أعلن القائد العام للجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، إطلاق "المعركة الحاسمة" لتحرير العاصمة الليبية طرابلس، حيث مقر حكومة الوفاق الوطني الليبية بقيادة فايز السراج، داعيا قواته إلى التقدم إلى قلب العاصمة لتحريرها "ممن تنازلوا عن السيادة والشرف"، وذلك في أول رد فعل ميداني على تهديدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإرسال قوات لدعم حكومة "السراج"، بعد توقيع الطرفين على اتّفاق عسكري وبحريّ أثار اعتراضات دولية واسعة.
وأضاف حفتر "دقت ساعة الصفر، ساعة الاقتحام الكاسح الواسع، التي يترقبها كل ليبيّ حر شريف وأهلنا في طرابلس بفارغ الصبر". كما دعا قواته إلى "مراعاة حرمة البيوت واحترام الممتلكات العامة والخاصة، وقواعد الاشتباك، ومبادئ القانون الدولي الإنساني".
تفكيك الميليشيات ومواجهة "الحليف التركي"
وأعلن الجيش الوطني الليبي منذ توقيع الاتفاق العسكري والبحري بين أنقرة وحكومة "السراج" أن معركته أصبحت "مباشرة" ضد الأطماع التركية في ليبيا.
ويتهم الجيش المُسيطر على شرق ليبيا والسياسيون الموالون له، الحكومة في طرابلس (غربي البلاد) بنهب ثروات البلد النفطي والتحالف مع الميليشيات المسلحة وقوى خارجية على رأسها تركيا في حربها ضد "الجيش الوطني"، الذي يعتبر تحرير البلاد من فوضى الميليشيات خطوة أساسية قبل تنظيم الاستحقاقات الانتخابية لتوحيد مؤسسات البلد المنقسم منذ سنوات.
ودعا "رجل شرق ليبيا القويّ" إلى تحرير العاصمة من الإرهابيين و"العملاء" الذين تنازلوا عن الشرف والسيادة، "منذ أن غزاها واستوطن فيها الإرهابيون وأصبحت وكرا للمجرمين يستضعفون فيها الأهالي بقوة السلاح، ومنذ صارت مؤسسات الدولة فيها أداة لنهب ثروات الليبيين، ومنذ تنصيب العملاء من الخونة الجبناء الخانعين لينفذوا أوامر أسيادهم ويبيعوا الوطن ويتنازلوا عن السيادة والشرف وهم أذلاء صاغرون".
وبدوره، قال عز الدين عقيل، رئيس حزب (الائتلاف الجمهوري) الليبي والسياسي المقرّب من المشير خليفة حفتر، إن "تركيا لا تعني لقيادة الجيش أكثر من عدو في الجبهة قدّم كل ما استطاع للميليشيات، ولهذا كان التركيز على الرد عليه وهزيمته في الجبهة، ولعل إعطاء الأمر بإطلاق ساعة الصفر بتحرير طرابلس هو ذروة هذا الرد، بعد عمليات عديدة لاستهداف الأسلحة والطائرات المُسيّرة التركية التي وصلت لقوات الوفاق".
وقال "حفتر"، في خطاب متلّفز مساء الخميس "في نداء أخير لن يتكرر، في هذه اللحظات التاريخية الحاسمة، إننا ندعو كل أبنائنا من الشباب بمختلف دوافعهم وانتماءاتهم، الذين جرفتهم دعوات المضللين، وحملوا السلاح لمواجهة الجيش الوطني، ندعوهم دعوة صادقة أمام الله وأمام الليبيين إلى أن يلزموا بيوتهم ويعودوا إلى رشدهم حرصا على حياتهم ومستقبلهم ورأفة بأهلهم وذويهم ليضمنوا السلامة والأمان وتمنح لهم فرص التأهيل والتعليم والعمل الشريف والعيش الكريم، وأن يوفّروا جهدهم وطاقاتهم لبناء ليبيا الجديدة، يدا بيد مع باقي إخوانكم من الشباب الليبيين، فالجيش منتصر لا محالة".
وقالت شعبة الإعلام الحربي التابعة للقوات المسلحة إن "أحد عشر مُسلحاً من الشباب المُغرّر بهم والذين يتبعون قوات الوفاق سلّموا أنفسهم للقوات المسلحة".
