حين يصوّت رسمياً مجلس النوّاب الأميركي بكامله على بنود العزل والمساءلة، من المرجّح أن يصبح دونالد ترمب أول رئيس أميركي يواجه مثل هذا الحكم منذ أكثر من عقدين.
ففي المرّة الأخيرة التي واجه فيها رئيس أميركي تهمة من هذا النوع، كانت الإجراءات التي اتّخذها مجلس النوّاب في حقّ الرئيس "الديموقراطي" الأسبق بيل كلينتون العام 1998، وهي مرحلة أخرى من الانقسام الاستثنائي في السياسة الأميركية، على خلاف الانقسام الذي هو قائم في المشهد السياسي المعاصر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبدو أن الرئيس الراهن ترمب كما سلفه كلينتون من قبله، مستعدّ لمحاربة الاتّهامات التي يواجهها، مع حرصه على تجنّب أن يصبح أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يطرده الكونغرس من منصبه. وفي وقت ينظر الكونغرس في تصويت تاريخي آخر بمسألة العزل، وهو الثالث في تاريخ الرئاسة الأميركية، في ما يأتي نظرة على فضيحة بيل كلينتون التي شغلت البلاد قبل نحو 21 عاما.
ما كانت الفضيحة آنذاك؟
كانت رئاسة كلينتون تعاني من هجماتٍ متكرّرة من "الجمهوريّين"، بما فيها من المحامي المستقل كينيث ستار، الذي كان يتمتّع باحترامٍ كبير وصنع لنفسه إسماً في التسعينيّات من خلال التحقيق في أمر إدارة كلينتون.
وركّز التحقيق الذي أجراه ستار بدايةً على التعاملات المالية في مرحلة ما قبل رئاسة بيل كلينتون. وخاض ذلك التحقيق في المقام الأول، في مخالفاتٍ محتملة من جانب كلينتون وزوجته هيلاري كلينتون، في أعمال مرتبطة بمقاولات عقارية لها علاقة بشركة "وايت ووتر للتطوير" في أركنساس، لكنه لم يجد دليلاً على ارتكاب مخالفات.
إلا أن الاتّهامات بالتحرّش الجنسي التي ساقتها بولا جونز ضدّ كلينتون في أركنساس، لفتت انتباه المحامي المستقل كينيث ستار. وفي خلال التحقيق في القضية، قدّمت مونيكا لوينسكي المتدرّبة السابقة في البيت الأبيض شهادةً بأنها لم تكن لها علاقة جنسية مع الرئيس الأسبق، ثم شهد كلينتون هو الآخر بأنه لم يقم علاقةً جنسية مع لوينسكي.
وقد أطلق كينيث ستار تحقيقاً في القضية مفترضاً أن الرئيس كلينتون قدّم شهادة زور. وفي النهاية، بعدما تلقّت لوينسكي عرضاً بالحصانة، أدلت بشهادتها ضدّ كليتون، وقالت إنها كانت لديها فعلاً علاقة جنسية معه. وبعد مقابلة لم تخلُ من المراوغة مع محقّقي ستار، اعترف الرئيس الأسبق أيضاً على شاشة التلفزيون بإقامة علاقةٍ مع لوينسكي.
ماذا حدث بعد ذلك؟
قدّم ستار تقريره إلى اللجنة القضائية في مجلس النوّاب، مدّعياً أن لديه أدلة على 11 جريمة تستدعي عزل الرئيس. وكان من بين التهم الحنث باليمين، وهو بحدّ ذاته جريمة.
في ذلك الوقت، كان "الجمهوريّون" يسيطرون على مجلس النوّاب بأغلبية 228 صوتاً، في مقابل 206 لـ "الديمقراطيّين. وبدأت العملية في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) العام 1998، وجرى تصويتٌ رسمي في مجلس النوّاب في التاسع عشر من ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام، ما أدّى بكلينتون إلى أن يكون الرئيس الثاني فقط الذي يُعزل في تاريخ الولايات المتحدة.
ماذا فعل مجلس الشيوخ؟
بعدما أخذ الكونغرس الاتّهامات الموجّهة إلى كلينتون في الاعتبار ونظر فيها، جادل محامو الرئيس بأن تصرّفات كلينتون "تستحق اللوم من الناحية الأخلاقية" لكنها لا تستدعي عزله عن منصبه. لكن محامي مجلس النوّاب اعتبروا أن كلينتون يستحقّ الإقالة من منصبه لأنه قدّم شهادة زور، وهي جريمة واضحة، إضافةً إلى عرقلته التحقيق.
