لا توجد لدى حزب "العمّال" البريطاني أخبار سارة كثيرة هذه الأيام، ليعتد بها ويحتفي بها في هذه الحملة الانتخابية. لكن ثمة بصيص أمل لهذا الحزب. فالكلام على وضع "هيئة الخدمات الصحّية الوطنية" NHS يتقدّم على النقاش الدائر في ما يتعلّق بالخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي، خصوصاً عندما يُطلب من البريطانيّين أن يختاروا ضمن قائمة قضايا عن تلك التي يمكن أن تحدّد اتجاه التصويت لديهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فاستناداً إلى بحثٍ أجرته "إيبسوس موري" المتخصّصة في مجال استطلاع اتّجاهات الرأي العام، تقدّم موضوع قطاع الصحّة في المملكة المتحدّة بنسبة (60 في المئة) على مسألة الخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي (56 في المئة). فقضية "هيئة الخدمات الصحّية الوطنية" ورد ذكرها كثيراً على لسان الأشخاص الذين ساندوا حزب "العمّال" في انتخابات العام 2017 بنسبة (68 في المئة). لكن اللافت أيضا، أنه في ما يتعلّق بأولئك الذين صوتوا لحزب "المحافظين" في الانتخابات السابقة، تحدّث نحو 58 في المئة منهم عن مسألة الصحة، ووضعوها في المرتبة الثانية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (69 في المئة). ومع ذلك، تشير استطلاعات أخرى للرأي العام إلى أنه عندما يتعيّن على الناس اختيار القضية الأكثر أهمية، فإن موضوع "بريكست" يتفوّق على الصحّة.
وإذا كان "المحافظون" يراهنون على أن تعهّدهم بزيادة عدد الممرّضات في القطاع بنحو 50 ألف شخص، من شأنه أن يساعد في تحييد قضية "هيئة الخدمات الصحّية الوطنية" عن النقاش الانتخابي، فمن المحتمل أن يخيب ظنّهم. وعلى الرغم من أن عدداً من وسائل الإعلام قد ذكر في البداية أن الحزب تعهّد بتوظيف 50 ألف ممرّضة إضافية، فقد تبيّن أن هذا الرقم يشمل18500 ممرّضة تأمل الحكومة في إبقائهن في الخدمة ضمن القوى العاملة في "هيئة الخدمات الصحّية الوطنية" أو إرجاعهن.
وسيأتي نحو 12 ألف شخص آخر من الخارج، وسيكون قرابة 14 ألفاً من الطلاب الجامعيين، و5 آلاف من أصحاب الكفاءة والشهادة. وقد بذلت نيكي مورغان وزير الثقافة البريطانية جهداً لشرح الأرقام في برنامج "صباح الخير بريطانيا" على قناة "آي تي في" ITV يوم الإثنين الفائت.
وانتهز حزب "العمّال" الفرصة ليصوّب على "المحافظين"، بالإشارة إلى أن الارتباك هو دليل على أنهم كانوا يضخّون المزيد من "الأخبار المزيّفة" في ما يتعلّق بموضوع "هيئة الخدمات الصحّية الوطنية". وانتقد جيريمي كوربين الوعد الذي أطلقه رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، ببناء "40 مستشفى جديداً" وبأنه تمّ تخصيص نحو 2.7 مليار جنيه إسترليني (3.48 مليارات دولار أميركي) في سبتمبر (أيلول) لتحديث 6 مستشفيات، إلى جانب 100 مليون جنيه إسترليني (129 مليون دولار) لتمويل خطط تطوير 36 مستشفى آخر من المقرر تشييدها في المدة ما بين السنة 2025 والسنة 2030.
وتُعدّ مسألة "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" أيضاً وسيلة لحزب "العمّال" لتحويل النقاش الانتخابي عن موضوع "بريكست"، الذي لا يرغب الحزب في الحديث عنه. ويحذّر حزب "العمّال" من أن صفقة جونسون في ما يتعلّق بموضوع "بريكست" التي يؤيدها ترمب، والاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة، سيفتحان سوق "الخدمات الصحية الوطنية" أمام عمالقة الصحةّ الأميركيين، مع ما يعني ذلك من ارتفاع في أسعار الأدوية. ويصر بيان حزب "المحافظين" على تأكيد أن "مسألة هيئة الخدمات الصحية الوطنية لن تُطرح على طاولة البحث". وهذا التأكيد لن يثني حزب "العمّال" عن التخلّي عن صرخته القوية في هذا الإطار، خصوصاً أنها توحّد حزباً منقسماً على مسألة الخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي، وتذكّره بوجوب توحيد صفوفه في مواجهة العدو الحقيقي.
