ما أن لقيت امرأة تركستانية مصرعها في مخيم الهول بالريف الشرقي لمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا على يد نساء خنقاً، حتى بدأت عمليات ترحيل الأطفال إلى مخيم تل أسود شمال شرقي البلاد على يد قوات أميركية و"قسد"، تزامناً مع اضطراب وظروف إنسانية صعبة وحوادث متفرقة.
المخيم المترامي الأطراف القريب من الحدود العراقية يغلي تحت صفيح ساخن، ويخشى القائمون عليه من عود ثقاب يؤجج واقعه بوجود عدد كبير من العائلات جلّهم نساء وأطفال عناصر تنظيم "داعش" يقبعون في خيم على مساحات شاسعة، في حين تغيب الإمكانات لاستقبال المخيم كل هذا العدد. في المقابل، تقرع الهيئات الإنسانية في المخيم ناقوس الخطر في ظل ظروفه وخطورته، حيث يضم 73 ألف شخص، بينهم 49 ألف طفلٍ وفق تقديرات الأمم المتحدة وإحصائها موزعين على 13 ألف خيمة.
أطفال التنظيم
يعتبر مدّ المجتمع الدولي يده إلى أطفال التنظيم تطوراً جديداً بعد إحجامه عن الالتفات والاعتراف بهم وبذويهم القادمين من أصقاع العالم، في وقت حارب التنظيم في سوريا والعراق حتى سقوطه في مارس (آذار) الماضي في منطقة الباغوز شرقي البلاد آخر معاقله. من جانبها تحرَّكت دول أوروبية للدفع نحو إعادة الأطفال، وآخر تلك الدول فنلندا التي أعلنت على لسان رئيسة وزرائها سانا مارين، السعي لإعادة أطفال الفنلنديات اللواتي توجهن إلى سوريا للانضمام إلى "داعش" بأسرع ما يمكن.
وتعمل فنلندا لحماية مصالح الأطفال، "لسنا ملتزمين بمساعدة البالغين الذين توجهوا إلى تلك المنطقة بأنفسهم"، ويوجد 30 طفلاً من 11 امرأة فنلندية.
وتحذو بريطانيا وهولندا وألمانيا وعدد من الدول الأوروبية بالاتجاه نحو إعادة الأطفال وطرق تأهيلهم مجدداً، إذ أعلن في وقت سابق وزير الخارجية البريطاني ببيان له "سهلنا عودة الأبرياء واليتامى إلى بلادهم، الآن يجب السماح لهم بالخصوصية، ومنحهم الدعم للعودة إلى الحياة الطبيعية".
في حين أعلنت روسيا الاتحادية أن 8 من الأطفال الروس ممن كانوا في مناطق سيطرة "داعش" أعيدوا من العراق إلى روسيا عبر دمشق.
أوتاد الخيم
في المقابل، ترفع مصادر في منظمات إنسانية، حدة تدهور الوضع الإنساني كون المخيم يضم أيضاً 10 آلاف امرأة من جنسيات أجنبية مع وجود ما يزيد على ثلاثة آلاف طفل، لا يملكون وثائق ولادة. وإزاء كل ما يحدث، يرى مراقبون من جمعيات حقوقية الأوضاع كارثية في حال لم يوضع لأطفال التنظيم برامج تأهيل عالية المستوى.
في السياق ذاته، أعلنت الإدارة الكردية لمخيم الهول في الثامن من الشهر الحالي، عزمها الإفراج عن دفعة جديدة مؤلَّفة من 200 من عناصر وأطفال ونساء، وذكر مسؤول مخيمات شمال شرقي سوريا شيخموس أحمد، أن من بينهم "15 عنصراً ممن لم يثبت عليهم أي جرائم".
من صنع الطبيعة
ومع كل ما يحدث، لا تتوقف الحوادث من صنع البشر أو الطبيعة، وفي آخر التطورات الإنسانية الحاصلة في مخيم يبعد 40 كيلومتراً عن الحسكة شمال شرقي سوريا، فجعت أسرة سورية تقطن المخيم بعد أن فارقت طفلتها الحياة بسبب البرد القارس. وتتخوف جمعيات حقوقية من الواقع الذي يعيشه الأطفال ومن المخاطر الأمنية التي تحدق بهم في المستقبل وهم دون سن 12 من العمر بعد أن تشبعوا بالصور التي يرسمونها عن الحرب وقساوة ممارسات التنظيم.
ويحذر مركز لإعادة تأهيل الأطفال شمال شرقي سوريا من عودة التنظيم للصعود، ويستقبل ما يقارب 15 ألف طفل منذ افتتاحه في العام 2017، ومنحهم فرص التعليم وإعادتهم إلى حياتهم الطبيعية. وعلى الرغم من أن تلك الجهود لا تكفي لسد الثغرات وتأهيل الأطفال نفسياً، فإنها محاولات للجم تدفق جيل مشبع بأفكار غريبة وغير بريئة عن الحياة والدين، كما يقول مراقبون "إنهم قنابل موقوتة في حال لم توجد لهم حلول إسعافية تنقذهم من وحل الإرهاب".
وهكذا فإن مد يد الدول مهم للغاية لوقف تمدد الأفكار المتطرفة التي ستأتي بشكل جديد مع جيل يفتقر إلى التعليم والرعاية والخدمات الصحية والنفسية والدعم الاجتماعي، وكل الأجواء الأبوية الإيجابية التي يتربى عليها الطفل السليم.