أكد المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني أن الانتخابات المبكرة في العراق هي الحل الوحيد للأزمة، وشدد على ضرورة إجراء الانتخابات المقبلة في أجواء مطمئنة بعيداً عن السلاح والتدخلات الخارجية، وقال إن "البلد ما زال يعيش أوضاعاً صعبة ومقلقة، وتستمر فئات مختلفة من المواطنين في المشاركة في التظاهرات والاعتصامات السلمية المطالبة بالإصلاح، في حين يتعرض بعض الفاعلين فيها للاغتيال والخطف والتهديد، وفي المقابل يُجبر العديد من الدوائر الحكومية والمؤسسات التعليمية على غلق أبوابها من دون ضرورة تدعو الى ذلك، وتتعرض ممتلكات بعض المواطنين للحرق والتخريب، ويشتكي الكثيرون من ضعف هيبة الدولة وتمرّد البعض على القوانين والضوابط المنظمة للحياة العامة في البلد بلا رادع أو مانع".
الشعب مصدر السلطات
وشدد السيستاني على اننا "أشرنا في خطبة سابقة الى ان الشعب هو مصدر السلطات ومنه تستمد شرعيتها، كما ينص عليه الدستور، وعلى ذلك، فإنّ أقرب الطرق وأسلمها للخروج من الأزمة الراهنة وتفادي الذهاب الى المجهول أو الفوضى أو الاقتتال الداخلي، لا سمح الله، هو الرجوع الى الشعب بإجراء انتخابات مبكرة، بعد تشريع قانون منصف لها، وتشكيل مفوضية مستقلة لإجرائها، ووضع آلية مراقبة فاعلة على جميع مراحل عملها تسمح باستعادة الثقة بالعملية الانتخابية".
للإسراع في إقرار قانون الانتخابات
وتابع السيستاني، "ولكن الملاحظ، تعرقل إقرار قانون الانتخابات الى اليوم وتفاقم الخلاف بشأن بعض مواده الرئيسة، وهنا نؤكد مرة أخرى على ضرورة الاسراع في إقراره وأن يكون منسجماً مع تطلعات الناخبين، يقرّبهم من ممثليهم، ويرعى حرمة أصواتهم ولا يسمح بالالتفاف عليها. إنّ اقرار قانون لا يكون بهذه الصفة لن يساعد على تجاوز الأزمة الحالية".
وأمل المرجع الشيعي العراقي ألا يتأخر طويلاً تشكيل الحكومة الجديدة، التي لا بدّ من أن تكون حكومة غير جدلية، تستجيب لاستحقاقات المرحلة الراهنة، وتتمكن من استعادة هيبة الدولة وتهدئة الأوضاع، وإجراء الانتخابات المقبلة في أجواء مطمئنة بعيدة عن التأثيرات الجانبية للمال او السلاح غير القانوني وعن التدخلات الخارجية.
مهلة جديدة
في هذا الوقت، حدد المسؤولون العراقيون في وقت متأخر من ليل الخميس 19 ديسمبر (كانون الأول) مهلة جديدة تمتد حتى الأحد لتسمية مرشح لتكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة، مع انتهاء المهلة الدستورية، وسط تخوف من دخول البلاد في المجهول في ظل استمرار الاحتجاجات على الرغم من عمليات اختطاف واغتيال ناشطين.
وفي غياب اتفاق بين الكتل البرلمانية على الشخصية التي ستوكل إليها المهمة، قال مصدر في رئاسة الجمهورية لوكالة الصحافة الفرنسية إنّ السلطات اتفقت على تأجيل المهلة حتى يوم الأحد نظراً إلى أنّ الجمعة والسبت يوما العطلة الأسبوعية في العراق. ولم يتمكن البرلمان عند منتصف ليل الخميس من منح الثقة إلى شخصية جديدة لرئاسة الوزراء، بينما ينص الدستور على أن يقوم رئيس الجمهورية برهم صالح مقام الرئيس المستقيل، لمدة 15 يوماً.
المعضلة الكبرى
ولكن قبل ذلك، كان أمام البرلمان مهمة، وهي أن تقدم الكتلة البرلمانية الأكبر اسماً إلى رئيس الجمهورية الذي يقدمه بدوره إلى مجلس النواب للتصويت عليه، وتبقى مسألة الكتلة الأكبر معضلة، ومفهوم الكتلة الأكبر هو الائتلاف الذي يضم أكبر عدد من النواب بعد الانتخابات، وليس بالضرورة أن يكون التحالف الفائز بأكبر عدد من المقاعد بعد الاقتراع.
ولم تكن الكتلة الأكبر واضحة بعيد الانتخابات التشريعية في مايو (أيار) 2018، وجاءت تسمية عادل عبد المهدي رئيساً للوزراء حينها بتوافق سياسي جرى خلال ساعات، بعيد انتخاب صالح رئيساً للجمهورية.
المهمة صعبة
غير أن المهمة صعبة حالياً على أي مرشح لينال ثقة البرلمان ويكون قادراً على تلبية مطالب الشارع وسحب المحتجين، بعد أكثر من شهرين من التظاهرات التي أسفرت عن مقتل حوالى 460 شخصاً وإصابة أكثر من 20 ألفاً بجروح، وفي حال انعدام التوافق، يبقى الخيار الدستوري في حالة الفراغ أن يصبح صالح رئيساً للوزراء بحكم الأمر الواقع لمدة 15 يوماً وفق المادة 81 من الدستور، على أن يكلف خلالها مرشحاً جديداً.