وعلى الرغم من أن موضوع الخدمات الصحية الوطنية قد يكون نقطة الضعف المحتملة لدى حزب "المحافظين"، إلا أنه قد يكون أقل ضعفاً من الانتخابات السابقة. فبعدما أصبح بوريس جونسون رئيساً للوزراء، قرّر هو ومساعدوه أخذ مبادرة الهجوم في المجال الصحّي، من خلال الخروج عن مقاربة السير لينتون كروسبي، استراتيجي الحزب في الانتخابات السابقة، الذي رأى في حينه أن الكلام على الموضوع لا يحقّق الكثير من الربح بالنسبة إلى الحزب.
وقد طغت على نشرات الأخبار المسائية، منذ شهر يوليو (تموز) الماضي، صور رئيس الوزراء وهو يتفقّد المستشفيات أكثر من مرة. وقال لي أحد مسؤولي حزب "العمّال" في مجاملة غير مقصودة: "إذا رأيتُ بوريس في مستشفى آخر، فسأصرخ". ومن الواضح أن "المحافظين" تخلّوا عن مبدأ التعمية على قضية "هيئة الخدمات الصحية الوطنية"، فقد زار مات هانكوك، وزير الصحة المندفع، أكثر من 70 دائرة انتخابية في حملة الانتخابات.
ولا يزال حزب "العمّال" المتراجع أمام "المحافظين" في معظم القضايا (بما في ذلك استطلاع "أفضل رئيس وزراء")، متقدّماً في موضوع الصحّة. لكن الفجوة هي أضيق ممّا كانت عليه في الانتخابات السابقة، فقد تبيّن وفقاً لاستطلاع أجرته "أوبينيوم" Opinium، إن 29 في المئة من البريطانيّين يثقون في حزب "العمّال" بشكل كبير، مقارنة بـ 23 في المئة يثقون في حزب "المحافظين".
وكي تصبح مسألة الصحّة عامل تغيير حاسم في هذه الانتخابات، تمس الحاجة، على الأرجح، إلى أن تطغى على أجندة نشرات الأخبار لأيام عدّة. ومن المؤكد أن هناك مخاوف لدى حزب "المحافظين" بعدما أظهرت إحصاءات "هيئة الخدمات الصحّية الوطنية" أن أوقات الانتظار في وحدات "الحوادث والطوارئ" في المستشفيات هي الأسوأ على الإطلاق، ما يثير القلق من أزمة سوداء تلوح في الأفق بالنسبة إلى الحزب. وقد تساءل بعض الوزراء في مجالسهم الخاصّة عمّا إذا كان بوريس جونسون قد ارتكب خطأ بدعوته إلى انتخابات عامّة في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وعلى الرغم من أن مقرّ رئاسة الوزراء في "داوننيغ ستريت" يحصل على معلومات حديثة منتظمة تتعلّق بوضع "هيئة الخدمات الصحّية الوطنية"، فقد حملت الأرقام ما يبعث على الارتياح لدى "المحافظين" إذ أظهرت يوماً واحداً فقط من العناوين السيئة في نشرات الأخبار. وربما قد يكون لأزمة الشتاء تأثير أكبر في انتخابات ربيع مبكرة.
,قد لا يتعلق الإطار الراهن فقط بانتخابات أرادها جونسون أن تتمحور على مسألة الخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي. فقد نجح حزب "العمّال" في فرض قضايا أخرى بما فيها موضوع الصحّة، على جدول الأعمال، تماماً كما كانت الحال عليه في العام 2017، عندما سُلّطت الأضواء على موضوع التقشف. وعلى الرغم من أن زعيم الحزب جيريمي كوربين ضيّق هامش التقدّم المريح لتيريزا ماي في استطلاعات الرأي بعد إطلاق بيان حزب "العمّال"، إلا أن ثمة القليل من الإشارات التي تدلّ على إمكان حدوث ذلك هذه المرّة.
ويبدو حزب "العمّال" غير قادر على الفوز في الانتخابات من خلال المراهنة على موضوع الصحة وحده الذي لا يمكنه تعويض ضعف الحزب في ما يتعلّق بمسألة "أفضل رئيس وزراء" والكفاءة الاقتصادية و"بريكست". فجونسون في ندائه الحثيث والمتكرّر: "لننجز الخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي" والمسار الذي يخوضه للخروج من الاتّحاد في يناير (كانون الثاني) المقبل، يجعلان من موضوع "بريكست" قضيةً أكثر بروزاً ممّا كانت عليه قبل عامين. وهذه الأخبار تبدو جيّدة بالنسبة إلى رئيس الوزراء، وسيئة لمنافسه كوربين.
© The Independent