أغلقت معظم المؤسسات الحكومية في البصرة، الواقعة جنوب العراق أبوابها تنفيذاً لإضرابٍ عن العمل شمل كلّ شركات القطاع العام والمدارس الثانوية والابتدائية وأكثر المديريات العامة كالماء والمجاري والبلدية والبلديات والتربية والشباب والرياضة. ويأتي الإضراب ضمن سياق احتجاجاتٍ شعبية تشهدها المحافظة منذ أربعة أسابيع، كجزءٍ من الاحتجاجات الجارية في العاصمة بغداد ومحافظاتٍ أخرى.
الإضرابُ العام الذي دعا إليه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تزامن تنفيذه مع إضرام محتجين النار في إطارات سيارات واستخدامها في إغلاق عددٍ كبيرٍ من الشوارع والجسور والتقاطعات الحيوية في البصرة، ما أدى إلى شللٍ شبه تام في حركة سير السيارات استمر لساعات قليلة، ثم عادت الحركة المرورية إلى طبيعتها في شوارع المحافظة مع انتهاء الساعات المحددة للدوام الرسمي.
اعتصامات وتظاهرات
الاحتجاجات على مستوى البصرة، تتركز في ساحةٍ مجاورة لمقر الحكومة المحلية، حيث يحتشد مئات المعتصمين في خيامٍ صغيرة وضعوها على الأرصفة، كما تشهد الساحة يومياً تظاهرات احتجاجية، ومعظم المشاركين فيها يطالبون بإصلاحاتٍ جذرية واسعة تشمل تعديل الدستور، وتغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، ومنع التدخلات الخارجية في الشأن العراقي، ومن أبرز مطالبهم الأخرى مكافحة الفساد الإداري وتوفير فرص عملٍ للعاطلين وتحسين الخدمات العامة.
ولا تخلو الأقضية والنواحي من احتجاجاتٍ أربكت العمل في منشآتٍ اقتصاديةٍ حيوية تُعدُّ من ركائز الاقتصاد الوطني. فبالقرب من ميناء أم قصر الذي يُعتبر أكبر ميناء تجاري عراقي، يعتصم العشرات وأحياناً يمنعون الشاحنات من الدخول والمغادرة. وبالقرب من حقل مجنون، أحد أضخم الحقول النفطية في العالم، يحتشد العشرات من أهالي ناحية النشوة، وأحياناً يقفلون بعض الطرقات المؤدية الى موقع الحقل.
حصيلة الضحايا
في غضون الأيام القليلة الماضية، لم تحصل مواجهات بين القوات الأمنية والمحتجين، ولم تتدخل القوات الأمنية لفض احتجاجاتٍ بالقوة، ولم تتجدد محاولات اقتحام مقر الحكومة المحلية من قبل محتجين، لكن أعمال العنف التي حدثت في بداية الاحتجاجات أسفرت عن ضحايا من جانب المتظاهرين والقوات الأمنية. وقال مدير مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في البصرة مهدي التميمي لـ"اندبندنت عربية"، إن "أعمال العنف التي رافقت الاحتجاجات في البصرة منذ الخامس والعشرين من الشهر الماضي أوقعت ما لا يقل عن 22 شهيداً، وأكثر من 700 جريح"، موضحاً أن "الإصابات الميدانية للاحتجاجات، معظمها عبارة عن حالات اختناقٍ بسبب الغاز المسيل للدموع، وبعضها الآخر ناجم عن استخدام الرصاص الحي وكرياتٍ معدنية صغيرة مصممة للصيد، كما رصدنا حالات دهسٍ نتيجة التزاحم".
وبحسب قائد أفواج الطوارئ في البصرة العميد علي مشاري، فإن "عدد إصابات قوات الشرطة بلغ 230 بين ضابط ومنتسب، وأكثرها نتيجة رمي الحجارة وطعنات بالسكاكين، فيما تضررت 35 سيارة عائدة للشرطة، من بينها خمس سيارات أُحرقت بالكامل"، معتبراً أن "الاحتجاجات في ذروتها اختُرقت من قبل مندسين، وفي تلك الأثناء واجهت القوات الأمنية محاولات استنزاف وتشتيت".
عودة الهدوء
على الرغم من استمرار الاحتجاجات الشعبية في البصرة، إلاّ أنّها لم تؤثر كثيراً بإطارها السلمي في الحياة العامة في المحافظة، فالأسواق تعمل بشكلٍ اعتيادي، والمصارف والشركات لم توقف أعمالها، والخدمات البلدية مستمرة، والقوات الأمنية تمارس مهامها التقليدية. ويرى الكاتب والمحلل السياسي رشيد الفهد أن "حالة الاستقرار العام في ظل تواصل الاحتجاجات، ناجمة عن طول فترة التحركات المطلبية وتمركزها في مواقعَ معينة دون غيرها"، موضحاً أن "ذلك لا يلغي احتمالية تجدد الاحتجاجات على نطاقٍ واسع".