فور إعلانه رفض تكليف مرشح "الكتلة الأكبر" لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة، غادر الرئيس العراقي العاصمة بغداد إلى السليمانية مسقط رأسه في إقليم كردستان العراق، وسط تواتر الأنباء عن تعرضه لتهديدات مباشرة بالقتل من قبل أطراف على صلة بـ "الحرس الثوري الإيراني".
وبالنسبة لكثيرين، فقد أحبط صالح آخر خطط طهران لضمان وجود رئيس وزراء موال في بغداد، عندما اعتذر عن تكليف أسعد العيداني، الذي يوصف بأنه أحد رجال "الحرس الثوري الإيراني"، بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، مؤكداً استعداده للاستقالة من منصبه إذا لزم الأمر في حال تواصلت الضغوط الخارجية، ما وضعه في مواجهة مباشرة مع الجارة الشرقية للعراق.
طائرات مسيرة وتهديد بالقتل
وقالت مصادر مطلعة لـ "اندبندنت عربية"، إن "كتائب حزب الله العراقية، وهي ذراع الحرس الثوري في العراق، أرسلت طائرات مسيرة عصر الخميس 26 ديسمبر (كانون الأول)، لتحلق فوق قصر السلام، وهو المقر الرسمي لرئيس الجمهورية في بغداد"، مؤكدة أن "الطائرات المسيرة كانت مسلحة بعبوات متفجرة".
المصادر أكدت أن كتائب "حزب الله" تملك موقعاً قريباً من قصر السلام، سبق لها أن استضافت فيه قادة في الحرس الثوري، من بينهم قاسم سليماني قائد فيلق القدس، مشيرة إلى أن "النسخة العراقية من حزب الله اللبناني، استخدمت تكتيك الطائرات المسيرة بشكل أكبر خلال الأيام الأخيرة مع رئيس الجمهورية، لاسيما خلال بعض لقاءاته الرسمية مع دبلوماسيين أجانب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت المصادر إلى أن حملة الطائرات المسيرة ضد صالح ترافقت ورسائل بالقتل، تلقاها الرئيس العراقي خلال الأيام القليلة الماضية.
وأكد النائب في البرلمان العراقي محمد نوري عبد ربه أن "صالح هُدد بالطائرات المسيرة في حال لم يمرر مرشح تحالف البناء (الكتلة الأكبر في مجلس النواب، التي تضم جميع الأحزاب الموالية لإيران)".
تكتيك التلويح بملفات الفساد
وبعد ساعات من مغادرته بغداد، انطلقت حملة واسعة ضد الرئيس العراقي، بدأتها لجنة "النزاهة النيابية" في مجلس النواب، إذ أعلن رئيسها ثابت العباسي، الذي ينتمي إلى التحالف المدعوم من إيران، أن "شركات نفطية محلية على صلة وثيقة بالرئيس برهم صالح عليها مؤشرات فساد وتعمل على تمرير عقود مليئة بمؤشرات فساد وقد تؤثر على قراراته السياسية"، وأضافت أن "استمرار حكومة تصريف الأعمال بلا رقيب سيزيد من فساد هذه الشركات وهيمنتها".
وفي العادة، تستخدم ملفات النزاهة سياسياً في العراق لإرغام أحد المسؤولين على التوقيع على قرار ما، من خلال التلويح أمامه بملفات فساد، لكن معظم هذه التهديدات لا يستند إلى أدلة، ويهدف إلى "التسقيط" الإعلامي فقط.
لذلك، تعاملت وسائل الإعلام المحلية بسخرية مع إعلان لجنة "النزاهة النيابية"، "التي لم تكتشف فساد برهم صالح، إلا عندما تمرد على الإرادة الإيرانية ورفض تكليف العيداني".
هجوم من محور آخر
وبعدما تبين لها فشل تكتيك الطائرات المسيرة، لجأت كتاب "حزب الله" العراقية إلى الهجوم الإعلامي المباشر على صالح، متهمة إياه بالخضوع للإرادة الأميركية، واعتبرت رفضه تكليف مرشح تحالف "البناء" وإعلان استعداده لتقديم استقالته إلى البرلمان، "مزايدة بادعاء وقوفه إلى جانب إرادة الشعب".
وصفت الكتائب تعامل رئيس الجمهورية مع أزمة مرشح الكتلة الأكبر بـ "المريب"، وقالت إنه "يُدخل العراق في أزمة جديدة، ويتهرب من مسؤوليته الوطنية والدستورية ملوحاً بالاستقالة، في مزايدات مفضوحة بادعاء وقوفه إلى جانب إرادة الشعب"، مشيرة إلى أن الرئيس العراقي "ينفذ إرادة أميركية تخطط لجر البلاد صوب الفوضى، وإبقاء الأزمة السياسية بلا مخرج، لفرض احتلال أميركي جديد بغطاء أممي".
تجريم الرئيس
من جهته، قال تحالف "البناء"، إنه فوجئ بـ "إصرار رئيس الجمهورية على مخالفة الدستور وعدم تكليف مرشح الكتلة الأكبر بحجة رفض المرشح من قبل بعض الأطراف السياسية"، معلناً رفضه "أي تبريرات أو عملية التفاف على الدستور"، معتبراً أن "انتهاك الدستور من الجهة التي يفترض أن تكون حامية له (رئيس الجمهورية) يعني دفع البلاد إلى الفوضى التي لا تخدم سوى الجهات الأجنبية، التي تتربص الشر بالعراق وشعبه الذي يرفض بقوة الإملاءات من أية جهة كانت، وفرض سياسة الأمر الواقع ولي الأذرع وتجاوز المؤسسات الدستورية".
تحالف "البناء" الذي يعد نفسه الكتلة الأكبر، من دون اعتراف أي طرف على ذلك، يرى أن "مخالفة الدستور" من قبل الرئيس العراقي و"رفض تكليف رئيس الوزراء وفق السياقات الدستورية سيؤدي إلى نتائج تتنافى مع مطالب المتظاهرين وعموم الجماهير في تحقيق الأمن والاستقرار، لتبدأ عملية تنفيذ مطالب المتظاهرين السلميين"، داعياً مجلس النواب إلى تجريم رئيس الجمهورية بتهمة "الحنث باليمين وخرق الدستور".
حملة "بصاق"
الوجه الآخر من أوجه الحملة ضد صالح، تمثلت في دعوة أطلقها نائب عن حركة "عصائب أهل الحق" للعراقيين بأن "يبصق كل منهم في وجه رئيس الجمهورية" بعدما رفض تكليف العيداني.
هذه الدعوة عكست حجم الغضب الذي تشعر به الأطراف السياسية الموالية لإيران من سلوك الرئيس صالح، إذ يقول النائب عدي عواد إنه "هرب" من بغداد إلى السليمانية، متهماً إياه بـ"الجبن."
العوادي الذي يمثل الحركة التي يقودها قيس الخزعلي المشمول بالعقوبات الأميركية بسبب قضايا تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان، دعا العراقيين إلى "البصاق في وجه الرئيس"، لكن أثر دعوته جاء عكسياً، إذ انطلقت في غضون دقائق حملة تدعو العراقيين إلى "البصق" في وجه النائب المذكور.