تضطَّر مستشفيات في بريطانيا إلى نشر كاميرات المراقبة بالفيديو في أرجائها، إضافة إلى فصل المقيمين فيها عن موزِّعي المخدرات المتنافسين بين بعضهم بعضاً، عبر وضعهم في أقسام مختلفة، ذلك في إطار جهودها من أجل مكافحة وباء إدمان المخدرات على مستوى البلاد الذي يشهد اتجاراً بالمواد المخدرة من الفئة الأولى واستهلاكها علانية في أجنحة عدة من المستشفيات، وفق ما نُقِلَ إلى "اندبندنت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الواقع، تضغط أزمة المواد الأفيونيّة التي تجتاح المملكة المتّحدة على الأطباء والممرضين على حد سواء، إذ يزعمون أنّ المرضى "يطلبون توصيل المخدرات إلى جناحهم "دليفري" كما لو أنّهم يطلبون البيتزا"، بينما يلتقي آخرون موزّعي الممنوعات بالقرب من مداخل المستشفيات.
فعلاً، عثر موظفو "هيئة الخدمات الصحيّة البريطانيّة" (إن. آتش. أس) على حقن مخبأة في أرجاء المستشفيات في جميع أنحاء البلاد، بينما بعض مدمني المخدرات على استعداد لسرقة حاويات الأدوات الطبيّة الحادة التي تحتوي إبراً مستعملة كي يبيعوا محتوياتها. في هذا الصدد، ذكرت "الصحة النفسيّة" التابع للهيئة أنّ الكلاب البوليسية باتت تُستَخدَم للبحث عن المخدرات غير الشرعيّة في المستشفيات.
وأخبرت إحدى الممرضات أنّه في مستشفى كبير اضطروا إلى إبقاء نزلائه من مروّجي المخدرات المتنافسين، منفصلين بعضهم بعضاً خوفاً من وقوع عنف في الجناح الذي ينزلون فيه. وكذلك وصف طبيب آخر المآسي التي تشهدها عمليّة العناية بالأطفال الرضّع الذين ولدوا لأمهات كنّ يتعاطين الهيروين أثناء الحمل.
للأسف، تظهر الأرقام الأخيرة الصادرة عن "أن. آتش. أس. ديجيتال" الوحدة المتخصِّصة في أنظمة الكمبيوتر في "هيئة الخدمات الصحيّة البريطانيّة"، صورة متأزمة لعدد حالات الدخول إلى المستشفيات في إنكلترا من جراء التسمّم بالهيروين أو المواد الأفيونية الأخرى. إذ ارتفع الرقم بنسبة 121% على مدار الأعوام الـ12 الماضية ليصل إلى 30 ألفاً و409 حالة دخول في الفترة بين عامي 2018 و2019.
في الوقت نفسه، ارتفع عدد المرضى الذين يُدْخَلون إلى المستشفى بسبب اضطرابات عقليّة- نفسية وسلوكية مرتبطة مع تعاطي المخدرات، بحوالى 9%، ليصل بذلك إلى سبعة آلاف و258 حالة بين عامي 2017 و2018، بالمقارنة مع عقد سابق من الزمن.
في هذا السياق، أخبر أطباء صحيفة "اندبندنت" أنّ خفض عدد مراكز التعافي من تعاطي المخدرات والصعوبات في الحصول على دواء الـ"ميثادون" كعلاج للإدمان، استتبعهما أنّ المصادر غير الشرعية صارت الخيار الوحيد غالباً للحصول على المخدرات بالنسبة إلى مرضى كانوا يكابدون الإدمان. وتوضيحاً، يُعْطى الـ"ميثادون" كبديل طبي عن المواد الإفيونية بهدف مساعدة المدمن أثناء عملية الإقلاع عن تعوّد تلك المواد.
ومثلاً، في "نورث تيس آند هارتلبول فاونديشن ترست" المؤسّسة الصحيّة التابعة لـ"هيئة الخدمات الصحيّة"، اتخذ الرؤساء قراراً قضى بإغلاق جناحين بعدما صادف الموظّفون صفقات مخدرات مشتبهاً فيها. كذلك أطْلَعَتْ المنظمة شرطة "كليفلاند" على محتوى كاميرات المراقبة، وحذّرت من نيِّتها إغلاق مزيد من الأجنحة.
في هذ الشأن، ذكر متحدّث باسم المنظمة إنّ "الموظّفين شهدوا سلوكيات مشبوهة لدى نزلاء، من بينها تخزين الطرود خلف أنابيب التصريف واستخدام الصحف المفتوحة كغطاء في صفقات مخدرات مشتبه فيها. لدينا شكوك في أنّ المرضى يرتّبون عمليات بيع المخدرات غير المشروعة أثناء وجودهم في المستشفى". وفعلاً، تحدث المركز عن وقوع حادثتين في المتوسط تكونان مرتبطتين بالمخدرات شهرياً، إضافة إلى خمس حالات اعتداء على موظفين.
من زاوية اخرى، نقلت ممرضة كبيرة تعمل في مستشفى رئيس في "يوركشاير" أكبر المقاطعات البريطانيّة، إلى صحيفة "الاندبندنت" إنّها شاهدت رجلاً يخبئ حقيبة مليئة بالحقن وغيرها من أدوات تعاطي المخدرات في نافذة بـ"مستشفى سانت جيمس" في ليدز.
