سيعقد الاجتماع الوزاري لدول "أوبك" يوم الخميس، ولـ"أوبك+" يوم الجمعة، ليقرر الوزراء مستوى إنتاج النفط لدول المنظمة وحلفائها في العام المقبل. ولا بد للوزراء من اتخاذ قرار في هذا الاجتماع، لأن التخفيض الحالي ينتهي في آخر شهر مارس (أذار) المقبل، و"أوبك" لن تجتمع حتى شهر يونيو (حزيران) 2020. ويواجه وزراء "أوبك" مشكلتين: إحداهما الفائض الحالي في السوق، والذي نتج عن عوامل عدة، أهمها انخفاض نسبة تشغيل المصافي وارتفاع المخزون، بالإضافة إلى مشكلة الانخفاض الفصلي للطلب على النفط.
ولعل أكبر مفاجأة في عام 2019 في أسواق النفط كانت انخفاض نسبة تشغيل المصافي، بخاصة في الولايات المتحدة الأميركية، والتي منعت أسعار خام برنت من الوصول إلى 80 دولارا للبرميل. وهناك تفسيرات عدة لانخفاض نسبة تشغيل المصافي، أهمها:
1- إغلاق مصفاة ضخمة في فيلادلفيا نتيجة إفلاسها بعد حريق التهمها.
2- تعدد حوادث المصافي في مناطق أميركية عدة، مما نتج عنه إغلاق وحدات في هذه المصافي، أو إغلاقها بالكامل.
3- حالة الطقس والأعاصير التي نتج عنها إغلاق المصافي المطلة على خليج المكسيك، والذي نتج عن بعضها إغلاق "قناة هيوستن"، التي تعد من أهم الممرات المائية في العالم للنفط ومنتجاته.
4- تقديم عمليات الصيانة إلى الربعين الثالث والرابع من هذا العام بدلا من الربعين الأول والثاني في عام 2020 استعداداً لمتطلبات تطبيق قانون منظمة الملاحة الدولية القاضي باستخدام السفن لوقود منخفض الكبريت.
هناك مشكلة في نوعية النفط المتاحة للمصافي الأميركية لأن الزيادة في إنتاج النفط الصخري الأميركي كلها من النوع الخفيف الحلو والخفيف جداً، بينما نتج عن العقوبات على فنزويلا وعدم القدرة على تسويق المزيد من النفط الكندي، وتخفيض دول الخليج صادراتها للولايات المتحدة، نقص في النفوط المتوسطة والثقيلة. هذا يعني أن عدم توفّر نوعيات معينة بسعر مناسب، أجبر بعض المصافي الأميركية على تخفيض نسبة التشغيل. وتدل على هذه النقطة الفروق السعرية من جهة، والتي رفعت أسعار النفوط المتوسطة والثقيلة مقارنة بالخفيفة. ومن ناحية أخرى، زيادة المصافي الأميركية استيرادها من نفط الوقود (زيت الوقود) بشكل ملحوظ في الشهور الأخيرة
خيارات "أوبك" و"أوبك+"
بناء على وضع السوق الحالي، فإن هناك ثلاثة خيارات:
1- تمديد اتفاق تخفيض الإنتاج وإبقاء كل شيء على حاله. وهو أسهل قرار، وتحصيل حاصل.
2- تمديد اتفاق الإنتاج مع الضغط على الدول غير المتلزمة حصصها للالتزام، وهذا يعني تخفيض الإنتاج فعليا في أسواق النفط.
3- تمديد اتفاقية تخفيض الإنتاج بعد زيادة التخفيض، وهذا يعني تخفيض سقف الإنتاج لكل دول "أوبك" عما هو عليه حاليا، وبالتالي تخفيض الحصص الإنتاجية.
أغلب التقارير والأخبار الصحافية ترجّح الخيار الثاني، وهو تمديد الاتفاق مع تشجيع كافة الأطراف على عدم تجاوز الحصص الإنتاجية. إلا أن هناك أسبابا عدة تجعل البعض يعتقد بأنه يجب تعميق التخفيض وزيادة التزام الحصص، منها:
1- وفقا لتقرير "أوبك" الأخير، فإن خبراء المنظمة يتوقعون أن ينخفض الطلب على نفوط المنظمة في عام 2020 إلى 29.6 مليون برميل يوميا، وهذا أقل من متوسط الإنتاج في عام 2019 بمقدار 1.1 مليون برميل يومياً. هذا يؤكد الحاجة إلى مزيد من التحفيض الآن، بخاصة أن أغلب الانخفاض في الطلب العالمي سيكون في النصف الأول من العام. وهذا يؤكد ما ذهبت إليه وكالة الطاقة الدولية، مع اختلاف في الأرقام.