وبموجب دستور الولايات المتحدة، يجب أن يلي التصويت في مجلس النوّاب على عزل الرئيس، إجراء محاكمة له في مجلس الشيوخ. لكن ذلك المجلس بقي ذا أغلبية "جمهورية" في حينه بعد الانتخابات النصفية التي أجريت مباشرة في خضمّ عملية الإقالة في مجلس النواب، (55 سناتوراً "جمهورياً" في مقابل 45 "ديمقراطياً").
وفي النهاية، بُرّئت ساحة كلينتون من مادتي العزل اللتين واجههما، بعد الفشل في حصولهما على الحدّ الأدنى من الأصوات المطلوبة لعزل الرئيس وهي 67، كما حدّدها الدستور. وكانت المادّة الأولى تتناول حنثه باليمين الدستورية، وحصلت على 45 صوتاً مؤيّداً للعزل في مقابل 55 صوتاً مؤيّداً للبراءة. فيما جاء التصويت على المادة الثانية المتعلّقة بالعرقلة، انقساماً داخل مجلس الشيوخ بنتيجة 50-50.
ما كان مصير الرئيس كلينتون بعد ذلك؟
واصل كلينتون تولّي مهمّاته حتى انتهاء فترة ولايته الثانية رئيساً للولايات المتّحدة، ثم انتقل إلى مهنة مربحة للغاية بعد انتهاء ولايته من خلال إلقاء محاضرات حقّقت له ثراءً على نطاق واسع.
وخرجت سمعته في الولايات المتحدة سليمة إلى حدّ ما بعد محاولات العزل. ومن غير الواضح ما إذا كانت للقضية أيّ تأثير مباشر على صناديق الاقتراع (في الانتخابات النصفية، حافظ "الجمهوريّون" على سيطرتهم على مجلسي النواب والشيوخ. ولم تركز الانتخابات الرئاسية في العام 2000 بشكل خاص على الفضيحة الجنسية التي طاولت كلينتون، لأنها لم تكن موضوعاً مطروحاً في عملية الاقتراع).
هل حصل أن أُقصي أي شخص من منصبه بعد العزل؟
كلا. قبل بيل كلينتون، عُزل الرئيس أندرو جونسون رسمياً في العام 1868 بسبب "جرائم كبرى وجنح"، وذلك بعد إقالة إدوين ستانتون من منصبه وزيراً للحرب (وهو منصب لم يعد موجوداً). وفي النهاية، تمّت تبرئة جونسون من جانب مجلس الشيوخ، ما أرسى سابقة مهمّة لمبدأ فصل السلطات بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية التي تمثلها الحكومة الفيدرالية للولايات المتّحدة.
أما الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون الذي استقال من منصبه في أغسطس (آب) العام 1974، أثناء قيام الكونغرس بالتحقيق في أفعاله المزعومة خلال فضيحة "ووترغيت"، فلم يُقصيه مجلس النواب لأن استقالته جعلت القضية غير عملية.
هل إبعاد الرئيس ترمب عن منصبه بعد اجراءات العزل ممكنٌ؟
هذا محتمل، لكنه غير مرجّح إلى حدٍّ كبير. فكما حدث في تسعينيّات القرن الماضي، يشهد الكونغرس الأميركي اليوم انقساماً واضحاً، وقد يتطلّب الأمر انشقاق نحو 20 سناتوراً "جمهورياً" في مجلس الشيوخ كي يكون هناك تهديد جدي لرئاسة ترمب. وحتى الآن، يبدو أن ذلك غير متوقّع. وعلى الرغم أن دونالد ترمب يُعدّ أحد أقلّ الرؤساء شعبية في التاريخ الأميركي الحديث، حافظ على قبضة قوية على حزب "الجمهوريّين" في الكونغرس وفي جميع أنحاء البلاد. وفي المقابل، قد يعمد على الأرجح بعض الأعضاء "الديموقراطيّين" الضعفاء داخل مجلس الشيوخ، إلى الانشقاق والتصويت في نهاية المطاف ضدّ العزل.
© The Independent