"اتصلنا بالأمن فأخبرونا أنّ من الشائع جداً أن يخفي الناس أشياء في أرجاء المستشفى. ثمة ملجأ إلى جانب مكتبي يتجمّع فيه المرضى. إنه محايد بعض الشيء ويمكنني أن أشمّ عادة رائحة أنواع عدة من المخدرات وليس القنّب الهندي [= حشيشة الكيف] فحسب. اضطررتُ إلى الاتصال بالأمن بصورة منتظمة، مرة واحدة على الأقل كل شهر. ولكن، يجب أن تتعاطف مع الأشخاص الذين يعانون هذا النوع من الإدمان ويواجهون تلك الحالة. إنها مشكلة خفية لا يفكر فيها الناس"، بحسب الممرضة.
في تطوّر متصل، حصلت "اندبندنت" على أمثلة أخرى بشأن الأزمات التي يخلّفها مدمنو المخدرات المقيمون في المستشفيات، من بينها:
حالات عدوى خطيرة ببكتيريا المكورات العنقوديّة الذهبيّة المقاومة للمضاد الحيوي "ميثيسيلين" (اختصاراً "إم. آر. أس. أي")، وقد نجمت عن تعاطي المرضى المخدرات باستعمال العقاقير أثناء الإقامة في المستشفى.
سرقة صناديق الأدوات الحادة التي تحتوي على إبر مستعملة وبيعها مقابل 15 جنيهاً إسترلينياً. في هذا المجال قالت إحدى الممرضات، "لا فكرة لديهم عمّا تحويه تلك الإبر. يمكن أن يكون مخدراً غير مستخدم فيصبح خطيراً حقاً".
اضطرّ الموظفون إلى الفصل بين مروِّجي المخدرات المتنافسين في أحد الأجنحة في "مستشفيات جامعات برايتون وساسكس". وفي حادث آخر، عُثر على مريض منهاراً بعدما استخدامه مرحاضاً في غرفة الانتظار كي يختبأ فيه ويحقن نفسه بالمخدرات.
كذلك ذكرت إحدى ممرضات "مستشفى جامعة برايتون"، أنّ "الناس يأتون إلى المستشفى ليكونوا آمنين، لكن النوم على مسافة ثلاثة أقدام من المروِّج الذي يمدّك بالمخدرات لن يشعرك بالأمان".
ولفتت إلى أنّ تلك المشكلة فاقمت الصعوبة التي تواجههم في رعاية الأشخاص، لكنّها أضافت، "لا يختلف الأمر عن المدخنين في جناح الجهاز التنفسيّ. إنه جزء من عملنا كممرضات. نحن نفعل ما بوسعنا".
على نحو مماثل، أوضح متحدّث باسم "مستشفيات جامعات برايتون وساسكس"، إنّ "سوء استخدام المواد المخدِّرة يعتبر مشكلة في مدينتنا ومقاطعتنا والبلد برمّته... ومن واجباتنا رعاية جميع مرضانا، بغض النظر عن سبب إدمانهم أو الخلفية التي يأتون منها. لذا، لا نتسامح مع النشاطات غير القانونيّة التي نرصدها في مستشفياتنا ونبلغ الشرطة دائماً عند الضرورة".
وكذلك تحدث ديفيد هاردينغ، استشاريّ الصحة الوطنيّة السابق في طبّ الأطفال حديثي الولادة في مستشفيات جامعة بريستول، عن التحدي المتمثِّل في رعاية الأطفال المولودين لأمهات كنّ مدمنات على الهيروين، موضحاً أنّه كثيراً ما ينتهي المطاف بهؤلاء الصغار إلى وضعهم لدى كفيل معتمد من الدولة أو في مراكز الخدمات الاجتماعيّة الخاصة بالأطفال.
ووفق كلماته، "يعود بعض الأمهات إلى الجناح منتشيات أو يعترفن بأنهن خرجن من المستشفى من أجل تعاطي المخدرات أو بأنهن أخذن الهيروين في المستشفى".
وفي رأي مستشار آخر في الأمراض المعدية والطب الحاد، يحتاج مدمنو المخدرات إلى أن ننظر إليهم على اعتبار أنّهم يعانون مشكلة صحيّة. وأضاف، "أصادف غالباً مرضى يعودون إلى المستشفى بعد مغادرتهم جناح العلاج من المخدرات. في بعض الأحيان، يُعثر على أناس يستخدمون المخدرات في دورات المياه أو يستعملون الحقن، لكنه أمر نادر الحدوث". وكذلك شدَّد على أن "هذه كارثة طبيّة فظيعة".
في الحقيقة، تبرز هذه المشكلة بشكل خاص في مراكز الصحة العقليّة حيث تُستخدم الكلاب البوليسية للبحث عن مخابئ المخدرات غير المشروعة فيها.
في هذا الصدد، أفادت متحدّثة باسم مركز "ساوث ويست لندن آند سان جورج للصحة العقلية"، أنّ الكلب "بوبي" التابع للمركز لم يتشمم المرضى تحرياً لوجود مخدرات في حوزتهم، وكان ذلك أمراً مهمّاً بالنسبة إلى المدمنين حفاظاً على سمعتهم.
وأضافت، "ثمة حالات قليلة، بين ثلاث وخمس حالات في المتوسط، تُسجّل سنوياً للزوار أو غيرهم ممن يجلبون مخدرات غير قانونية إلى مركزنا".
© The Independent