على الرغم من مرور خمس سنوات على انضمام دولة فلسطين إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، فإن الجدل بشأنها لا يلبث أن يخبو حتى يعود مجدداً.
ففي شهر أبريل (نيسان) عام 2014، وقع الرئيس الفلسطيني محمود عباس على الانضمام إلى عدد من الاتفاقيات والمعاهدات والمنظمات الدولية بينها اتفاقية سيداو وكلها من دون تحفظ، "كرد سياسي على واشنطن وتل أبيب".
وتطالب الاتفاقية بضرورة مساواة الرجل والمرأة في الحقوق، من دون أي تمييز وعلى حق المرأة بالتمتع بجميع "الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية".
وتؤكد الاتفاقية التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 1979 على أن "التمييز ضد المرأة يشكل انتهاكاً لمبدأي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان، ويعد عقبة أمام مشاركة المرأة، على قدم المساواة مع الرجل".
عدم مواءمة الاتفاقيات
ولم تعمل السلطة الفلسطينية على مواءمة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي انضمت إليها مع القوانين المحلية، كما إنها لم تبدأ بتطبيق تلك الاتفاقيات ومنها اتفاقية سيداو.
ومع بداية الشهر الجاري، أطلق حزب التحرير الإسلامي المتشدد حملة ضد الاتفاقية وقال إنها "تنتهك الشريعة الإسلامية وتشجع على الانحلال الخلقي وعلى الدعارة والإجهاض".
وانضمت حركة حماس بشكل غير رسمي إلى الحملة، وشارك مناصروها فيها في ظل حالة الاستقطاب مع حركة فتح التي ازدادت مع الحديث عن قرب الانتخابات العامة في فلسطين.
ومع اشتداد الحملة، أعلنت حركة فتح (إقليم وسط الخليل) عن تحفظها على الاتفاقية، مطالبة بإعادة النظر بكل بنودها ومقارنتها بالشريعة الإسلامية ورفض كل ما يتعارض معها.
وفي اجتماع لعشائر الخليل التي تسيطر عليها حركة حماس وحزب التحرير، دعت تلك العشائر السلطة الفلسطينية إلى الانسحاب من الاتفاقية وإغلاق "جميع المؤسسات النسوية".
العشائر
وطالبت العشائر بمنع المؤسسات النسوية من الدخول إلى المدارس بكافة مستوياتها، محذرين في القضاة من الالتزام "بقرار تحديد سن الزواج والقبول والعمل به".
كما حذرت تلك العشائر وسائل الإعلام من تغطية تلك النشاطات الخاصة بالجمعيات والمؤسسات التي وصفتها "بالمشبوهة".
ورفضت مؤسسات أهلية فلسطينية بيان العشائر واعتبرته "تمرداً على السلطة، ومحاولة للاستحواذ على صلاحياتها، وتهميش متعمد للقانون، وتهديد للسلم المجتمعي وتشويه للإسلام والعشائر".
في المقابل، قال قاضي قضاة فلسطين محمود الهباش في حوار مع "اندبندنت عربية"، إن الاتفاقية تتضمن بنوداً تتعارض مع الشريعة الإسلامية "كقضايا الزواج والطلاق والميراث"، مؤكداً أن القيادة الفلسطينية ملتزمة بما يتفق فقط مع الشريعة الإسلامية والتراث الوطني".
وعن سبب انضمام فلسطين إلى الاتفاقية من دون تحفظ كما فعلت العديد من دول العالم، أوضح الهباش أن هدف الانضمام كان حينها إثبات الهوية السياسية لدولة فلسطين على الساحة الدولية، مشدداً على أنه "لن يتم تطبيق أي بند يتعارض مع الشريعة الإسلامية".
وأضاف أن أي اتفاقية دولية أو قانون محلي "يخالف الشرعية الإسلامية فإن القيادة الفلسطينية غير ملزمة به على الإطلاق".
وأكد الهباش أن إثارة هذه القضية لا يعود إلى الدفاع عن الشريعة الإسلامية، لكنه "يهدف إلى تصفية حسابات سياسية".
