انتهت اجتماعات "أوبك" و"أوبك+" بقرار تعميق تخفيض الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميا، وإعلان السعودية وحلفائها أنهم سيخفضون الإنتاج فوق تلك الكمية اختياريا بنحو 400 ألف برميل يوميا. وبما أن كمية التخفيض المتفق عليها سابقا كانت مليون و200 ألف برميل يوميا، فإن كمية التخفيض المعلنة حاليا تبلغ نحو مليونين و100 ألف برميل يوميا. وسبب قولي "المعلنة" هو أن الانخفاض الفعلي قد يكون أكبر أو أقل من تلك الكمية. فكمية الانخفاض الفعلي قد تكون أقل بسبب العقوبات على فنزويلا وإيران، والعوامل السياسية في العديد من الدول، وقد تكون أعلى بسبب عدم التزام بعض الدول حصصها الإنتاجية.
أهم نتائج اجتماعات "أوبك" و"أوبك+"
لا شكّ أن التخفيضين، المتفق عليه والاختياري، فاجآ كثيرا من التجار والمحللين، إلا أن القليل توقع الاتفاق على تخفيض مفاجئ.
ولهذا التخفيض آثار متعددة على أسواق النفط، ستُذكر لاحقا في هذا المقال، إلا أن أهم نتائج اجتماعات "أوبك" و"أوبك+" الأسبوع الماضي، هي:
1- استمرارية سياسة النفط السعودية رغم التغيير الوزاري واكتتاب أرامكو.
شارك الأمير عبد العزيز بن سلمان في اجتماعات "أوبك" لأكثر من ثلاثة عقود، إلا أن اجتماعات الأسبوع الماضي كانت الأولى بالنسبة إليه كوزير للطاقة. وبناء على الاتفاقات التي تمت، وتصريحات ومقابلات الأمير مع وسائل الإعلام، يتضح أن سياسة السعودية النفطية لم تتغير، فقد بقيت الأهداف نفسها، وبقي الدور نفسه. والكتاب الذين توقعوا تغييرا في سياسة السعودية النفطية تجاهلوا أمورا كثيرة، أهمها أن سياسة السعودية النفطية ترسمها فرق متعددة وليس شخصا واحدا، وفقا لمصالح البلاد ككل، والتي تتطلب الاستفادة من المخزون النفطي الكبير لأطول فترة زمنية ممكنة، بأفضل سعر ممكن.
كما تجاهلوا أن الأمير عبد العزيز كان يعمل جنبا إلى جنب مع وزراء النفط السابقين، وبالتالي فهو مشارك أساسي في رسم السياسة النفطية، وبناء على ذلك فإن استمرارية السياسة النفطية أمر منطقي.
كما توقع البعض تغير سياسة السعودية النفطية مع اكتتاب أرامكو، متجاهلين أمورا عدة، منها أن الحكومة ما زالت وستبقى المالك الأكبر لـ"أرامكو"، ومتجاهلين دور الرياض في أسواق النفط، والذي يكبح جموح الأسعار الكبير، الأمر الذي يفيد "أرامكو" ومساهميها.
وفي هذا السياق، قد يتساءل البعض "ما فائدة استمرارية سياسة النفط السعودية، بخاصة في ظل استمرار نمو النفط الصخري وعدم التزام الدول الأخرى حصصها الإنتاجية؟
هناك عدة فوائد، أهمها أن استمرار السياسة السعودية يسهم في استقرار أسواق النفط العالمية. ويكفي لفهم هذه النقطة النظر إلى الجانب الآخر: "ماذا لو لم تستمر السياسة النفطية السعودية؟ عدم الاستمرار يعني انعدام الثقة في قدرة الرياض على التحكم في التذبذبات الكبيرة في أسواق النفط، وفقد دورها الاستراتيجي الضخم، وانخفاض إيرادات النفط، وبالتالي انخفاض معدلات النمو الاقتصادي في البلاد ودول الخليج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا شكّ أن مفهوم الاستقرار في أي سوق هو مفهوم نسبي، ولكن تاريخ أسواق النفط العالمية يوضح بشكل قاطع أن الاستقرار النسبي في أسواق النفط يسهم في استقرار الاقتصاد العالمي، ويساعد على النمو الاقتصادي، ونمو الطلب على النفط، والمحافظة على إيرادات النفط في الدول النفطية، مقارنة بحالة عدم الاستقرار.
أما بالنسبة إلى موضوع نمو النفط الصخري وعدم التزام الدول الأخرى، فإن السعودية تقوم بما يمكن القيام به. الخيارات الأخرى، مثل زيادة الإنتاج بشكل كبير وتخفيض الأسعار لمعاقبة الآخرين، ليس بالخيار الأمثل اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا.
2- التأكيد على أن التعاون مع الدول المنتجة في "أوبك" و"أوبك+" من صميم سياسة النفط السعودية، رغم كل ما ذكر في وسائل الإعلام عن خلافات ضمن دول "أوبك"، وبين السعودية وروسيا.
هناك عشرات المقالات والأخبار التي تتحدث عن هذه الخلافات، وكيف أن اتفاقية تخفيض الإنتاج ستنهار، وكيف أن روسيا ستنسحب، وثبت خطأ هذه التوقعات والمقالات كلها. ومنبع الخطأ هو عدم فهم موقف السعودية من جهة، والاستخفاف بقدراتها الاسترايتجية والدبلوماسية من جهة أخرى. فقد أثبتت السعودية تاريخيا، وفي الاجتماعات الأخيرة، أن ريادتها في دبلوماسية النفط مستمرة، وأن التعاون مع الدول النفطية الأخرى من صميم استراتيجيتها النفطية.
