"مائدة الجمعة" في طرابلس بنكهة أطفال الثورة، هذا ما يمكن أن يوصَف به جو الفرح الذي عاشته "ساحة النور" في عاصمة محافظة شمال لبنان طرابلس، في أوقات الظهيرة. فما إن فرغ الناس من صلاة الظهر حتى امتزجت صرخات "الثورة" مع ضحكات الأطفال التي صدحت في الأرجاء. تجاوزت المأدبة التي دُعي إليها ما يزيد عن 200 طفل يتيم حدود تناول وجبات الطعام، وانتقلت إلى مرحلة جديدة من التفاعل بين انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) وأشبالها عن طريق العطاء والفن.
منصة للأطفال
وأتاحت "مائدة الجمعة" الفرصة لأبناء دور الرعاية الاجتماعية للتعبير عن آرائهم ومواقفهم من الانتفاضة، حيث تسابقوا إلى المذياع لتأدية الأغاني الوطنية والنشيد الوطني اللبناني. كما عبّر الطفل مصطفى (11 سنة) عن سعادته بالمشاركة لأن "الثورة جميلة وستعطي الأطفال حقوقهم"، وهو كطالب في الصف الرابع يطمح أن يعيش في بلد من دون مشاكل. ولم تتأخر الفتيات في إلقاء الشعر والتفاعل مع الأجواء بالرقص، ورفع قبضات الثورة والتمرد على الواقع الذي يزداد صعوبة مع الوقت.
"الحكواتي" والعود
واعتمد قمر الدين شخصية "الحكواتي" (راوي القصص قديماً) مدخلًا إلى قلوب الأطفال، الذين تسابقوا إلى مصافحته، وكرروا الجمل التي أطلقها، المنادية بالعدل والمحبة، وأكد من خلالها أن الانتفاضة ستنتصر وستتم محاسبة المسؤولين عن الفساد.
لمسة نسائية وقفت خلف "مائدة الجمعة" التي صالحت الأيتام مع ساحة الانتفاضة. وتؤكد الناشطة ريما مولوي الصمد أن تنظيم هذا الحدث انطلق من الإحساس بوجع الأيتام والمحرومين لأنهم شريحة تطالها الثورة، معبرةً عن سعادتها لرؤية الابتسامة التي زرعتها النساء على وجوه أطفال دور الرعاية الاجتماعية. إلى ذلك أضاءت على بعض قيم وعادات المجتمع الطرابلسي القائم على الفعل الخير والكرم وتقديم المساعدة للمحتاج، والتكاتف في سبيل تقديم الخدمات الاجتماعية.
وسبق تنظيم هذه المأدبة عملاً تطوعياً، حيث قدّم عدد كبير من فاعلي الخير مساهماتهم. وتروي ريما مولوي الصمد أن "العمل قام على جهود فردية وتبرعات مالية بسيطة تراوحت بين 20 و 100ألف ليرة لبنانية". ومن ثم بدأت عملية تحضير السندويشات في المنزل من خلال شوي الكفتة وتحضير الحمص في المنزل. ومع انتشار الحديث عن هذه المأدبة، قدّمت مجموعة من المطاعم بعض الوجبات. كما تم تجهيز عدد كبير من أكياس الهدايا للأطفال.
يدخل هذا الحدث في دائرة التكافل الإجتماعي، حيث تشارك الأطفال الخبز والملح والفرح. وتعتقد مولوي الصمد أن "طرابلس تحولت إلى أيقونة للثورة، لذلك يقع على عاتق ناشطيها دور كبير لتحفيز الناس للمشاركة بالتحركات وللوصول إلى كافة الشرائح الإجتماعية والثقافية". وتحدد الصمد هدفها بإحضار الأطفال إلى الساحة للمشاركة بالتحركات المطلبية، لأن ذلك يكتسب رمزية كبيرة، إذ كان بإمكان النساء التوجه إلى دور الرعاية لتقديم الهدايا والأعلام والطعام للأطفال، ولكن أهمية المبادرة تكمن في دعوتهم إلى الساحة للمشاركة بالمطالبة.
تصاعدت خلال الحفل دعوات نسائية لتنظيم مزيد من الأحداث الدامجة في طرابلس. ولا تتأخر الناشطة رنا أديب في الإشارة إلى أن نجاح هذه المناسبات سيدفع عدداً كبيراً من السيدات لإطلاق مبادرات لدمج الأيتام والفقراء، أو أقله المساعدة في التنظيم. وتنظر أديب إلى المشاركة النسائية في الانتفاضة من زاوية "المساهمة في رفع الظلم عن الفئات المحرومة لأن المرأة أكثر تحسساً لآلام المجتمع". وتطمح ريما مولوي الصمد إلى تنظيم مزيد من الفاعليات التي تحتضن الفئات المهمشة في طرابلس.
كما برزت مساهمة "حراس المدينة" في تنظيم هذا الحدث وضبط الساحة، وتمتدح مولوي الصمد دورهم لأنهم سبب أساسي في نجاح الانتفاضة، واصفةً إياهم بـ "العين التي لا تنام".