليم المستند إلى المتعة الذي امتد على مدار خمسة عقود من الزمن. ووفق الأغنية الشهيرة في البرنامج، "تعال والعب... كل الأمور على ما يرام".
© The Independent