الأكثر انقساماً
والبرلمان الحالي هو الأكثر انقساماً في تاريخ العراق الحديث، وقد فشل النواب الأربعاء في الاتفاق على إعادة صياغة قانون الانتخابات، وهو الإصلاح الأكبر الذي قدمته السلطات إلى المحتجين، ورفعوا الجلسة حتى يوم الاثنين.
ومنذ موافقة مجلس النواب في الأول من ديسمبر الحالي على استقالة حكومة عادل عبد المهدي، بدأت بورصة السياسة بتداول أسماء عدة، بعضها كان جدياً، وأخرى كانت أوراقاً محروقة لاستبعادها، لكن ثلاثة أسماء طرحت أخيراً في "المزاد"، وهي وزير التعليم العالي قصي السهيل، ووزير العمل والشؤون الاجتماعية السابق محمد شياع السوداني، ورئيس جهاز المخابرات الوطني مصطفى الكاظمي.
حظوظ السهيل
والسهيل عضو سابق في تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وانضم في ما بعد إلى كتلة "دولة القانون"، التي يتزعمها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وإن كانت حظوظ السهيل مرتفعة في الساعات الأخيرة، إلا أن كون المشاورات في العراق كصندوق أسرار تخرج منه المفاجأة في الوقت بدل الضائع، يجعل من الصعب التكهن بشكل نهائي.
أسهم تتراجع
فالأسبوع الماضي، كان الاسم الأكثر تداولاً هو السوداني، الذي أعلن استقالته من "حزب الدعوة" وكتلة "دولة القانون" التي ينتمي إليها أيضاً. لكن أسهمه تراجعت بين ليلة وضحاها، من دون معرفة الأسباب، وأكدت مصادر مقربة من المرجعية الدينية الشيعية العليا في النجف، لوكالة الصحافة الفرنسية أن السوداني حاول مقابلة علي السيستاني، لكنه لم ينجح في ذلك، ما اعتبره البعض فيتو.
لكن المرجعية أعلنت سابقاً عدم مشاركتها في أي مشاورات أو مفاوضات وسحب يدها من مباركة أي اسم يطرح، خلافاً للسنوات الـ 16 الماضية، حين اضطلعت بدور حاسم غير مباشر في رسم المسار السياسي للبلاد.
اللحظات الأخيرة
ويبقى اسم الكاظمي داخل درج رئيس الجمهورية برهم صالح، الذي "يراهن على اللحظات الأخيرة" لتقديم مرشحه، وهو ما يضمنه له الدستور، وفق مصادر سياسية، لكن الصعوبة تكمن في أن الكاظمي محسوب على الولايات المتحدة، ما يجعل من الصعب أن يحظى بموافقة طهران، إلا في حال تسوية.
مثير للجدل
في الجهة المقابلة، قدم النائب الليبرالي فائق الشيخ علي، المعروف بانتقاده للفساد المستشري في مفاصل الدولة، ترشيحه رسمياً إلى رئيس الجمهورية، وقال الشيخ علي في كتاب ترشحه الذي نشره على تويتر "أتقدم إلى فخامتكم بالترشح لتكليفي بتشكيل حكومة مهنية متخصصة غير متحزبة بعيدة من المحاصصة الطائفية والعرقية"، وكان هذا النائب أجرى تصويتاً على تويتر قبل تقديم ترشيحه، استفتى خلاله آراء الناس، ودعمه 73 في المئة من أصل ما يقارب 100 ألف مشارك، في الترشح.
ويعتبر الشيخ علي نائباً مثيراً للجدل، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، واشتهر بتغريداته التي تتضمن الكثير من التلميحات ضد سياسيين من خصومه. وسبق أن رفع البرلمان الحصانة عنه بتهمة "تمجيد البعث".
واشنطن قلقة
وبينما تستمر الفجوة بين المسؤولين والمتظاهرين في الاتساع، بعد حوالى شهرين ونصف الشهر من الاحتجاجات والعنف، تثير الصواريخ التي تتساقط بين الفينة والأخرى على قواعد عسكرية تؤوي جنوداً أميركيين، قلق واشنطن.
ومنذ 28 أكتوبر (تشرين الأول)، شنت 10 هجمات بصواريخ ضد قواعد تضم عسكريين أميركيين أو السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء الشديدة التحصين وسط بغداد. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن أي من تلك الهجمات، لكن واشنطن تتهم غالباً الفصائل المسلحة الموالية لإيران، وازداد قلق الولايات المتحدة من تلك الهجمات، خصوصاً أنها تنوي إرسال ما بين خمسة إلى سبعة آلاف جندي إضافي إلى الشرق الأوسط.
وأكد مصدر أمني عراقي لوكالة الصحافة الفرنسية الاثنين "دخول أرتال عسكرية أميركية محملة بالأسلحة إلى المنطقة الخضراء، بعد الحصول على موافقات رسمية"، وأضاف المصدر الذي طلب عدم كشف هويته أن "الأرتال العسكرية مكونة من 15 ناقلة تحمل عجلات هامر مع أعتدة وأسلحة أميركية".