3- الاتفاق على ضبابية أسواق النفط وعدم وضوح الرؤية.
الانتقال من مرحلة عدم الحاجة إلى تخفيض، ثم إلى تخفيض، ثم خلاف على كمية التخفيض، ثم إضافة تخفيض اختياري، ثم الخلاف على المدة الزمنية له، ثم الاتفاق على عقد اجتماع وزاري طارئ في شهر مارس (أذار) المقبل، يوضح مدى ضبابية الوضع في أسواق النفط.
وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق هو أحد انعاكسات النقطة الثانية أعلاه، إلا أنها توضح الآثار السلبية لحروب ترمب التجارية من جهة، وعدم الثقة في الرؤية المستقبلية للمحللين، بخاصة في المنظمات الدولية والبنوك الكبيرة، من جهة أخرى.
تأتي هذه الضبابية في ظل تخوف كبير من أمرين متضادين في جانب الطلب على النفط: حدوث ركود اقتصادي عالمي يعصف بنمو الطلب على النفط، أو اتفاق مفاجئ بين الولايات المتحدة والصين يعيد الأمور إلى مجاريها، ويرفع معدلات نمو الاقتصاد العالمي، ويزيد الطلب على النفط. أضف إلى ذلك أمرين متضادين في جانب المعروض من النفط: ارتفاع إنتاج دول خارج "أوبك"، بخاصة في الولايات المتحدة والبرازيل وكندا، في ظل تناقص الإنتاج في كل من إيران وفنزويلا بسبب العقوبات، والانقطاع المفاجئ في بعض الحقول في دول غير مستقرة سياسيا، مثل ليبيا ونيجيريا والعراق.
هذه الضبابية، والتي ذكر أعلاه أهم مسبباتها، تحتّم عقد اجتماع طارئ في شهر مارس، وسيمّكن هذا الاجتماع دول "أوبك" و"أوبك+" من إعادة تقييم وضع السوق في ظل المعلومات والتطورات الجديدة.
هل نجحت الاجتماعات في تحقيق أهدافها؟
تقييم النجاح يعتمد على الهدف. وتعدد الأهداف يجعل التقييم أكثر صعوية، بخاصة أن بعضها قد يكون ناجحا جزئيا. فإذا كان الهدف هو توحيد الصف والوقوف كجبهة واحدة، فقد نجحت الاجتماعات بشكل كبير.
وقد تكلم المحللون والخبراء عن عدة أهداف، أغلبها يتعلق بأسعار النفط. فإذا كان الهدف تحفيض الإنتاج لمنع أسعار النفط من الانخفاض في وقت ينخفض فيه الطلب فصليا على النفط، فإنه سيتم الحكم على ذلك فيما بعد. إلا أن كل الدلائل تشير إلى أنه إذا التزمت دول "أوبك" التخفيض كما تم الاتفاق عليه، فإنه يتوقع ألا تنخفض الأسعار. وإذا كان الهدف رفع الأسعار، فما زال هناك متسع من الوقت للحكم على هذا الأمر.
ويبدو أن الهدف الرئيس من التخفيض هو منع المخزون التجاري في الدول الصناعية من الارتفاع في فترة انخفاض الطلب الفصلي على النفط. فإن حصل ذلك فإن هذا نجاح كبير، وإن انخفض المخزون فإن ذلك نجاح أكبر. وتشير التوقعات الحالية إلى أن تطبيق التخفيض كما تم الإعلان عنه سيؤدي إلى انخفاض طفيف في مخزونات الدول الصناعية، الأمر الذي يشير إلى نجاح الاتفاق، بناء على هذا الهدف.
فـ"أوبك" تتوقع أن ينخفض الطلب على نفوطها في العام المقبل بمقدار 1.1 مليون برميل يوميا إلى 29.6 مليون برميل يوميا. وإذا نظرنا إلى التخفيض الإضافي، نجد أنه قريب جدا من الانخفاض في الطلب الذي تتوقعه "أوبك"، إلا أنني أزعم أن نمو الإنتاج خارج دول "أوبك" سيكون أقل مما تتوقعه "أوبك"، الأمر الذي يعني أن الطلب على نفوط "أوبك" سيكون أكبر مما تتوقعه المنظمة. فإذا حافظت "أوبك" على التخفيض، فإن ذلك سيؤدي إلى تخفيض مستويات المخزون في الدول الصناعية.
أخيرا، نظراً للمشاكل الحالية الموجودة في أسواق النفط المتعلقة بنوعيات النفوط، فإنه من غير المعروف حتى الآن نوعية النفط التي سيتم تخفيضها حتى الآن، لأن ذلك سينعكس على الفروقات السعرية، إلا أنه من المنطقي أن يتم تخفيض إنتاج النفط الخفيف الحلو.
خلاصة القول، إذا كان الهدف من التخفيض الإضافي هو منع مستويات المخزون في الدول الصناعية من الارتفاع، فإن الاتفاق الأخير سيحقق أهدافه بسهولة، إلا أنه من الصعب التنبؤ بالأسعار في هذه الحالة بسبب الانخفاض الفصلي للطلب على النفط. ويتضح من البيانات والاتفاقات الحالية أن الأسعار لن تنخفض عن مستوياتها الحالية، إلا أن هناك عوامل كثيرة تتحكم في هذه الأسعار. أما بالنسبة إلى ما يتعلق بنمو النفط الصخري، فيرجى مراجعة مقال الأسبوع الماضي.