لم يكن علاء ولي الدين ممثلاً كوميديّاً عاديا، جاء يلقي بـ"إيفيهات" مضحكة ويقدّم أعمالا يتسلّى بها أفراد الأسرة، ولكن حياته كانت فيلما تراجيديّاً كبيرا، يحتار المرء في فهم كيف استطاع أن يستخرج من مأساته تلك الابتسامة الطفوليّة، وكيف نجح على الرغم من مشواره العسير المحفوف بالصعوبات في أن يحتلّ القلوب، ويستمر الكوميديّ المفضّل للكثيرين رغم رحيله منذ نحو 16 عاماً، وتحديدا في 11 فبراير عام 2003.
قال له أحد المخرجين "أنت أراجوز في سيرك وبلياتشو، لكن ما ينفعش تمثّل".. فتحوّل إلى "ناظر" مدرسة الكوميديا الحديثة، ولتكتمل حكايته الغريبة، حيث توقّع وفاته واشترى مدفنه قبل موته بثلاثة أشهر بجوار مدفن الشيخ عبد الحميد كشك.
وخلال أدائه العمرة للمرة الأخيرة، اشترى مسكا خاصا بتعطير الموتى، وأوصى أشقاءه "ابقوا حطولي ده وأنتوا بتغسلوني".
ولد علاء ولي الدين في 28 ديسمبر 1963 بمحافظة المنيا، مركز بني مزار، قرية الجنديّة، وجدّه الشيخ سيّد ولي الدين، الذي أسس مدرسة في القرية على نفقته الخاصة وظلّت المدرسة تخدم الفقراء لأعوام بدون مقابل، ثم انتقلت إلى الإدارة الحكوميّة.
ودرس علاء بالمدرسة العسكريّة الثانويّة بمصر الجديدة، وتخرّج في كلية التجارة سنة 1985، أحبَّ الفن من والده سمير ولي الدين، الذي كان ممثلاً ويعمل مديرا عاماً لملاهي القاهرة.
توفّي والده وهو في سن صغيرة جدا، وكان عليه أن يتحمّل أعباء عائلته وإخوته وأمه، وأن يواصل رحلته في نفس الوقت في الفن والحياة.
ولم تكن الطريق ممهّدة أمامه، بل كانت كل الظروف ضده، شكله وحجمه ومتطلبات السوق ورغبات المنتجين ومواصفات الممثلين، كل شيء يحاول أن يوقفه عن حلمه وعشقه للتمثيل.
عانى كثيرا، رفضه المنتجون، وسخر منه بعض المخرجين، حكموا عليه بأنه ليس في "فورمة" فتى الشاشة، ولا في خفّة الكوميديانات الكبار، راهنوا على فشله ولكن كانت إرادته أقوى من الجميع، كان يسقط مرات في فخ الفشل والاكتئاب وخيبة الأمل، لكن سرعان ما يقف مجدّداً على قدميه كالأطفال عندما يتعثرون وينسون أوجاعهم ليستأنفوا لعبهم من جديد، هكذا كانت رحلة الطفل الكبير علاء وليّ الدين، عاشق الفن وصاحب الضحكة النابعة من القلب.
البداية
بدأ علاء رحلة التمثيل منذ ثمانينيات القرن الماضي، وشارك في البداية بالعديد من المسلسلات والسهرات التلفزيونية، مثل "بابا جاي" و"زهرة والمجهول"، وكانت بداية انطلاقته الحقيقية عندما أتيحت له الفرصة ليشارك ضمن الممثلين الشباب في أفلام النجم الكبير عادل إمام "بخيت وعديلة" بأجزائه، و"رسالة إلى الوالي"، و"المنسي"، و"النوم في العسل" و"الإرهاب والكباب".
لم تكن كلمة البطولة أو حتى الأدوار الكبيرة الرئيسية في مخيلة الطفل الكبير الضاحك دائما علاء ولي الدين، كان دائم الرضا بما يحدث له، وكان يسعد بأي دور يحصل عليه مهما كان صغيرا، وحتى إن نطق بكلمة واحدة أو مرّ كممثل صامت في مشهد واحد.
