على الرغم من دخول الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتغيير النظام السياسي في العراق شهرها الثالث، إلا أن القوى الحاكمة ترفض التخلي عن مصالحها، مفضّلة اللجوء إلى مناورات معقدة للالتفاف على استحقاق تعيين رئيس وزراء مستقل، خلفاً لرئيس الحكومة المستقيل عادل عبد المهدي.
أعلن عبد المهدي استقالته الجمعة الماضية وقدمها إلى البرلمان يوم الأحد، لكن مشاورات اختيار خليفته لم تتقدم، بسبب تمسك الأحزاب الكبيرة بجميع امتيازاتها، من ضمنها حصصها في "الكابينة" الجديدة، ورغبتها في الحصول على تعهدات بعدم المساس بمصالحها التجارية والاقتصادية، إذ اضطرت الحكومة المقبلة إلى إجراء أي إصلاحات.
لم تخرج عملية ترشيح بدلاء عبد المهدي عن الرؤية المصلحية للأحزاب، إذ تقدم كل منها بأحد قادته ليكون مرشحاً لتشكيل الحكومة العراقية، على الرغم من مطالبة الشارع منذ مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي الطبقة السياسية السماح لمستقلين وتكنوقراط بإدارة البلاد.
يقول أحد أعضاء الفريق التفاوضي لاختيار خليفة لعبد المهدي في حديث مع "اندبندنت عربية"، إن "الأحزاب الكبيرة لا تستسيغ فكرة تكليف شخصية مستقلة تشكيل الحكومة الجديدة، حتى إذا كانت انتقالية"، مشيرا إلى أن "هذه الأحزاب تخشى التفاف الشارع المحتج حول أي رئيس وزراء مستقل لتصفية مصالح الطبقة السياسية الحاكمة الآن".
يوضح، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، أن "هذا الوضع يفسر إصرار الأحزاب التي توالي إيران في معظمها على ترشيح شخصيات مستهلكة لتشكيل الحكومة الجديدة، مع علمها بأن الشارع لن يتقبلها".
آل بحر العلوم
في هذا السياق، كررت منظمة "بدر"، بزعامة هادي العامري، التي تشكلت في إيران ثمانينيات القرن الماضي لمساعدة طهران في محاربة الجيش العراقي، الدفع بوزير النفط الأسبق إبراهيم بحر العلوم، بصفة مرشح تسوية، لتشكيل الحكومة الجديدة، وسط اعتراضات عديدة، أبرزها جاءت من ساحة التحرير، حيث ينادي المتظاهرون منذ 65 يوما بضرورة تغيير الوجوه.
لكن مفارقة مفاجئة وقعت مطلع الأسبوع، سلطت الضوء على عمق الأزمة التي يعانيها النظام السياسي في العراق، فبينما كان العامري، وزعيم "تيار الحكمة"، عمار الحكيم، يتحركان لتسويق إبراهيم بحر العلوم بصفته خبيراً نفطياً، وإقناع المتظاهرين والقوى السياسية بأنه مستقل حالياً، كان شقيقه محمد حسين بحر العلوم، الذي يشغل منصب ممثل العراق الدائم لدى الأمم المتحدة، يهاجم حركة الاحتجاج العراقية علنا، ويقول إن المتظاهرين قتلوا بعضهم في الساحات، وإن القوات الأمنية بريئة من دمائهم.
فجّرت كلمة بحر العلوم في الأمم المتحدة، التي جاءت رداً على إحاطة قدمتها المبعوثة الأممية الخاصة إلى العراق جينين بلاسخارت، وحمّلت الحكومة مسؤولية قتل المتظاهرين، جدلاً واسعاً في العراق، إذ طالب كثيرون بطرد هذا السفير.
يسأل النائب الناقد للسلطات السياسية والدينية، فائق الشيخ علي، "إذا كان الشقيق الأصغر يكيل للمتظاهرين هذه التهم، فماذا سيفعل بهم شقيقه الأكبر إذا ما أصبح رئيسا للوزراء؟".
الشطب المتبادل
تشير المصادر إلى أن القوى السياسية العراقية القريبة من إيران وضعت خطة لإجهاض مشروع الدفع بمرشح من ساحات التظاهر لتشكيل الحكومة، الذي يتبناه زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي يمكنه تحريك كتلة برلمانية كبيرة لدعم هذا الخيار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تتضمن الخطة إعداد قائمة مرشحين من شخصيات إشكالية لا يمكن قبولها، لطرحها في مواجهة أي مرشحين تدعمهم ساحات التظاهر ومقتدى الصدر، بهدف التوصل إلى مرشح تسوية، وهو تكتيك مألوف في الساحة السياسية العراقية، يعتمد على تفجير كثير من بالونات الاختبار، وإحراق أسماء الكثير من المرشحين، قبل الكشف عن المرشح الحقيقي.
هل يملك الساعدي فرصة؟
في هذا السياق، يبدو أن زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، أو أحد صقور تحالفه، مع رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، دخلا فعلاً قائمة المرشحين الذين يمكن إحراق أسمائهم لإسقاط مرشح قوي يأتي من طرف آخر، إعمالا لقاعدة "الشطب المتبادل".
تقول المصادر إن "الفياض سيطرح بشكل مباشر إذا دعم الصدر وساحات التظاهر خيار ترشيح الجنرال البارز في قوات مكافحة الإرهاب عبد الوهاب الساعدي لتشكيل الحكومة الجديدة".
على الرغم من أن الساعدي لا يملك خلفية سياسية تذكر، فإن نجاحاته العسكرية خلال حقبة الحرب على تنظيم داعش بين 2015 و2017، حولته إلى بطل قومي، يطرح اسمه للعب أدوار قيادية في الساحة السياسية.
وتشير المصادر إلى أن دخول الساعدي على خط المنافسة، ربما يسبب حرجاً بالغاً للطبقة السياسية، إذ تصعب مواجهته بسبب سجله الناصع وشعبيته الجارفة.