2- انخفاض الطلب العالمي على النفط فصلياً في الربع الأول من العام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
3- يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأقصى جهده إلى تخفيض الأسعار في النصف الثاني من العام المقبل قبيل الانتحابات الرئاسية، وذلك عن طريق إقناع بعض دول "أوبك" بزيادة الإنتاج، وعن طريق استخدام الاحتياطي الاستراتيجي. ترمب يعتقد أن انخفاض الأسعار سيحفز الاقتصاد، وسيسعد الناخبين، في الوقت الذي ليس لدى صناعة النفط الأميركية أي خيار سوى انتخابه لأن البديل أسوأ بكثير. هذا يعني أن تعميق التخفيض سيدعم الأسعار في النصف الأول، وبالتالي فإن أي انخفاض مستقبلي سيكون من متسويات أعلى من حالة عدم زيادة التخفيض.
4- كما يرى البعض أن تعميق تخفيض الإنتاج سيدعم سعر سهم "أرامكو" لأن انخفاض سعر السهم بعد الاكتتاب رغم أنه أمر عادي في الأسواق، سيفسر سلبيا في الأسواق العالمية، وسينعكس سلبيا على السعودية.
العائق الأكبر في تعميق التخفيض هو روسيا، ولكن يتوقع أن توافق على كل حال، ولكن لا يتوقع أن تقوم بالتخفيض. إيران لن تكون حجر عثرة هذه المرة لأنها أعلنت، مع العراق، توقعهما تخفيضا أكبر. أي تخفيض سيكون في صالح كلا الدولتين بسبب المشاكل الاقتصادية الكبيرة التي يعانيان منها. إلا أن البعض يرى أنه إذا كانت السعودية تسعى فعلا إلى تخفيض أكبر، فإن إيران استبقت السعودية وأعلنت عنه كي تظهر وكأنها حققت أهدافها من اجتماع "أوبك"، وكأن لها الدور الأكبر في هذا القرار.
أما القول إن تحسن الأسعار سيؤدي إلى زيادة إنتاج النفط الصخري فهو غير صحيح. مشكلة الصخري الآن غير مرتبطة بأسعار النفط. المشكلة هي الانخفاض الضخم في أسعار الغاز والسوائل الغازية.
نقطة خلاف: يونيو أو ديسمبر؟
إذا تم تبني أي من الاحتمالات المتعلقة بالإنتاج أعلاه، فإن هذا لا يعني انتهاء الخلاف بين الدول الأعضاء، لأنه لا بد من تحديد فترة الاتفاق. الاتفاق الحالي ينتهي في أخر شهر مارس (أذار) المقبل، فهل يتم التمديد لمدة 3 شهور (لآخر شهر يونيو)، أو تسعة شهور (لنهاية عام 2020)، أو لمدة سنة (لآخر شهر مارس 2021)؟
الراجح حاليا هو التمديد 3 شهور فقط، بخاصة أن روسيا ترغب في ذلك. والحجة هنا أن "أوبك" ستجتمع في شهر يونيو، وستقوم بتقييم السوق وقتها. كما أن الطلب العالمي على النفط سيزيد في النصف الثاني من العام. ولعل الحجة الأقوى هي الانتخابات الأميركية، والتي قد توقف الاتفاق مؤقتا، أو يبقى اسميا إذا تم تمديده لنهاية العام.
تاريخيا، دعمت صناعة النفط العالمية، ممثلة بالدول المنتجة والشركات النفطية، المرشح الجمهوري، لأن الجمهوريين عرفوا بدعمهم لدول النفط وصناعة النفط. ولكن السبب الأصيل لدعم المرشحين الجمهوريين هو الخوف من البديل الأسوأ: الديمقراطيين أعداء صناعة النفط. وقد رأينا في الشهور الماضية كيف وعد بعض المرشحين الديموقراطيين بخنق صناعة النفط الأميركية والعالمية. باختصار، دعم الدول النفطية لترمب ليس حباً في ترمب، ولكن خوفا من البديل. والأمر لا يتعلق بترمب كشخص، لأنهم كانوا سيدعمون أي مرشح جمهوري.
خلاصة القول، من المحتمل تخفيض الإنتاج، سواء كان بسبب زيادة الالتزام أو تخفيض إضافي كبيرـ مقارنة بأي احتمالات أخرى- وهذا سيدعم أسعار النفط مقارنة بحالة عدم فعل أي شيء. ما صحة هذا التوقع؟ إن غداً لناظره قريب.