دعم الجيش لتجنب السيناريو السوري
ودعت شخصيات سياسية ليبية إلى الخروج في مسيرات جماهيرية لتأييد الجيش الوطني الليبي وإعلان رفض الشعب الليبي لما وصفوه باتفاقية "التمهيد للاحتلال التركي" لليبيا، والتحذير من تكرار السيناريو السوري في إشارة إلى التوغل التركي شمال سوريا منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأصدرت كل من "مجموعة أبناء ليبيا" و"الحراك من أجل ليبيا" بياناً ندّدت فيه بتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن استعداده إرسال جنوده إلى ليبيا إذا طلبت منهم حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج ذلك.
وتابع البيان "بعد تجرؤ أردوغان على إعلان أحلامه السلطانية بإرسال عساكره الغزاة إلى ليبيا لتكرار ما تقوم به عصاباته وعملاؤه من مجازر في شمال سوريا من عمل لتغيير ديموغرافيا الشعب السوري، اتضحت معالم مواثيق البيعة التي قدّمها له السراج وسيالة وباشاغا عند بابهم العالي، واتضحت بالمقابل معالم واجبات أبناء الوطن الليبيين، من أمازيغ وطوارق وتبو وعرب، نحو وطنهم وبرلمانهم الشرعي المنتخب وجيشهم الوطني المظفر وعاصمتهم الأسيرة الصابرة".
وقال المستشار السابق للجيش الليبي، رمزي الرميح، لـ"اندبندنت عربية"، إن "الأمة الليبية هي أمة واحدة ومتجانسة اجتماعيا، وكما التفّت الأمة الليبية في شرق البلاد وأصبحت حاضنة شعبية للجيش الوطني الليبي، وبعثت القبائل بأبنائها للانضمام للجيش الليبي لإنقاذ الوطن، ثم دعمت القبائل في جنوب ليبيا، سواء كان الجنوب الشرقي أو الغربي، القوات المسلحة الليبية، وبالتالي سوف تلتفّ بقية البلاد في الغرب حول الجيش الوطني الليبي، بعدما سئموا أكثر من غيرهم من ابتزاز وسطوة الميليشيات المسيطرة على العاصمة وضواحيها، ويجب عليهم أن يستمعوا لنداء العقل ونصيحة المشير بترك السلاح والتزام بيوتهم".
واعتبر "الرميح" أن "تركيا بقيادة أردوغان "أصبحت منبوذة في ليبيا لأن التاريخ العثماني في ليبيا شهد العديد من الجرائم التاريخية، والحكومة المؤقتة اعترفت بمذابح الأرمن قبل أن يقرّها الكونغرس الأميركي أمس، وأردوغان كشف نواياه بتصريحاته المعادية للشعب الليبي الذي يرفض تكرار السيناريو السوري في ليبيا، ويرفض سفن الموت وشحنات السلاح التي يرسلها إلى البلاد".
وقالت الحكومة الليبية المؤقتة إن "حكومة السراج غير الشرعية فتحت باب الاستعمار من جديد على ليبيا من خلال تبعيتها للمشروع التوسعي العثماني"، ودعا بيان لوزارة الخارجية بالحكومة المؤقتة كافة السفارات والقنصليات والبعثات والمندوبيات الليبية بالخارج إلى "الانحياز فورا إلى الشرعية وإلى الحكومة الليبية المؤقتة وإلى قواتكم المسلحة وتعلنوا ذلك بشكل واضح وأمام العالم، في الوقت الذي تسطر فيه قواتكم المسلحة الليبية ملاحم البطولة والتضحية بالعاصمة طرابلس لتحريرها من الإرهاب والميليشيات نحو استعادة الدولة آمنة مستقرة"، وحذر البيان من أنه "لا حياد في معركة الوطن ومحاربة الإرهاب ونهاية الميليشيات، فإما الدولة المدنية الديمقراطية، وإما الفوضى والميليشيات والإرهاب".
وأكد عضو مجلس النواب الليبي، سعيد أمغيب، في تصريح خاص، أن "إعلان الجيش عن المعركة الحاسمة ضد أطماع أردوغان في ليبيا يمثّل رد الفعل العملي على تهديداته وتحالفه مع الميليشيات المسلحة في البلاد"، مشددا على أن "الشعب الليبي يقف على قلب رجل واحد لمواجهة هذا العدوان المعلن من جانب أردوغان والسراج".
