استهجان وغضب عربيّ ساد اليوم الأول من فعاليات الدورة الأولى لمؤتمر "إنشاء منطقة شرق أوسط خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل"، الذي يعقد برعاية الأمم المتحدة في نيويورك، وذلك بعد غياب كل من إسرائيل والولايات المتحدة عن المؤتمر الذي يشكل نواة رئيسة لإطلاق حوار إقليمي واسع بشأن الأسلحة النووية، لا سيما وأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط التي لم توقّع على اتفاقية حظر الأسلحة النووية "NPT".
المؤتمر الذي ترأسه البعثة الأردنية الدائمة لدى الأمم المتحدة، برئاسة السفيرة سيما بهوس، ويستمر حتى 22 نوفمبر (تشرين الثاني)، شهد اتفاقا عربيا وإيرانيا على توجيه الانتقادات للازدواجية الأميركية في التعامل مع ملف نزع التسليح النووي في دول المنطقة.
وبداية من الكلمة الافتتاحية لوفود الدول، والتي كانت لمصر، مرورا بكلمة شديدة اللهجة للمندوب الدائم للسعودية، وصولا إلى إيران، بدت حالة من الغضب بشأن الوضع الخاص الذي تتمتع به إسرائيل بين دول المنطقة.
ربما كانت كلمة السفير المصري محمد إدريس الأقل حدة، ملمحا دون ذكر اسم إسرائيل إلى أن غياب واحدة من دول المنطقة (إسرائيل) أمر مؤسف، ومع ذلك أشار إلى أن مشاركة أربع من الدول الخمس الحائزة للأسلحة النووية بموجب شروط معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهي بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين، بينما غابت الولايات المتحدة، فضلا عن مشاركة بقية دول المنطقة، يسمح بمعالجة مخاوف كل الأطراف بطريقة شفافة وواضحة وفي إطار عمل من التعاون البنّاء والثقة.
غير أن السفير عبد الله العليمي، رئيس الوفد الدائم للسعودية لدى الأمم المتحدة، كان أكثر وضوحا وصرامة في انتقاد الغياب الإسرائيلي عن هذا المنتدى الدولي المهم، واستهلّ كلمته بالإشارة إلى المقعد الشاغر لإسرائيل، وأشار إلى أنه لا يدلّ على حسن النوايا، في حين أنها الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط.
وقال إن تقاعس المجتمع الدولي عن الوفاء بالتزاماته بشأن إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط أدى إلى تداعيات سلبية على المنطقة والعالم أجمع، حيث مضى أكثر من 24 عاماً على اعتماد المقرر الثاني حول الشرق الأوسط لعام 1995 الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من مخرجات القرارات التي أدت لاعتماد التمديد اللانهائي لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وألقى العليمي باللوم على إسرائيل بشأن عدم إحراز أي تقدم في سبيل إنشاء هذه المنطقة، مشيرا إلى استمرار رفضها، وهي الطرف الوحيد في منطقة الشرق الأوسط الذي لم ينضم إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ورفضت إخضاع جميع منشآتها النووية لنظام الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورفضت تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، وتجاهلت قرارات مؤتمرات استعراض معاهدة عدم الانتشار، وأعاقت أي مفاوضات تمهيدية جدية لتنظيم مؤتمر لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.
ومن المفارقة أن يتفق العرب وإيران على القضية ذاتها، وفي كلمته لم يكتفِ ممثل الوفد الإيراني لدى الأمم المتحدة، مجيد تخت روانجي، بتوجيه الانتقادات لإسرائيل بل للولايات المتحدة أيضا. وقال إنه لسوء الحظ في الشرق الأوسط، فإن ترسانة أسلحة الدمار الشامل للنظام الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية، وعدم استعداد الأخيرة للانخراط في أعمال المؤتمر، يمثلان عائقين رئيسين في تحقيق فكرة إنشاء مثل هذه المنطقة في الشرق الأوسط. وأضاف "ينبغي ألا تكون سياساتها وإجراءاتها (إسرائيل) غير المسؤولة لنشر أسلحة الدمار الشامل مقبولة لدى المجتمع الدولي".
بشكل عام بدت جميع دول المنطقة المشاركة داعمة ومشجعة لفكرة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية، وهي التجربة التي نجح تطبيقها من قبل في خمس مناطق حول العالم، من بينها أفريقيا ومنطقة الكاريبي.
ورغم الجدل المثار بشأن سلمية البرنامج النووي الإيراني، فإن المندوب الإيراني شدّد على أن أسلحة الدمار الشامل ليس لها مكان في عقيدة الدفاع الوطني لدى بلاده، بل أكد على أن طهران على استعداد للعب دورها في العمل مع جميع المشاركين نحو القضاء التام على الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.
وفي إطار دبلوماسية المنع التي تنتهجا الأمم المتحدة، شدّد السفير المصري على أن السلام والأمن الدوليين لم ولن يتحققا من خلال سياسات الردع وسباقات التسلح، مؤكدا على التزام مصر تقديم مقترحات واقعية وعملية فيما يتعلق بتحقيق أهداف قرار عام 1995 بشأن الشرق الأوسط، كما دعا إلى عدم البدء من الصفر، لافتا إلى أن هناك بالفعل اتفاقات دولية تتناول أسلحة الدمار الشامل في فئاتها الثلاث، وهناك اتفاقات سابقة بشأن إنشاء مناطق خالية من الأسلحة النووية أثبتت جميعها قدرتها على مدى عقود عدة على تحقيق أهداف كل منها بنجاح.
كما بدا الطرف المصري أكثر تفاؤلا، إذ أشار إدريس إلى أن العديد من هذه المعاهدات تم التفاوض عليها دون مشاركة عدد من الدول في البداية، وهذا لم يمنع استمرار المفاوضات وإكمالها أو انضمام الأطراف غير المشاركة إلى المفاوضات أو الانضمام إلى المعاهدات في مرحلة لاحقة.