في سياق متصل، أشار الهباش إلى وجود مبادئ عامة ممتازة في الاتفاقية، كعدم التمييز في الأمور الاجتماعية والسياسية والثقافية وحماية الأمومة والطفولة، موضحاً أن تلك أمور تدعو إليها الشريعة الإسلامية.
مخالفات
ويرى القاضي الشرعي في محكمة استئناف نابلس محمد جمال أبو أسنينة في مقابلة مع "اندبندنت عربية"، أن المادة 16 من الاتفاقية تتضمن مخالفات صريحة لثوابت الشريعة الإسلامية، خصوصاً القضايا المتعلقة "بالمساواة في الزواج والطلاق والميراث".
وأضاف جمال أن قضايا الزواج والحضانة والنسب لأب تعتبر "تشريعات دينية وليس مدنية"، داعياً إلى وضع "ضوابط على المساواة بين الرجل والمرأة طبقاً "لثوابت الدين الإسلامي".
في المقابل، نفى بلال رزينة العضو المؤسس في "رابطة علماء فلسطين" وجود تعارض بين الاتفاقية والشريعة الإسلامية، مضيفاً أن الحديث عن مخالفتها للشريعة الإسلامية "مجرد تأويلات لبعض موادها وبالإمكان تأويلها بما لا يتعارض مع مقاصد الإسلام".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر رزينة أن الإنسانية خطت خطواتٍ واسعة في سبيل تحرير المرأة ومساواتها بالرجل، بلغت ذروتها مع اتفاقية سيداو، مضيفاً أن الإسلام "وضع حجر الأساس لتكريم المرأة وفتح المجال للعقل البشري عبر العصور لإكمال البناء".
وأوضح رزينة أن الإسلام يكفل للمرأة حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية أسوة بالرجل، مشيراً إلى أن الاستثناءات في قضايا الميراث والشهادة وغيرها هي "أحكام تدور مع عللها وظروفها وجوداً وعدماً".
وأضاف أن المتجمع الفلسطيني تسوده أفكار متشددة بسبب سيطرة الإخوان المسلمين والسلفيين على المساجد والمناهج التعليمية المدرسية والجامعية، مشيراً إلى أن تلك الأفكار "تُكرس دونية المرأة".
قراءة سطحية
من جهة ثانية، يرى المستشار القانوني لمؤسسة "الحق" عصام عابدين، أن الهجوم على الاتفاقية يعكس قراءة سطحية لها، مضيفاً أنها تتضمن مبادئ عامة تتفق مع كل الثقافات والشعوب ولا تتعارض مع الأديان ولا تهدف إلا إلى القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة وتمكينها سياسياً ومدنياً واقتصادياً واجتماعياً.
وطالب عابدين بالعمل على وضع خطة عملية لإنصاف المرأة ومنع العنف ضدها على أن تجمع تلك الخطة بين "القواسم المشتركة في الاتفاقية والشريعة الإسلامية".
وأشار إلى وجود تقصير من السلطة الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني في توضيح الاتفاقية وأهدافها.
في سياق متصل، وأصدرت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان واتحاد المرأة الفلسطينية والائتلاف الأهلي لتطبيق سيداو وشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية بياناً اتهمت فيه جهات لم تسمها بشن حملة تحريض ممنهجة ضد الاتفاقية باستخدام التضليل ونشر معلومات غير صحيحة.
وقال البيان إن اتفاقية سيداو جاءت تتويجاً لجهود ونضالات الحركات النسوية والحقوقية على مستوى العالم، مشيراً إلى أن بنودها لا تتعارض مع القانون الأساسي الفلسطيني، لكنها تتضمن "حق المساواة للمرأة في الحياة وفي العمل والتعليم والصحة والمشاركة السياسية وتقلد مواقع صنع القرار، والزواج والطلاق وإدارة الشؤون العائلية".
ونفى البيان وجود أي بنود في الاتفاقية أو تفسيرات لجنة سيداو في الأمم المتحدة تمنح المرأة الحق في الإجهاض، أو ما يبيح الزنا بين الأزواج.