هذا القلب الأحمر الصغير المنتشر في كل مكان في مصر هذه الأيام بأسعاره التي تبدأ من 10 جنيهات مصرية، وقد تصل إلى 500 جنيه، والمكتوب عليه عبارة "أنت حبيبي" يعلن عن اقتراب "عيد الحب"، ليوحي بأن في الحب متسع للجميع.
المصريون يحتفلون
في يوم 14 فبراير (شباط) يحتفل المصريون بعيد الحب، وتهبط روح القديس الروماني فالنتاين على كل نواحي المحروسة، ليمنح الأرض الطيبة قدراً أكبر من الألفة، ومساحة أوسع من القبول، تجد مظاهر لها على سبيل المثال أمام المتجر الشهير في شارع الثورة في حي مصر الجديدة الراقي والمتخصص في بيع الهدايا الصغيرة ذات الأسعار الكبيرة، وبالونات الهيليوم التي يتوافد عليها المُحبون والمُحبات لشراء براهين العشق وإقرار الود.
في محل الهدايا الشهير الأنيق بحي مصر الجديدة الراقي، تجد دباديب وقلوباً وقروداً وكائنات خيالية كلها حمراء، وبالونات هيليوم تحمل كلمات مفعمة بالعشق وغارقة في الوَله، وبطاقات تهنئة عليها رسائل لا أول لها ولا آخر.
جدل التحريم والكراهية
يتزامن مع هذه الأجواء المبهجة، ظهور جدل التحريم والكراهية، والدفاع عن الهوية الإسلامية، والبحث عن الأصول، ليتحول عيد الفالنتين إلى حرب كلامية بين محبي الحياة، وبين المُحرمين الذين يغلقون أبواب بهجتها.
فبين مهدد ومتوعد بأن المُحتفِل والمُحتفَل به كلاهما في النيران، وناعت للمحتفلين والمحتفلات بانعدام اللياقة الاجتماعية، ووصف البعض لهذا اليوم بـ "لعنة الفالنتين"، يصمم المصريون على الاحتفال به تأكيدا منهم على محبة الحياة، وإيمانا منهم بأن الحب سر بقائها.
طيلة سنوات يتأرجح المصريون بين حرمانية الاحتفال تارة، وبهجة العشاق تارة أخرى، وبات معهوداً أن يأتي فبراير من كل عام ملبداً بفتاوى حرمانية "الاحتفال بأعياد الغرب"، فهو بدعة وفقا للمتطرفين، و"كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"، وليس هناك ما هو أضلّ من السير وراء الغرب، بحسب أدبيات المتطرفين.
رواج اقتصادي
ومع رياح التحريم، تأتي عمليات البيع والشراء وبيزنس الدباديب، ورنات الهواتف المحمولة المعبأة بـ "حبك نار" و"حبك أغلى من حياتي" و"حبك بحر ماله حدود" و"حبك إدمان" و"حبك مايتنسيش" وما تيسر من أغنيات ذات نكهة "فالنتانية" ومذاق قوامه عواطف ملتهبة ومشاعر متأججة.
في شارع التحرير المزدحم في منطقة الدقي في الجيزة، يقف البائع أحمد مناديًا "بحبك يا سارة" "بحبك يا مصطفى" "حبيبي يا أحمد" "حياتي يا شيماء".
صوت أحمد الجهوري يلفت انتباه الشارع المزدحم بالمارة. البعض ينكبّ على البضاعة بحثاً عن قلب يحمل اسم "حسين" أو "دبدوب" عليه عبارة حب لأسماء أخرى. البعض الآخر "يحوقل" و"يحسبن" ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا يفوته أن يرمق المشترين، لا سيما من الفتيات بنظرة كلها غضب وَوعيد. فريق ثالث يكتفي بالمضي في طريقه، ولسان حاله يقول "رزق الهِبل على المجانين".
يقولون دوماً إن المجانين في نعيم، لكن المحبين أيضاً يعتقدون أنهم في نعيم في يوم فالنتاين، هذا القديس الروماني الذي عاش في القرن الثالث الميلادي لكن يجد نفسه حياً يرزق في شوارع المحروسة في مثل هذه الأيام. هذه الأيام أيضاً من كل عام تطرح تساؤلات عدة حول موقف المصريين من الاحتفال بعيد فالنتاين.
وبعيداً من أحقية حرية من يود الاحتفال بالمحبوب والاحتفاء بالحبيبة من دون تدخل في الاختيار أو التحذلق من دون داع، تبرز دائماً وأبداً مجادلات وسجالات حول إذا ما كان فالنتاين حراما أم حلالا أم مكروها.
المحبة غاية الأديان مقصدها
الدكتور إبراهيم رضا، من علماء الأزهر الشريف يقول لـ "اندبندنت عربية" إن الاحتفال بيوم الحب جائز شرعاً، وليس رذيلة، موضحاً أن الأصل في الأشياء هو الإباحة، وذلك ما لم يرد نص. ويضيف "لا يوجد مانع أن يجتمع الناس في يوم معين ليذكروا الدنيا كلها بخلق قويم أو فضيلة من الفضائل، وخاصة نشر المحبة".
واستدل رضا بقول الله تعالى في كتابه الحكيم في سورة المائدة "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ والتقوى ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ"، وأشار إلى أن العديد من الأحاديث القدسية تتطرق إلى معاني المحبة والمودة بين الناس، وهو ما يؤكد أن التعبير عن الحب أمر محمود ومطلوب طالما لا تحوم حوله الشبهات.
ويضيف أن المحبة هي الغاية والمقصد من الأديان، وقال الله تعالى في سورة الحجرات "يا أيها الناس، إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل، لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير".
ويوضح الدكتور إبراهيم رضا أن "المعنى هو يا أيها المختلفون جنساً ولغة، والمتفرقون شعوباً وقبائل، اعلموا أن أصلكم واحد، فليكن بينكم المودة والوئام بدلاً من التناحر والخصام".
الطريف أنه في إطار رحلة البحث عن الذات واستعادة الهوية التي يعتقد البعض إنها تشتت وتشرذمت، تتنامى دعوات من نوع آخر، يمكن وسمها بالدعوات الوطنية في موسم فالنتاين، وتنشد نبذ القديس فالنتين والاحتفال بالعيد الوطني المصري.
عيد الحب المصريّ
44 عاماً مضت على تفتق ذهن الكاتب الصحافي الراحل مصطفى أمين عن فكرة عيد حب مصري يوافق يوم 4 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، وهو العيد الذي يتعامل معه البعض باعتباره عيداً مصرياً ينأى بالمصريين بعيداً عن شرور العولمة ومعاول التغريب، وينظر إليه البعض الآخر باعتباره يعبر عن الخصوصية الثقافية المصرية.
لكن تظل الأحاسيس خارج نطاق التنظيم والمشاعر منزهة عن قيوده. ويظل حضور الدباديب الطاغي في المحال وعلى الأرصفة مظهر رسمي لحلول عيد الحب، ليطلق صيحة في وجه المتشددين بأن في الحب متسع للجميع.