في وقت درجت فيه دول مثل تركيا وإيران وقطر وحتى ماليزيا على الدعوة إلى "وحدة الصف الإسلامي" في القرارات المصيرية والتحولات الاستراتيجية، تفاجأ الرأي العام بإعلان تلك الدول عزمها تنظيم "قمة خماسية" في ماليزيا، لتأسيس كيان إسلامي جديد، اعتبره المراقبون يستهدف "شق صف" منظمة التعاون الإسلامي في عيدها الخمسين.
ومع أن ماليزيا التي كان رئيس وزرائها مهاتير محمد زار تركيا قبل أن يعلن ميلاد فكرة الكيان الجديد، هي المقرر أن تستضيف الحدث ابتداءً من اليوم الأربعاء، إلا أن سلوك الدول التي تسميها أطراف في الخليج بـ"ثلاثي الشر"، وهي إيران وتركيا وقطر، نحو دول الثقل التي تمثلها السعودية ومصر والإمارات، جعلت المهتمين يعتقدون بأن الثلاثي المذكور هو الذي دفع لإقامة التكتل الجديد، لـ"محاولة ابتزاز بقية الدول الإسلامية الـ57 التي تضمها منظمة التعاون الإسلامي، لتساند إيران أمام العقوبات الأميركية عليها"، إلا أن ذلك وفق المصدر الذي تحدث إلى "اندبندنت عربية" من منظمة التعاون الإسلامي لن يؤدي إلا لمزيد من تفريق كلمة المسلمين سياسياً.
انسحابات وخفض تمثيل
لكن أطرافاً في القمة المقرر انعقادها يبدو أنها تداركت سريعاً، خطورة الموقف بعد أصداء الرفض بين أوساط إسلامية وسياسية عدة، إذ تلقى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز اتصالاً من رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد لم تكشف الرياض عن تفاصيله، إلا أن أطرافاً تحدثت إلى "اندبندنت عربية" ترجح أن يكون لطمأنة السعودية، حيث المقر الدائم لمنظمة التعاون الإسلامي، على أهداف "القمة الخماسية" المثيرة للجدل. لكن وفق وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس"، فإن العاهل السعودي أكد على مهاتير أهمية العمل ضمن منظومة التعاون الإسلامي.
وقبل يوم واحد من القمة تسارعت الخطى أيضاً لتقليل التفاعل مع المناسبة، حتى من جانب الدول التي قررت من قبل انضمامها إليها، مثل أندونيسيا التي أعلنت انسحابها، وباكستان التي زار رئيسها عمران خان الرياض اليوم من دون موعد مسبق، وأعلن منها وفق الصحافة الباكستانية غيابه عن القمة والاكتفاء بتمثيل خجول من وزير خارجيته.
وكان مهاتير تحدث في وقت سابق لقناة "الجزيرة" القطرية عن أهمية إيجاد آلية للتعاون الثلاثي بين تركيا وماليزيا وباكستان لاستعادة النهضة الإسلامية، لكنه الآن جعلها دولاً خمساً بدلاً من ثلاث، بإضافة إيران وقطر.
وأشار إلى أن هذه الدول ستشكل نواةً لبداية تعاون إسلام أوسع يشمل العديد من المجالات التي تواجه العالم الإسلامي، مثل الدفاع والحفاظ على السيادة فضلاً عن التنمية الاقتصادية وقيم الثقافة والعدالة والحرية، بالإضافة لمواكبة التكنولوجيا الحديثة.
فلسطين قميص عثمان
ومثلما جرت العادة، جعل مهاتير القضية الفلسطينية واحد من المبررات التي دفعته للاقتناع بأهمية وجود كيان منشق عن منظمة التعاون الإسلامي، على الرغم من إقرار الأخيرة باستمرار، خصوصاً في قمة رمضان الماضي، رفضها لأي اتفاق يستهدف القدس في إشارة منها إلى ما يعرف بـ"صفقة القرن".
