لكل شخصٍ رأيه في التحقيق الجاري الذي ينظر في قضية عزل الرئيس الأميركي دونالد ترمب. ويرى البعض أنه بناءً على الشهادات التي قدّمها مسؤولون أمام لجنة التحقيق في "كابيتول هيل"، مقرّ مجلسي النوّاب والشيوخ، ثمة أكثر من دليل على ازدواجية معايير الرئيس وعدم نزاهته.
هل كان يمكن لـ "الديموقراطيين" القيام بأي شيء آخر غير التصويت على عزله؟ البعض عمد بدلاً من ذلك، إلى تصديق الحجج التي قدّمها الرئيس ومفادها إن الإجراءات كانت جزءا من حملة مطاردة الساحرات، أي الخصوم السياسيون، عمل عليها "الديموقراطيون" منذ فوزه المفاجئ على مرشّحتهم هيلاري كلينتون العام 2016. ويجادلون بالقول: كيف يمكن لأي شخص عزل الرئيس، بناءً على مجموعة من المعلومات المبتذلة والإشاعات؟
موقف "الديموقراطيّين" قوي
أبدت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النوّاب تردّداً في الأشهر الأخيرة، في شأن الضغط من أجل عزل ترمب، لإدراكها مدى الانقسام الحاصل حول هذه القضية. وفي الواقع، لولا بروز شكوى من أحد المبلّغين عن اتّصال الرئيس الأميركي هاتفياً في الخامس والعشرين من يوليو (تموز) الفائت برئيس أوكرانيا، لما كانوا، على الأرجح، ليباشروا التحقيق الرسمي. وبالنظر إلى الأدلة الوازنة والضغط داخل الحزب، شعرت بيلوسي بأن لا خيار لها سوى المضي قدما. حاولت هي وآدم شيف، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النوّاب، تصوير الجهد الذي قاما به في هذا المجال، بأنه غير حزبي، لكن جميع الاتّهامات هي سياسية. ولا يمكن أن تكون أي شيء آخر.
دفاع "الجمهوريّين" ضعيف
يعود ضعف الموقف "الجمهوري" جزئياً إلى اعتراف الرئيس دونالد ترمب نفسه وكبار مساعديه مثل ميك مالفيني، بقسم كبيرٍ من الاتّهامات الموجّهة إليه- الاعتراف بأنه طلب من أوكرانيا القيام بتحقيق مكافحة فساد في أنشطة جو بايدن في مقابل مساعداتٍ عسكرية وزيارة دولة - وهنا جعبة "الجمهوريين" شبه خاوية من عدة، حجج، الدفاع. وفي المقابل، أمضوا معظم الشهر الماضي في جدلٍ حول العملية ومحاولة صرف انتباه الناس بالكلام على نظريات المؤامرة، بدلاً من محاولة الدفاع عن أفعال رئيسهم.
قرار العزل مرجّح في مجلس النواب
في نهاية المطاف، ستنتقل المسألة إلى لعبة الأرقام التي يملك فيها "الديموقراطيّون" اليد الطولى. ومن المرجّح أن تُحال موادّ قرار العزل إلى اللجنة القضائية في مجلس النواب، حيث يتمتع "الديموقراطيّون" أيضاً بأغلبية في حال التصويت. ومن ثَمّ سيُدعى مجلس النوّاب بكامله إلى التصويت. ويحتاج الإجراء فقط إلى أغلبية بسيطة كي تتم إدانة ترمب. ولن تسمح بيلوسي المحنكة، بإجراء تصويت من دون التأكد من أن الأصوات اللازمة مضمونة.
التوقيت بالغ الأهمية
يريد "الديموقراطيّون" أن تنتهي المسألة بكاملها في أسرع وقت ممكن، كي يتمكّنوا من معاودة التركيز على انتخابات السنة المقبلة 2020. أما "الجمهوريّون" الذين يرغبون في أن تصرف قضية العزل الانتباه عن الانتخابات الأولية لدى "الديموقراطيّين، فيريدون إطالة المسألة. وما لم يقرّروا تأخير العملية من أجل سماع أدلة أشخاص مثل جون بولتون، المستشار السابق لشؤون الأمن القومي، فمن المحتمل أن يتمّ التصويت في مجلس النواب في وقت ما في خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر ديسمبر (كانون الأول). وباختصار، من المرجّح أن يتم صدور قرار عزل الرئيس من مجلس النواب بحلول نهاية السنة.
