مع تواصل الاحتجاجات المناهضة للحكومة في جورجيا، يحذّر ناشطون من أن الجمهورية السوفييتية السابقة التي تطمح إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، تتحكّم بها على نحو متزايد نزوات الملياردير بيدزينا إيفانيشفيلي، وهو على رأس الحزب الحاكم في البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت الحكومة التزمت بعد جولة أولى من الاحتجاجات في يونيو (حزيران) الماضي، باجراء إصلاحاتٍ انتخابية طال النقاش في شأنها. وبعد الفشل في تحقيقها، اندلعت جولة جديدة من التظاهرات، نزل خلالها المحتجّون إلى شوارع العاصمة الجورجية، تبليسي.
واحتشد في الأسبوع الماضي، آلاف من المتظاهرين خارج البرلمان الجورجي في العاصمة، للمشاركة في اعتصام تمّ تنظيمه بين ليلة وضحاها، لمطالبة الحكومة بإجراء انتخابات مبكّرة والوفاء بالإصلاحات الموعودة. وحمل كثيرون معهم ملابس وطعاماً وحطباً للتدفئة من الطقس البارد الذي يعصف بالبلاد في هذا الوقت من السنة.
لكن الاحتجاجات السلمية قوبلت بالعداء من جانب السلطات. وتقول آني أونياني إحدى المشاركات في التظاهرة إن "الشرطة عملت على تفتيش الجميع. وصادر أفرادها الحطب من حقائبنا وبعض السيارات المليئة بالحطب والطعام".
واستخدمت الشرطة خراطيم الماء لتفريق المحتجّين في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء، الأسبوع الماضي، في درجات حرارة أدنى من الصفر. واعتقلت 28 شخصاً فيما أصابت أربعة بجروح. ويقول ناشطون إن اتهامات وُجهت إلى 15 شخصاً من المحتجين.
ويرى شوتا ديغميلاشفيلي ، وهو عضو في حركة "عار" التي يقودها مواطنون جورجيّون، والتي تشارك في تنسيق الاحتجاجات: "نحن نبتعد عن الديمقراطية". وكان من المقرّر بحسب الإصلاحات الانتخابية التي وعدت بها الحكومة في يونيو (حزيران) الماضي أن يتحوّل نظام الاقتراع إلى التمثيل النسبي. ففي النظام المختلط الراهن، يُنتخب أقل من نصف عدد السياسيين فقط على أساس الدوائر الانتخابية ذات الولاية الواحدة، أما الباقون فيُنتخبون من خلال قوائم حزبية.
وفي الممارسة العملية، يمنح هذا النظام أفضلية للحزب الحاكم. وعلى الرغم من فوز الحزب الجورجي الحاكم "حلم" بنسبة 48.6 في المئة من الأصوات في العام 2016، إلا أنه سيطر على 113 مقعداً من أصل 150 في البرلمان طيلة تلك المدة التي انتهت قبل نحو أسبوعين.
وتوضح تامار تشوغوشفيلي النائبة الأولى السابقة لرئيس البرلمان التي كانت حتى وقت قريب عضواً في الحزب الحاكم، أن "النظام الراهن يضع سلطة صنع القرار كلّها في أيدي مجموعة سياسية واحدة".
وكان من المقرر أصلاً إجراء الإصلاحات في عام 2024. لكن نزولاً على الاحتجاجات السابقة التي حصلت في يونيو (حزيران)، وافقت الحكومة على تمرير التعديلات بحيث تصبح قابلة للتطبيق في انتخابات السنة المقبلة 2020. ويقول الناشط ديغميلاشفيلي: "قبل أشهر، دخل سياسيّو الحزب الحاكم في مناقشات عامة تتعلّق بهذه التغييرات. وكنا متأكّدين من أننا حقّقنا مطلبنا".
لكن في الرابع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، صوّت فقط 101 نائب إلى جانب إجراء التعديلات التي تحتاج إلى 12 صوتاً إضافياً لبلوغ الأغلبية لإقرارها، في وقتٍ صوّت نوّاب الحزب الحاكم ضدّها، أو امتنعوا عن التصويت. وأدّى الفشل في تمرير الإصلاحات إلى استقالة 13 نائباً من الحزب الحاكم. وتقول تشوغوشفيلي التي استقالت هي الأخرى من منصبيها إن "الحزب قدّم تعهّداً واضحا، لقد صُدمتُ فعلا".
في الأسبوع الماضي، أعرب بيان مشترك صدر عن السفارة الأميركية وبعثة الاتحاد الأوروبي في جورجيا عن "خيبة أمل كبيرة لدى قطاع واسع من المجتمع الجورجي". وفي الجلسة التي عُقدت صباح الثلاثاء بعد انطلاق الاحتجاجات، قاطع جميع نوّاب المعارضة البرلمان. وظلّت الحكومة على موقفها، ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلن الحزب الحاكم أن "المسألة منتهية" وأن التعديلات المقترحة ستُطبّق في موعدها الأصلي في السنة 2024.
وترى تشوغوشفيلي أنه "بدلاً من الانخراط في مفاوضات سياسية صحّية مع جميع أحزاب المعارضة، تركت الحكومة العملية السياسية تفلت وتخرج إلى الشوارع. إنهم يقودون المستقبل السياسي للبلاد في اتّجاه خطير". وفي المقابل، يعتقد كثيرون في المعارضة أن زعيم الحزب الحاكم بيدزينا إيفانيشفيلي، الملياردير وأغنى رجل في جورجيا، يريد ببساطة التمسّك بالسلطة.