وقالت المنظمة في حينه إن القمة "تضمنت مخرجاتها ثلاث وثائق رئيسة هي: القرار، والبيان الختامي، وإعلان مكة، فكان القرار كله بفقراته الـ37 عن فلسطين والقدس، تأكيداً للموقف الفلسطيني والعربي وقرارات الشرعية الدولية والقمم السابقة، بينما تضمن البيان وإعلان مكة كل على حدة بشكل صريح وقفة صريحة مع فلسطين، ناهيك عن كلمات رئيس القمة الملك سلمان بن عبد العزيز وأمين عام المنظمة وعدد من الزعماء العرب والمسلمين، الذين جاءت قضية فلسطين في سياق كلماتهم حاضرة كذلك".
وأكد مؤتمر القمة في نص بيانه الختامي على "رفضه لأي مقترح للتسوية السلمية، لا يتوافق ولا ينسجم مع الحقوق المشروعة غيـــر القــــابلة للتصـــــرف للشـــــــــعب الفلسطينــي وفـــــق ما أقــــرته الشرعية الدولية، ولا ينسجم مع المرجعيات المعترف بها دولياً لعملية السلام وفي مقدمتها القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة...إلخ".
لكن المتابعين للشأن السياسي في دول الإقليم يشيرون إلى أن تلكؤ القطريين في مصالحة كانت منتظرة بينهم وبين دول الرباعية التي تقاطعهم منذ 2017 إلى جانب التحرك التركي عسكرياً نحو ليبيا، إضافة إلى العقوبات الأميركية ضد إيران، كلها عوامل تمثل المفاتيح لفهم السياق الذي جعل الدول الثلاث تقود محاولة لتمزيق الصف الإسلامي الذي لا يساندها في توجهاتها الخاصة، فالقواسم المشتركة بينها سوى الأيدولوجيا "الاسلاموية"، لا تساعد في نظر المراقبين على النظر إلى مبادرتها بحسن نية.
ولا يترك المنظمون المحللين يعانون في البحث عن تناقض ما يدعون إليه وما يفعلون، إذ إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد أن بلاده ستستمر في تقديم الدعم للآلية الثلاثية بين تركيا وباكستان وماليزيا، والتي تم تشكيلها بتوجيهات مهاتير محمد، معتبراً أن تلك الآلية من دواعي "الحفاظ على وحدة الأمة"!
وقال الرئيس التركي "في إطار الشراكة الحوارية مع رابطة دول جنوب شرق آسيا، نولي أهمية كبيرة لدولة ماليزيا، لأننا نتبنى مواقف مشتركة إزاء قضايا عدة، أهمها قضية فلسطين، ومعاناة مسلمي الروهينغا في ميانمار"، متعهداً بتعزيز التعاون مع ماليزيا لإيجاد حلول لتلك الأزمات، على حد قوله.
منظمة حية
وبين الأسباب التي دفعت جهات سعودية وإسلامية إلى التنديد بالتجمع الخماسي، هو أن جميع دوله أعضاء في التعاون الإسلامي، وبإمكانهم العمل تحت إطاره، فهي المنظمة الأكبر بعد الأمم المتحدة عالمياً، وذات حيوية ملموسة، عبر مؤسساتها المحترفة مثل البنك الإسلامي للتنمية، الذي عزز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في 57 دولة إسلامية، ويقدم خدماته في مجالات جودة المياه والطاقة وصحة المرأة وإدخال التقنيات الجديدة لتحسين جودة التعليم، وبرامج للمنح الدراسية لفائدة الدول الأعضاء والمجتمعات الإسلامية في الدول غير الأعضاء.
كما أنها قامت بإنشاء 34 منظمة متخصصة تخدم التخصصات السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والعلمية والاجتماعية والإنسانية.
وكان العديد من قراراتها المهمة، اتخذتها في دول الخماسية، مثل إقرارها برنامجي العمل العشري الأول في 2005 بمكة المكرمة والثاني في اسطنبول 2016، مثلما كان أمينها الأسبق أكمل الدين إحسان أوغلو تركياً، وشهدت المنظمة في عهده تفاعلاً من أنقرة.