لا يبدو أن المتظاهرين العراقيين على استعداد لسماع اقتراحات السياسيين، التي تهدف إلى إنهاء الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فيما يواصل المسؤولون تجاهل مطالب المحتجين الرئيسة، ويتحدثون عن "إصلاحات" لا تثير اهتمام أحد في البلاد.
لا لغة مشتركة
ويقول الباحث العراقي محسن رمثان إن "المتظاهرين يؤمنون بأن أي اقتراحات تأتي من الطبقة السياسية الحاكمة حالياً لن تكون مفيدة"، مشيراً إلى أن "القوى الحاكمة ليست مستعدة لإجراء إصلاحات تقلص امتيازاتها".
وتسيطر الأحزاب التي تحكم العراق حالياً على موازنة سنوية لا تقل عن 100 مليار دولار، تنفق معظمها على أوجه تعزيز نفوذها وإدامة وجودها، بحسب رمثان، الذي يرى أنه لا يوجد لغة مشتركة بين سكان "المنطقة الخضراء" في جانب الكرخ من دجلة، في إشارة إلى السياسيين، وبين المتظاهرين الذين يحتلون "ساحة التحرير" في جانب الرصافة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اتفاق سياسي
أمضت الأحزاب الرئيسة في العراق الأسابيع الماضية في اجتماعات ولقاءات سرية وعلنية، شارك فيها أبرز أقطاب العملية السياسية، حيث انتهت إلى الاتفاق على جملة إجراءات عاجلة، وحزمة تعهدات، يمكن لها مجتمعةً أن تستجيب لمطالب المحتجين، وفق رؤية سكان المنطقة الخضراء. واتفق المجتمعون على أن الأولوية الآن هي لـ "حقن الدماء والحفاظ على حیاة المواطنین وحمایة حقوقھم وتجنیبھم الحرب الأھلیة والخراب والدمار"، فيما منحوا عبد المهدي مهلة 45 يوماً لإجراء الإصلاحات، التي لم تُحدد بوضوح، ولا يوجد تعريف للمجالات التي ستشملها، في إشارة فهمها المتظاهرون على أنها بداية تسويف سياسي.
وفي حال لم ينجح عبد المهدي في إجراء هذه الإصلاحات، التي تجنّب الاتفاق تعريفها بوضوح، مع تجاهل كيفية تنفيذها ودور القوى السياسية في ممانعتها، ستتم إقالته.
الحديث عن الحرب الأهلية
وقال مراقبون إن استخدام مصطلح "الحرب الأهلية" في هذا التوقيت، لتسويق فكرة "الحرب الشيعية- الشيعية"، يأتي في سياق أجواء الرعب التي تحاول الحكومة ورعاتها إشاعتها في البلاد، لمنع السكان من دعم حركة الاحتجاج.
ويتضمن الاتفاق أيضاً وعوداً بتشريع قوانين جديدة تتعلق بتوظيف العاطلين، والحضّ على محاسبة الفاسدين، من دون تسميتهم أو حتى تحديد آليات واضحة لملاحقتهم.
وأقرّ المجتمعون خطة عبد المهدي التي ينوي عرضها على البرلمان بهدف إجراء تعديل وزاري، من دون ضمانات لأن يكون الوزراء الجدد من خارج الطبقة السياسية. وبالنسبة إلى المتظاهرين، فإن الاتفاق هذا لا يساوي قيمة الورق الذي كُتب عليه، لأنه يُبقي الطبقة السياسية المطالَبة بالرحيل في موقعها من دون مس.
"الثوار" يردون
في المقابل، اعتبر بيان صادر عن "ثوار التحرير وساحات الانتفاضة في محافظات العراق" أن الساسة العراقيين أظهروا عبر هذا الاتفاق "مدى تمسكهم بحكومة عبد المهدي، عبر منحها فرصة جديدة"، مشيراً إلى أن المتظاهرين لن يقبلوا "بأي حل تمويهي غادِر، قبل إقالة الحكومة".
وأعلن بيان "ثوار التحرير وساحات الانتفاضة في محافظات العراق" أمام الشعب أن "الوثيقة التي تم التوقيع عليها باطلة ولا تمثل تطلعات شبابنا المنتفِض ودماءه التي أراقها فساد الكتل السياسية وتعنتها وتمسكها بهذه الحكومة"، مشدداً على أن "أي حل للأزمة لن يكون قبل أن تقدم الحكومة استقالتها، فذلك من أولويات مطالب المتظاهرين الغاضبين، ونحمل المسؤولية لكل مَن خاننا وسوّفَ مطالبنا واستخف بالدماء التي سالت خلال فترة الاحتجاجات في بغداد والمحافظات".
لا مهلة لحكومة القتلة
وجاء في بيان منفصل، وقّعه "شباب انتفاضة تشرين"، أن لقاء الزعماء والقادة لم يأتِ بجديد، "سوى محاولة كسر صمود المنتفضين واستجداء الوقت للخروج من أزمتهم". وأضاف البيان أن اتفاق القادة والزعماء "لم يبيّن أي إمكانية لتطمين المنتفضين، فلو كانوا صادقين فليباشروا بمحاسبة كبار الفاسدين ومحاكمة قتلة المنتفضين".
واعتبر البيان تفاصيل الاتفاق بمثابة "محاولة جديدة للتسويف"، مخاطباً "سكان المنطقة الخضراء من الساسة" بالقول إن "الناس اختبرتكم، ماذا تنتظرون من الشعب بعد المجازر؟". وختم بالقول "كلمتنا لكم: استقالة أو إقالة... لا مهلة لحكومة القتلة". وأفاد مراسل "اندبندنت عربية" في بغداد بأن المتظاهرين في ساحة التحرير قرأوا البيانين، ثم أحرقوا ورقة الاتفاق السياسي، الصادر عن اجتماع الزعماء والقادة.