وكأن المعاناة اليومية التي يعيشها الفلسطينيون، بعد إقامة جدار الفصل العنصري والقيود المفروضة عليهم، لم تكف المؤسسة الإسرائيلية. فاليوم وبعد 17 سنة من إقامة الجدار، الذي التهم معظم الأراضي الفلسطينية وشتّت العائلات المحاذية له على طرفي الخط الأخضر، فرضت إسرائيل قيوداً جديدة على أصحاب الأراضي الزراعية، تحرمهم بموجبها، من حقهم الأساسي في الوصول إلى أراضيهم متى يشاؤون وفي المواسم وحالة الضرورة.
وحددت طرق الوصول إلى الأراضي عبر البوابات التي أقامتها في الجدار والوقت الذي يقضيه المزارع في أرضه.
ووصلت إسرائيل إلى ذروة سياسة الاحتلال عندما قررت تحديد عدد مرات الدخول، وفق نوعية المزروعات ومساحة الأرض، أما في حال كانت مساحة الأرض أقل من المساحة التي حددتها التعليمات الجديدة فلا يتم إعطاء صاحبها تصاريح دخول.
يجري الحديث عن الأراضي التي تقع في مجال خط التماس، أي بين جدار الفصل والخط الأخضر. بموجب التعليمات السابقة فقد حصل الفلسطينيون على تصاريح دخول إلى أراضيهم الزراعية، التي باتت خلف الجدار بعد إقامته، من دون علاقة بنوعية المزروعات ومساحة الأرض.
أما اليوم فأدرجت مرات الدخول إلى الأرض في السنة، ليكون أصحاب الحظ الأوفر مزارعو البندورة والتوت إذ تسمح لهم إسرائيل بدخول أراضيهم 220 مرة في السنة، أما مزارعو التين فحددت لهم 50 مرة وأصحاب أراضي الزيتون أو البصل فيمنعوا من الدخول أكثر من 40 مرة كحد أقصى.
معاناة التصاريح
تمتد منطقة التماس، التي تشملها التعليمات الجديدة 140 ألف دونم، معظمها أراضٍ زراعية لا يوجد لأصحابها الفلسطينيين طريق سالكة للوصول إليها.
عند بناء الجدار عام 2002 وعدت إسرائيل بأنها ستسمح لأصحاب الأراضي بالوصول إلى أراضيهم، ومن أجل ذلك أقامت بوابات تفتح في أوقات محددة.
لكنها فرضت قيوداً على الدخول إلى الأراضي عبر الحصول على تصاريح، وهذه بحد ذاتها معاناة، إذ يضطر الفلسطيني إلى تقديم مستندات وإثباتات حول مساحة الأرض ونوعية المزروعات، أما إذا رغب صاحب الأرض في إدخال العمال لفلاحتها فيضطر إلى طلب تصاريح لهم، وهذه التصاريح مقيدة بأيام وساعات.
المعاناة الأكبر للمزارع الفلسطيني عندما ينتهي عدد مرات الدخول المحددة إلى الأرض من دون إنهاء العمل فيها فيضطر إلى تقديم طلب جديد للحصول على تصاريح، وهذا الطلب يأخذ وقتاً حيث يتم التأكد إذا ما كان بالفعل يحتاج إلى وقت إضافي لإنهاء العمل في أرضه، وهو أمر يخلق صعوبات بيروقراطية أمام أصحاب الأراضي.
وفق معطيات إسرائيلية، ارتفعت نسبة رفض طلبات تصاريح الدخول إلى الأراضي الزراعية في مجال خط التماس، عام 2018 إلى 72 في المئة مقابل 24 في المئة عام 2014.
قيود صارمة
وبحسب جمعيات ناشطة في حقوق الإنسان فإن القيود على دخول الفلسطينيين إلى أراضيهم في مجال التماس زادت صرامة مع مرور السنين، حيث رفضت معظم طلبات التصريح بذريعة أن الأمر يتعلق بـ "قطعة أرض صغيرة". لأن الإدارة تقوم بفصل القسيمة الخاصة بمن يطلب التصريح عن بقية قطعة الأرض استناداً إلى حصته النسبية في أرض العائلة.
وبحسب "مركز الدفاع عن الفرد" هناك 84 بوابة في جدار الفصل العنصري تقود إلى "منطقة التماس"، بينها تسع بوابات مفتوحة يومياً، وعشر بوابات تفتح مرة في الأسبوع و65 بوابة تفتح بصورة موسمية.
يذكر أن الحكومة الإسرائيلية قررت عام 2002 إقامة الجدار في أعقاب سلسلة طويلة من العمليات التي نفذها الفلسطينيون. وبحسب الفلسطينيين فقد تحول الجدار إلى أداة أساسية لضم أراضي الفلسطينيين إلى إسرائيل لتصبح عشر مساحة الضفة الغربية تحت سيطرة الإسرائيليين، بالتالي تقليل عدد السكان الفلسطينيين الذين يسكنون ما بين مسار الجدار والخط الأخضر، ما أدى إلى إلحاق أضرار شاملة بالبلدات الفلسطينية الواقعة إلى الشرق من الجدار والتي فُصلت فعلياً عن أراضيها.
85 في المئة من الجدار يمر داخل الضفة الغربية وبذلك فهو لا يطابق الخط الأخضر ولا يمر داخل الحدود المسجلة تحت السيادة الإسرائيلية. يبلغ طول مسار الجدار 712 كيلومتراً، أي أكثر من ضعف طول الخط الأخضر البالغ 320 كيلومتراً. وفي بنائه اقتطعت إسرائيل 526.677 دونماً من أراضي الضفة الغربية – والتي تشكل ما نسبته 9.4 في المئة من مجمل مساحة الضفة، بما فيها المساحات التي ضمتها إسرائيل في نطاق مسطح بلدية القدس، الذي التهم هم الآخر مقاطع واسعة من الضفة الغربية.
ووفق معطيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (OCHA) فقد أنجزت إسرائيل حتى أيلول (سبتمبر) 2017 بناء نحو 65 في المئة من مسار الجدار (ما يقارب 460 كيلومتراً).
وهناك نحو 53 كيلومتراً أخرى من المسار قيد البناء (ما يقارب 7.5 في المئة). ويرى الخبراء الفلسطينيون في مركز "بتسيلم" لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، أن إسرائيل، وبإقامتها الجدار فصلت الفلسطينيين عن أراضيهم في نحو 150 تجمّعاً سكانياً فلسطينياً في الضفة الغربية وبضمنها أراض زراعية وأخرى للرعي إذ أدى الجدار إلى تطويق هذه الأراضي بين الجدار وبين الخطّ الأخضر، وهكذا أغلقت إسرائيل في وجه آلاف الفلسطينيين إمكانية الوصول بحرّية إلى أراضيهم وحرمتهم من استخدامها.