ماذا سيحدث بعد ذلك؟
هذا هو السؤال الكبير، فمعلومٌ أن ثمة حاجةً إلى ثلثي الأصوات في مجلس الشيوخ لإدانة الرئيس وإجباره على ترك منصبه، وهنا يعوّل ترمب على الولاء التام والنهج الصارم في التصويت، من جانب زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل. وإذا صوّت المجلس على أسسٍ حزبية، فسينفد ترمب بنفسه من مأزق العزل، ويعود إلى البيت الأبيض ليعمل على إعادة انتخابه. وتشير تقارير كثيرة إلى أن "الجمهوريّين" في مجلس الشيوخ يرغبون في إطالة أمد المحاكمة لفترة طويلة تصل إلى السنة 2020، لإرباك الانتخابات التمهيدية داخل حزب "الديموقراطيّن"، سابقة الذكر.
لكن ذلك قد لا يحدث. ويبدو أن أعضاء الحزب "الجمهوري" حتى الآن موالين لدونالد ترمب، إما خشية تعرّضهم لهجوم لاذعٍ من جانبه، أو خوفاً من أنصاره الناشطين للغاية في تنظيم المرشّحين الرئيسيين الذين سينافسون في مناطقهم.
ويمكن أن يتغيّر الموقف بسرعة إذا شعر كبار "الجمهوريّين" بأن القاعدة لم تعد تدعم الرئيس ترمب، تماماَ كما حدث عندما بدأت الرياح تتغيّر وتعصف بالرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون قبل أعوام طويلة. وفي مثل هذه الظروف، قد يتمّ إقناعه بالتنحّي – وهذا من غير المرجّح - أو يلجأ "الجمهوريّون" إلى التصويت على إقالته، وفي هذه الحال، يتولى نائبه مايك بَنس الرئاسة.
وقد تتزايد فرص حدوث مثل هذا الأمر، إذا ما دفعت قلّة غير معنية من الأعضاء "الجمهوريّين" في مجلس الشيوخ ذات الأغلبية "الجمهورية"، في اتّجاه إجراء اقتراعٍ سرّي من شأنه أن يوفر غطاءً لهم ولغيرهم. وكتبت المستشارة "الجمهورية" جولينا غلوفر في "بوليتيكو" هذا الأسبوع "قد يبدو الاقتراع السرّي على العزل ضرباً من الجنون، لكن حصوله ممكن بالفعل. وفي الواقع، يحتاج الأمر إلى 3 أعضاء فقط من مجلس الشيوخ ليصبح ذلك ممكنا".
مع رحيل دونالد ترمب، وحلول بَنس مكانه في المكتب البيضاوي، كل الأشياء تصبح ممكنة. ففي مطلع السنة 2020، يمكن للرئيس الأميركي الجديد الاعتماد على دعم المؤسّسة الحزبية والمسيحيين الإنجيليين، لكن من الصعب توقّع أن يكون المؤيدون باستماتة لترمب متحمّسين للاقتراع في الانتخابات، خصوصاً أن بَنس يشكّل أحد وجوه مؤسّسة السلطة في واشنطن، على الرغم من تأكيداته التي تخالف ذلك.
قد يجد بَنس نفسه أمام تحدٍّ يجسّده "جمهوريٌ" آخر مثل جون كاسيتش السياسي الآتي من خلفية إعلامية، أو المندوبة السابقة في الأمم المتّحدة نيكي هيلي، وذلك في المؤتمر الصيفي للحزب. وقامت هيلي بالترويج لكتاب With All Due Respect "مع كلّ الاحترام ". وقد تكون هذه هي طريقتها الديبلوماسية للقول "ترقبوا التطوّرات الآتية".
© The Independent