وفي المقابل، قال رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فايز السراج، في خطاب مُتلفز يوم الجمعة، إن قواته "صدّت العدوان ولقنوا الغزاة والمرتزقة والانقلابيين دروساً قاسية"، ودعا الشعب الليبي لأن "لا تصدقوا أكاذيب الواهمين وصفحاتهم، فلا ساعة صفر إلا ساعة أوهام".
ووسط تضارب التصريحات التركية حول إرسال قوات لدعم حكومة الوفاق، قال المبعوث الخاص للرئيس التركي إلى ليبيا، أمر الله إيشلر، الخميس، إن "بلاده مستعدة لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، متى طلبت حكومة الوفاق ذلك"، على الرغم من إعلان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن ليبيا لم تطلب إلى الآن إرسال قوات.
نتائج المعركة ستحسم المواقف الدولية
ويخشى المجتمع الدولي من وقوع "حمّام دم" وعمليات نزوح جماعية في ظل انتقال القتال إلى مناطق مكتظة بالمدنيين، حسبما حذرت الأمم المتحدة، وطالبت عدة أطراف دولية "حفتر" مرارا بوقف هجومه على العاصمة الليبية، الذي أعلن بداية شهر أبريل (نيسان) الماضي، ودعت الولايات المتحدة القائد العام للجيش الليبي في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى وقف هجماته على طرابلس بعد اجتماع بين ممثلين لحكومة الوفاق الوطني ومسؤولين أميركيين.
وقال مصدر دبلوماسي أميركي لـ"اندبندنت عربية" إن الولايات المتحدة سعت منذ أسابيع إلى إبرام اتّفاق لوقف إطلاق النار بين "حفتر" و"السراج"، لكن إصرار أنقرة على دعم قوات حكومة الوفاق وتوقيع الاتفاق العسكري بين الجانبين أربك المشهد من جديد.
وقال المبعوث الأممي لليبيا، غسان سلامة، الأسبوع الماضي إن المشير خليفة حفتر يقترب من إحكام السيطرة على طرابلس، وذلك بسبب الدعم الروسي المكثف. وأضاف "خلال الأيام العشرة الماضية انتقلت الحرب إلى المناطق الحضرية بالعاصمة. ولا أستبعد مأزقا جديدا أو تقدما ساحقا".
والتقى مسؤولون أميركيون المشير خليفة حفتر في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) لمناقشة الخطوات الرامية إلى وقف الأعمال القتالية والحل السياسي للصراع الليبي، حسبما أعلنت السفارة الأميركية في ليبيا، وأكد الوفد الأميركي الذي ضمّ نائب مستشارة الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فيكتوريا كوتس، والمسؤول في القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، اللواء ستيفن ديميليانو، دعم الولايات المتحدة الكامل لسيادة ليبيا وسلامتها الإقليمية، وأعربوا عن قلقهم البالغ إزاء استغلال روسيا للصراع على حساب الشعب الليبي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أكد على ثقته في الجيش الوطني الليبي كشريك في مكافحة الإرهاب، وذلك خلال اتصال هاتفي مع "حفتر" قبل عدة أشهر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر "عقيل" أن إعلان "المعركة الحاسمة" لتحرير طرابلس، جاء كتتويح لجملة من التفاهمات التي يبدو أنها جرت بين الجيش والأطراف الدولية الفاعلة، وبخاصة أميركا وفرنسا وروسيا، "كما نجح الجيش بإقناع الدول الكبرى بسلامة عملية تحرير العاصمة التي ستقوم على استخدام قوات محترفة تم تدريبها خصيصا لتكون جاهزة لاحتواء وإنهاء حروب المدن والسيطرة على الشوارع والقيام بعمليات التدخل السريع الخاطف، كما تم تأهيل هذه القوات تأهيلا عاليا لاحترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، لتقوم بواجب التحرير بالتزام صارم بحماية أرواح المدنيين وممتلكاتهم"، مؤكدا وجود تفاهمات مع القوى الكبرى لضمان الجيش للالتزامه الانتقال الديمقراطي وحماية السجون التى يقبع بها الارهابيون والتزام الشراكة العالمية بمكافحة الإرهاب.