تواصلت مسيرة علاء ولي الدين رغم صغر الأدوار، ومثّل في أفلام عديدة، مثل "الجينز" مع جالا فهمي، و"أيس كريم في جليم" و"ضحك ولعب وجد وحبّ" مع عمرو دياب، و"خلطبيطة"، و"زيارة السيد الرئيس"، و"سمكة وأربع قروش"، و"هدى ومعالي الوزير"، وغيرها من الأفلام.
مدرسة جديدة للكوميديا
استمر علاء في الصعود، تقبّله الجميع كما هو، بجسمه وحجمه وبراءة وجهه البعيدة عن ملامح "فتى الشاشة" الذي يفتك بقلوب النساء، أو قوة النجوم الذين يصارعون الملاكمين وأبطال "الأكشن"، أو حتى رومانسية نجوم الأفلام العاطفية. فرض علاء مدرسة أخرى في الكوميديا تعتمد فقط على موهبته وبشاشته والقبول والحضور والصدق الذي تمتع بهم.
نجح علاء في الاختبار مع صديق عمره محمد هنيدي، وحصلا على بطولة مشتركة مع النجمة ليلى علوي في فيلم "حلَّق حوش"، ونجح الثنائي في إحداث حالة انقلاب فني ولفت النظر بقوة إليهما.
وكعادة علاء كان طامحاً لكنه راضٍ ومصمم على المواصلة مهما كانت الظروف، لكن لم يكن يحلم بأن يصبح بطلا مطلقاً، لكن منحه القدر الفرصة التي فاقت أحلامه وأُسند إليه فيلم "عبود على الحدود"، مع نخبة من النجوم الشباب وقتها مثل أحمد حلمي وكريم عبد العزيز وغادة عادل ومحمود عبد المغني، وكان نجاح الفيلم مدوياً لدرجة أحدثت صدى كبيرا في السينما، لأن علاء قلب موازين النجومية وذهب بها إلى منطقة أخرى بعيدة تماما عن المقاييس الشائعة.
نجاح علاء شجّعه على خطوات أخرى وتوالت البطولات، فلعب أهم أدوار حياته وهو فيلم "الناظر" وجسّد فيه شخصية الأم والابن، واقتبس علاء شخصية الأم بالفيلم من وحي والدته الحقيقية، ونفّذه بشكل كوميدي أحدث انقلابا وكان السبب الأساسي في نجاح الفيلم، لدرجة أن والدته كانت تمازحه وتقول له "نصف نجاحك وفلوسك من حقي لأنك عملت شخصيتي وأنا سبب نجاح الفيلم".
وكما نجح علاء وليّ الدين وتربّع على عرش الكوميديا، ساعد نجوما آخرين لمعانقة أحلامهم، وكانت أفلامه فرصة لهم للظهور، مثل أحمد حلمي وكريم عبد العزيز في "عبود على الحدود"، وبسمة وأحمد حلمي ومحمد سعد في فيلم "الناظر"، وكان أول ظهور لشخصية "اللمبي" في فيلم "الناظر"، وبعدها انطلق محمد سعد وأصبح نجم شباك، وقدّم أفلاما تحمل هذا الاسم وبنفس الشخصية.
توالت أعمال علاء ولي الدين وقدّم أفلاما أخرى، منها "ابن عز"، وشارك في المسرح بعدد من المسرحيات، مثل "حكيم عيون" و"ألابندا" و"لما بابا ينام".
أٌصيب علاء ولي الدين بمرض السكري، وعانى من مضاعفاته بشدّة، لدرجة أنه قال لشقيقه في عام 2003 وقبل وفاته بأسابيع إنه ينوي الاعتزال، وصرح له "أنا نفسي أسيب الفن وأروح اشتغل في المدينة المنوّرة، وأقعد عند الرسول، لأن الفن طلع وجع دماغ".
توفي علاء ولي الدين في 11 فبراير عام 2003، إثر مضاعفات مرض السكري، وكان يصوّر فيلمه الأخير "عربي تعريفة" مع النجمة حنان ترك، ولم يرَ هذا العمل حتى الآن النور، وتعرّضت حنان وكل زملائه في الوسط الفني لحالة صدمة عنيفة، وما زالوا على مدار 16 عاما يحرصون على إحياء ذكرى صديقهم العزيز الوفيّ الذي توفّي في الأربعين من عمره، وليبقى بصمة مميزة في تاريخ السينما الحديثة.