على الرغم من تقدّم تونس في ترتيب مؤشر مدركات الفساد لعام 2019 بنقطة واحدة لتحتلّ المرتبة 73 من مجموع 180 دولة شملتها الدراسة، بعدما كانت في السّنة الماضية في المرتبة 74، إلا أن ظاهرة الفساد لا تزال مستفحلة في عدد من القطاعات.
فما هي أسباب استمرار تفشي الظاهرة في تونس؟ وهل ستكون الحكومة المقبلة جادّة في مكافحة الفساد؟
900 ملف فساد
في أوّل تصريح صحافي له إثر تكليف رئيس الجمهورية قيس سعيد للحبيب الجملي بتشكيل الحكومة، أكد شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ضرورة أن يكون هذا الملف على رأس أولويات السياسة الجزائية للدولة.
ودعا إلى منح القطب القضائي والمالي (متخصص في مكافحة الفساد المالي) الإمكانات اللازمة، مشيراً إلى أنه يضم سبعة قضاة تحقيق فقط، وهو عدد ضئيل لا يمكن أن يحقق النتائج المرجوة في ملف مكافحة الفساد.
من جهة أخرى، أكد الطبيب إحالة 900 ملف فساد على القضاء منذ عام 2016 إلى اليوم، بينما لم يحسم إلا حوالى 20 في المئة منها، معتبراً هذه النسبة ضعيفة جداً.
حجم التهرب الضريبي
لا تعوزُ تونس التشريعات أو المؤسسات لتعزيز مكافحة الفساد وضمان الشفافية، بل الإمكانات المادية واللوجستية وتوفر الإرادة السياسية لتعزيز الشفافية.
ونبّه عدد من الخبراء الاقتصاديين إلى أن استشراء الفساد في عدد من القطاعات الحيوية للدولة كالصحة والديوانة والأمن قد يهدد كيانها في حد ذاته.
ويقدّر محافظ البنك المركزي التونسي الأموال المتداولة خارج القطاع المالي المهيكل بأكثر من أربعة مليارات دينار (أكثر من مليار دولار)، بينما تقدّر الحكومة التونسية حجم التهرّب الضريبي في تونس بـ25 مليار دينار (حوالى 8.3 مليار دولار).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذه الأرقام تكشف بوضوح تغلغل الفساد في مفاصل حيوية للاقتصاد التونسي، ولم تفلح الحكومات المتعاقبة في كبح هذه الظاهرة على الرغم من توافر الآليات القانونية والمؤسساتية.
ويعود ذلك بحسب عدد من المتابعين للشأن السياسي في تونس إلى تقاطع مصالح بعض الفاعلين في الطبقة السياسية مع اللوبيات المالية والاقتصادية في البلاد. ومن ذلك أن عدداً من مشاريع القوانين يتم تعطيلها من قبل البرلمان، نظراً لأنها تحدّ من نفوذ ومصالح قطاع محدد. ويتذكر التونسيون في السنوات الماضية احتجاجات المحامين ورفض الأطباء في القطاع الخاص لمشروع قانون يرفع الضرائب في القطاعين.
مكافحة الفساد بين الدعاية الانتخابية والواقع
ويعلّق التونسيون آمالاً كبيرة على الحكومة الجديدة برئاسة الجملي وعلى رئيس الدولة، الذي عُرف عند الناخب التونسي بنظافة اليد.
وقد أطلق القيادي في الحزب الجمهوري عصام الشابي صيحة فزع في تونس حينما أعلن أن ملف مكافحة الفساد سيكون من أول ضحايا الاتفاق الذي حصل بين حركة النهضة وقلب تونس في مجلس نواب الشعب. وهو الاتفاق الذي وصل بموجبه راشد الغنوشي إلى رئاسة البرلمان.
وكان ملفّ مكافحة الفساد محور الدعاية السياسية التي بنت عليها الأحزاب السياسية برامجها الانتخابية خلال الفترة الماضية، إلا أن المؤشرات الأولية تظهر عكس ذلك طالما أن حركة النهضة التي ادّعت أنها من الخطّ الثوري وتعمل على مكافحة الفساد اختارت التقرّب والتحالف مع حزب قلب تونس، الذي يلاحق رئيسه نبيل القروي بقضايا فساد تتعلق بالتهرب الضريبي وتبييض الأموال.
عدم وضوح خطاب حركة النهضة في تعاطيها مع هذا الملف يعمّق الشعور بالخوف إزاء مصير عدد من القضايا المنشورة في المحاكم، التي يُتّهم فيها نواب وسياسيون بشكل مباشر أو غير مباشر.
وأكدت حركة النهضة في بيان مكتبها التنفيذي إثر تكليف رسمي من رئيس الجمهورية للجملي على استقلالية رئيس الحكومة المكلف وكفاءته وخبرته الاقتصادية والمالية، مشيرة إلى أنه شخصية متحمّسة لخدمة الدولة ومكافحة الفساد والتطلع إلى إحداث نقلة نوعية في حياة التونسيين عموماً.
كما تتضمن وثيقة تعاقد الحكومة التي عرضتها الحركة على التونسيين برنامج عمل الحكومة، وكان ملف مكافحة الفساد محوراً رئيساً من ضمن المحاور الخمسة التي تضمنها المشروع، إضافة إلى تعزيز الأمن وتطوير الحوكمة ومقاومة الفقر وإصلاح منظومة الصحة والتعليم والنهوض بنسق الاستثمار واستكمال مؤسسات الدولة الدستورية.