ورفضت دول الاتحاد الأوروبي ومصر والإمارات الاتفاق البحري بين "أردوغان" و"السراج"، وكذلك الاتفاق العسكري الذي يمثل خرقا لقرارات الأمم المتحدة بفرض حظر السلاح إلى ليبيا، وأعلنت اليونان الجمعة الماضية طرد السفير الليبي لدى أثينا وطالبت الأمم المتحدة في مذكرة رسمية بإدانة الاتفاق الذي يعتدي على سيادتها في المتوسط، فيما أكدت قمة الاتحاد الأوروبي على تضامنها الكامل مع قبرص واليونان. وعقد رئيس الوزراء الايطالي جوزيبي كونتي والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اجتماعا مشتركا حول التطورات في ليبيا، حيث أكد "كونتي" على التوافق الأوروبي "لتوجيه هذا الصراع، وعلى الفور، نحو حل سياسي".
كما دان زعماء الاتحاد الأوروبي الاتفاق البحري التركي الليبي خلال قمة بروكسل وأعلنوا أن اتفاقية ترسيم الحدود تنتهك القوانين الدولية.
مواجهة الإرهاب في أفريقيا
وتدعم فرنسا مواجهة قوات الجيش الليبي للجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية ذات الامتدادات الأفريقية، حيث ترتبط ليبيا بحدود طويلة مع تشاد والنيجر، وبخاصة في ظل الهجمات الأخيرة التي يتعرض لها الجنود الفرنسيون خلال عمليات مكافحة الإرهاب في دول الساحل الأفريقي. وكشف تقرير للأمم المتحدة يوم الثلاثاء عن مشاركة مجموعات أفريقية مسلحة من التشاد والسودان في القتال في ليبيا.
وقال "عقيل" إن العملية الارهابية الأخيرة التي جرت في النيجر، عكست خطورة انتشار وتطور الإرهاب الوافد أخيرا إلى دول الساحل وتعاظم تهديداته للعالم وللوجود الفرنسي بسبب استقوائه بالفوضى والمقدرات الليبية، معتبرا أن ذلك سيكون دافعا لدعم فرنسا لعملية تحرير العاصمة الليبية.
وأعلن تنظيم "داعش"، الخميس، مسؤوليته عن الهجوم على قاعدة عسكرية في النيجر قرب الحدود مع مالي، ما أسفر عن وقوع عشرات القتلى، وأدى إلى إعلان فرنسا تأجيل قمة لقادة دول مجموعة الساحل، كان من المقرر أن تستضيفها في 16 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته في منتدى أسوان للسلام والتنمية في أفريقيا، يوم الأربعاء، إن بلاده أول المتضررين من الأزمة الليبية، داعيا إلى التحرك السريع لإنهائها.
وشدد "السيسي" على ضرورة تسوية الأزمة الليبية من خلال الحل السياسي، قائلا "مصر تقاتل بالنيابة عن العالم على حدودنا الغربية مع ليبيا، نحن أول من تضرر من الموقف في ليبيا، ونتحرك من أجل سرعة إيجاد حل لهذه الأزمة التي تؤثر على أمننا واستقرارنا جميعاً"، لافتا إلى أنه سيكون هناك "حل شامل في ليبيا خلال أشهر".
ومن جانبه، أكد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في تصريحات صحافية، اليوم الجمعة، أن "سيولة الموقف في ليبيا أدى إلى انتشار ظاهرة الإرهاب وظاهرة الهجرة غير الشرعية ودخول العناصر الإرهابية إلى الساحة الليبية والانطلاق منها إلى دول الساحل والصحراء وإلى دول أفريقية أخرى عدة".
وتابع شكري أن "حل الأزمة الليبية سيكون له تأثير كبير على تحقيق الاستقرار في شمال أفريقيا ودول الساحل والصحراء وغرب أفريقيا وغيرها، وسوف يعود بالنفع أيضا على الإطار الإقليمي، وما هو أبعد في إطار أمن واستقرار حوض المتوسط".
وشدّد شكري على أهمية "أن تتكاتف الدول الرئيسة، والدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، في وضع حل شامل يتناول كافة أبعاد القضية الليبية، بخاصة ما يتعلق بقضية الإرهاب وكيفية تنفيذ قرار حظر السلاح المفروض من مجلس الأمن، وتحصين الساحة الليبية من التدخلات، وأيضا تدعيم المؤسسات الليبية الشرعية وإصلاح الخلل القائم في بعض هذه المؤسسات، بما يؤدي للوصول إلى الاستقرار وصولا إلى انتخابات شرعية".