وفي المقابل، لم تكشف استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجرتها "المؤسسة الجمهورية الدولية" عن مرشّح بارز للانتخابات البرلمانية المقبلة، في حين أن ثلث عدد المستطلعين لم يقرّروا بعد من سيكون اختيارهم الأول. وتقول تينا بوكوتشافا من حزب "الحركة الوطنية المتّحدة" المعارض: "كان يعلم أن شعبية حزبه قد تراجعت وكان بإمكانه التواصل مع شركائه في التحالف".
وعلى الرغم أن إيفانيشفيللي ليس له دور مباشر في البرلمان الجورجي، إلا أن منتقديه يتّهمونه بإدارة الحكم من وراء الكواليس. ويقول الناشط شوتا ديغميلاشفيلي إن "هذا أسلوب سوفياتي في القيادة، فهو يعيّن رؤساء الوزراء ويعزلهم ساعة يشاء". معلوم أن المدّعي العام الراهن في جورجيا، كان في السابق محامي إيفانيشفيلي، أما وزير الصحة فهو طبيب أسنان زوجته.
ويقول الحزب الحاكم إنه يدعم تطلّعات الجمهورية إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، لكن منتقديه يعتقدون أن الحزب هو مقرب جدّاً من روسيا التي تحتل الآن خمس الأراضي الجورجية. وهذا الأسبوع، وضع المتظاهرون ملصقاً على مركز إيفانيشفيلي التجاري في تبليسي يقول "ارحل إلى بلادك"، في إشارة إلى علاقات زعيم الحزب الحاكم المتصوّرة بموسكو.
ووسط الغموض الذي يكتنف موقف النخبة السياسية في جورجيا، برزت حركات يقودها مواطنون مثل حركة "العار" في مقدّم الاحتجاجات، وهي تعمل على تنسيق المسيرات ومنصّات الكلام. وفي السابق، قادت أحزاب المعارضة تظاهراتها الخاصة. ويصرّ ديغميلاشفيلي على التأكيد بصوته الأجش في جميع الخطابات العامّة على أن "الاحتجاجات الراهنة يقودها مواطنون، وقد انضم إلينا سياسيّون".
وتقول آني أونياني، العضو في مجموعة "شيكشفالي" (من أجل التغيير) التي يقودها طلاب وشكّلها المتظاهرون الذين التقوا في يونيو (حزيران)، إن "جميع الحركات المدنية هي متّحدة ونتشارك الهدف نفسه". وبالفعل، فقد وحّدت المطالبة بالإصلاحات الانتخابية أحزاب المعارضة، كما تؤكد تينا بوكوتشافا التي كان حزبها "الحركة الوطنية المتحدة" جزءاً من التحالف الحكومي السابق.
ويرى زوراب جاباريدزه الذي يترأس حزباً صغير إسمه "غيرشي"، أنه "كانت هناك حاجة إلى تشكيل جبهة مشتركة على الرغم من الاختلاف في وجهات نظرنا السياسية وتلك المتعلقة بالسياسية الخارجية". وأضاف "نحن بحاجة إلى طمأنة جمهورنا بأن مؤسّسات إنفاذ القانون ومكتب المدّعي العام في جورجيا، لن يكونا تحت سيطرة حزب واحد".
لكن الحملة المضادّة على المتظاهرين السلميّين أثارت مخاوف كثيرة. فمنذ انطلاق الاحتجاجات الأولى في نوفمبر (تشرين الأول)، تم اعتقال نحو 65 شخصاً وجرح سبعة جرّاء محاولات تفريق المحتشدين بخراطيم المياه. ويوم الثلاثاء الماضي، تم نقل أحد المتظاهرين إلى المستشفى بعد تعرّضه لصدمة بسبب خراطيم المياه، فيما تعرّض آخر لكسور في ذراعيه.
"منظمّة العفو الدولية" وصفت استخدام السلطات الجورجية خراطيم المياه بأنه "غير متكافئ وليس ضرورياً"، ودانت عمليات التوقيف والاحتجاز لمدة تصل إلى 15 يوماً. واعتبرت أن "الإجراءات المتّخذة تنتهك الحق في حرية التجمّع السلمي والحق في الحرية والحق في محاكمة عادلة".
وتشير "جمعية المحامين الشباب الجورجيّين"، وهي منظّمة غير حكومية تقدّم المساعدة القانونية للمتظاهرين، إلى "انتهاكات خطيرة" ارتُكبت خلال المحاكمات الأخيرة لإثني عشر متظاهراً اعتُقلوا في وقت سابق من نوفمبر (تشرين الثاني). وتعتبر أن الثقة في النظام القضائي تراجعت في جورجيا، وغالباً ما يُنظر إلى قرارات المحاكم على أنها دوافعها سياسية.
وفي صباح الخميس، أقامت السلطات المحلية سياجاً حديدياً حول مبنى البرلمان للحؤول دون الاعتصام في جواره خلال انعقاد الجلسة. ومع ذلك، تواصلت المسيرات وتقرّر القيام بتحركاتٍ أخرى في المستقبل. وتقول الطالبة أونياني بعزم "لن نتوقف حتى تلبية مطالبنا".
© The Independent