في إطار التحركات التي تقوم بها الحكومة الأردنية في الوقت الحالي سواء لمواجهة العجز الكبير في الإنفاق العام أو هيكلة الديون الخارجية الضخمة، قال وزير المالية الأردني، محمد العسعس، إن حكومة بلاده تأمل في أن يتيح برنامجا جديدا مع صندوق النقد الدولي العام المقبل خفض تكلفة خدمة الدين العام البالغ 42 مليار دولار التي ازدادت في السنوات العشر الأخيرة نتيجة تأثر الاقتصاد بالصراع الإقليمي.
وأوضح أن المباحثات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج جديد يحل محل صندوق التسهيل الممدد الذي ينتهي في مارس (آذار) المقبل، سوف يركز على جهود تحفيز النمو البطيء الذي سجل نحو 2% خلال السنوات العشر الماضية.
وقال الوزير للنواب، خلال كلمة أمام مجلس النواب الأردني، قبل إقرار مسودة ميزانية العام المقبل البالغة 9.8 مليار دينار (14 مليار دولار)، إن الحكومة الأردنية تسعى في الوقت الحالي إلى الوصول لتفاهمات مع صندوق النقد الدولي تضمن تسريع وتيرة النمو الاقتصادي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال إن فوائد الدين العام تشكل نسبة كبيرة من النفقات الجارية للحكومة، التي يشكل استمرار نموها بوتيرة متسارعة تهديدا حقيقيا لاستدامة المالية العامة في الأردن. مشيراً إلى أنه من المتوقع أن ترتفع معدلات النمو إلى نحو 2.2% مقارنة بنحو 2% فقط المتوقعة هذا العام، وفقا لتقديرات سابقة لصندوق النقد الدولي.
ووفقا لبيانات صندوق النقد، فإن النمو الاقتصادي بالأردن تضرر كثيراً خلال السنوات القليلة الماضية مع ارتفاع معدل البطالة وتأثير الصراع الإقليمي على ثقة المستثمرين.
وقال الوزير الأردني إن عوامل إقليمية هي المسؤولة عن ارتفاع الدين العام الذي قفز بواقع الثلث تقريبا خلال عشر سنوات إلى 30.1 مليار دينار (42.4 مليار دولار) في 2019 وهو ما يساوي نحو 97% من الناتج المحلي الإجمالي للأردن.
الدين العام الأردني "مرتفع للغاية"
وكان صندوق النقد الدولي قد أعلن في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في نهاية مهمة لإتمام المراجعة النهائية لبرنامج الصندوق، إن الدين العام الأردني لا يزال "مرتفعا للغاية" وأن المساعدة الدولية ستكون ضرورية لإتاحة نمو متواصل يدعم الإصلاحات التي تعتزم الحكومة الأردنية القيام بها في الوقت الحالي.
وتشير البيانات الرسمية، إلى أن الاقتصاد الأردني تمكن من تحقيق معدل نمو عند مستوى 1.9% خلال عام 2018، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، وهو ما يكشف عن تراجع نسبي عن مستويات النمو على مدار العقد الماضي، التي ظلت أعلى من 2% وتجاوزت 3% في بعض الأعوام.
وفيما يتعلق بالمرحلة المقبلة، تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن هذا النمو قد يرتفع خلال الأعوام الخمسة المقبلة، ليصل إلى 3% بحلول عام 2024. وتتوافق هذه التوقعات مع ما ترجحه وكالة "موديز" لخدمات المستثمرين، التي ترى تحسناً محتملاً في معدل النمو الاقتصادي خلال الأعوام المقبلة، وإن ذكرت أن هذا التحسن سيكون محدوداً، ليكون في حدود 2.4% خلال الفترة من 2019 وحتى 2022.
عجز الموازنة وتخفض التصنيف الائتماني أبرز التحديات
في الوقت نفسه، أشارت وكالة "موديز"، في تقرير حديث، إلى بعض التحديات التي تواجه الاقتصاد في الوقت الراهن، وعلى رأسها عجز الموازنة، وذلك على الرغم من أنها ترى تحسناً في الأوضاع الائتمانية في الأردن، حيث منحتها تصنيفاً ائتمانياً B1 مع نظرة مستقرة.
لكن أهمية هذا التصنيف تواجهها في المقابل بعض الصعوبات المتعلقة بضعف النمو وارتفاع البطالة والعجز الكبير في الحساب الجاري والدين الحكومي الذي وصل إلى 94% من الناتج عام 2018. ولا يمكن في هذا الصدد تجاهل ما أوردته الوكالة بشأن إمكانية أن يؤدي انخفاض احتياطي العملات الأجنبية إلى تراجع التصنيف الائتماني، لاسيما إذا تزامن ذلك مع انخفاض إقبال المستثمرين الأجانب على الأسواق الأردنية.
ولا تختلف الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد في الوقت الراهن، في بعض جوانبها، عن تلك التي تعانيها اقتصاديات منطقة الشرق الأوسط ككل، حيث تسهم النزاعات الإقليمية وعدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة في تباطؤ معدلات النمو، كما أنها تزيد من تخوفات وهواجس المستثمرين الأجانب وربما تدفع بعضهم إلى تفضيل عدم القدوم إلى أسواق المنطقة، والبحث عن أسواق بديلة من أجل تجنب المخاطر.
خطة اقتصادية شاملة وصعوبات قائمة
وقبل أيام، أطلقت الحكومة الأردنية خطة اقتصادية شاملة خلال الفترة الماضية، ترغب من خلالها في إكساب اقتصادها بعض آليات النمو الذاتي، وإصلاح أوضاعه المالية والاقتصادية الكلية، وكذلك تحسين مستويات معيشة السكان.
لكن تظل هناك ضغوطاً عنيفة يواجهها الاقتصاد الأردني تتمثل في 4 أزمات، أهمها ارتفاع العجز المالي والدين الحكومي، وزيادة معدلات البطالة، وكذلك معاناة الاقتصاد من عجز في ميزانه التجاري. هذا بخلاف حزمة مشكلات أخرى تتعلق بالتمويلات والمساعدات التي كانت الحكومة الأردنية تتلقاها من الخارج التي تقلصت بالفعل مع تفاقم الضغوط الاقتصادية التي تعانيها جميع دول العالم خلال الفترة الماضية.
وركزت دراسة حديثة أعدها مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة، على أهمية الخطة الحكومية التي أطلقتها الأردن من أجل تحفيز نموها الاقتصادي، حيث تعد المراحل الأولى من تنفيذها هي الأهم والأكثر حساسية بالنسبة إلى الأردن، إذ إن النجاح في تحقيق إنجازات نوعية خلال هذه المرحلة، لا سيما في إصلاح المناخ الاستثماري، وجذب المزيد من المستثمرين الأجانب إلى الدولة، تزامناً مع إحداث تحسن معتبر في القدرات الشرائية والمستويات المعيشية للسكان، لا سيما الفئات الفقيرة منهم، كل ذلك سيكون دافعاً ومحفزاً لتحقيق المزيد من المكاسب الاقتصادية في البلاد، وتحسين الأوضاع المالية الكلية وفي الميزان التجاري للدولة، الأمر الذي سينقل الاقتصاد إلى منطقة أكثر أمناً واستقراراً.