كأننا أصبحنا معتادين لدى نهاية كل سنة على مشهد عالمٍ يتنفّس الصعداء ويقول بشكل جماعي "يا لها من سنة".
فهل تحوّل العالم إلى مكان أفظع بالفعل أو أننا نحن من بلغ حدّ الإرهاق بسبب إمطارنا المتواصل بالأنباء السيئة وبوابلٍ لا يكلّ من المعلومات والأخبار؟ هذا أمر يحتمل النقاش.
لكن أصبح من الواضح أنّ بعض الأحداث لديها القدرة على توحيد العالم لمجرّد غرابتها أو فرادتها- وبفضل الإنطباع الذي تشيعه بأنها ظاهرة لم تختبرها المعمورة قبلاً.
غالباَ ما تتحوّل هذه الأحداث إلى قصصٍ مشوّقة بفعل عنصر المأساة الإنسانية التي تحمله في طيّاتها، و في أفضل الحالات بسبب تمكّن الناس المعنيين بالحدث من التغلّب على الصعاب.
وشهد العقد الأخير بروز حركات شكّلت علامات فارقة فيه- بدءاً بالربيع العربي وحركة #مي-تو (أنا أيضاً) وبلاك لايفز ماتر (حياة السود مهمة)، ووصولاً إلى تنامي الشعوبية وتجدّد التركيز على أزمة المناخ. لكن بعض الأحداث الفردية كانت كفيلة بدورها بإحداث ردة فعل يمكن اعتبارها عالمية.
وفي ما يلي بعض الأحداث الأكثر غرابة ومأساوية وتأثيراً التي وقعت خلال العقد الأخير- تلك الأحداث التي كان من المستحيل بالنسبة لنا ألّا نتابع مجرياتها.
1- بركان إيسلندا، عام 2010
لم يكد العقد يدخل أيامه الأولى حتى ثار بركان إيافيالايوكل- فعمّت الفوضى في حركة الملاحة الجوية وخيّم على الأجواء مناخ قاتم يحاكي نهاية العالم وواجه متابعو الأخبار غير الناطقين باللغة الإيسلندية أينما كانوا تحدّي نطق اسم الحدث بطريقة صحيحة.
فلدى خروجه من حالة السبات التي دخلها في 1823، لفظ بركان جنوب أيسلندا غيمة من الرماد ارتفعت 30 ألف قدم في الهواء ثم تمدّدت لتخيّم حرفياً فوق أوروبا وتتسبّب بأكبر شللٍ في حركة الملاحة الجوية منذ الحرب العالمية الثانية.
وعلى امتداد ستة أيّام، أُخلي المئات من السكان المحليين وأُلغيت عشرات الآلاف من الرحلات الجوية.
واضطرّ مراسلنا المخضرم في صحافة السفر والرحلات سايمون كالدر أن يعود إلى بلده على متن سفينة شحن تجارية بعد أن وجد نفسه عالقاً في النرويج. ويشاطرنا تالياً ذكرياته عن حدث إيافيالايوكل.
" حركة الملاحة الجوية هي عرضة يومياً للاختلال أو الشلل لكن ما حدث كان على مستوى مختلف تماماً: فقد أُغلق المجال الجوي تماماً في شمال أوروبا أمام الملاحة المدنية لمدة أسبوع تقريباً على خلفية المخاوف من تضرّر محركات الطائرات جرّاء الغبار وتعرّض المسافرين للخطر".
"وفقاً لحساباتي، واجه ثمانية ملايين راكب حجزوا مقاعداً لهم على متن 50 ألف رحلة إلغاء رحلاتهم ".
"أنا واحد منهم: أثناء رحلة تزلّج في النرويج، رأيت عنواناً على الصفحة الأولى من صحيفة داغبلاديت باللغة النرويجية يقول "رماد البركان الإيسلندي يوقف الرحلات من النرويج".
"لم يكن ضرورياً أن يتكلم المرء اللغة النرويجية كي يدرك الخلل الذي أصاب حركة الملاحة الجوية".
"سافرت إلى أوسلو على متن طيران "ساس" بصفتي راكباً مدنياً لكني عدت من المدينة على متن سفينة شحن كأنّي سلعة. ومع وصول السفينة إلى مدينة إيمينجهام، بات واضحاً أنّ هذه الأزمة هي الأسوأ في تاريخ الملاحة الجوية الأوروبية منذ الأيام السود التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)".
"وتميّزت الأيام التالية للحدث بتداول روايات المسافرين اليائسين وتنامي الإحباط إزاء ردّة فعل اعتبر كثيرون بأنه مبالغ بها، وإزاء عجز عدة شركات طيران عن احترام التزاماتها بموجب القوانين التي تحكم حقوق المسافرين الجويين الأوروبيين".
2- عمّال المنجم التشيليين، عام 2010
في أوّل كارثة تطال المناجم خلال هذا العقد- وهي لم تكن الأخيرة- علق 33 رجلاً طوال 69 يوماً أثناء عملهم داخل منجم للنحاس والذهب بعد حدوث انهيار فيه.
وبرهن العمّال عن قوة النفس البشرية، وواصلوا إرسال فيديوهات إلى السطح من خلال كاميرا مصغّرة حملوها معهم.
وساهمت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" بإنقاذهم بعد شهرين في عملية تابعها أكثر من مليار شخص حول العالم وفقاً لمحطة التلفزيون التشيلية الرسمية، لكنّها استغرقت في النهاية 23 ساعة.
أخرجت المنتجة السينمائية المكسيكية باتريسيا ريجين في 2016 فيلماً بعنوان "الـ33" وأطلعت الإنبدندنت على سبب تأثرها بالقصة.
"ما دفعني لرواية هذه القصة هو حسّ الأخوة. لهذا السبب أجد هؤلاء الرجال الـ33 جديرين بالإعجاب".
" وفي تلك اللحظة اتّحد العالم لتحقيق معجزة حقيقية اجتمعت فيها الإنسانية بالتكنولوجيا والحظ. واستطاعوا النجاة لأنهم تماسكوا في ظلّ أسوأ الظروف الممكنة وساعدوا بعضهم بعضاً".
"وتكرّر الشيء نفسه فوق سطح الأرض فاتّحد الناس وتضافرت القوى: فاجتمعت قوى الحكومة والتكنولوجيا والموارد وحبّ العائلات والإيمان بأنهم ما زالوا على قيد الحياة".
"أحبّ أن أروي قصصاً عن روح الإنسان. وعن أفضل ما فينا. وعن الإنسانية التي أعتبرها القدرة على النهوض بالتحديات والإرتقاء إلى ما بعد حدود الإنسان في سبيل تحقيق الخير الأكبر- من أجل مساعدة من نحبّهم أو الغرباء عنّا. هذا ما يجعل الحياة تستحقّ أن نعيشها. وهو ما يجعلنا بشراً. وقصة عمّال المناجم التشيليين هي قصة نستطيع جميعنا أن نفخر بها بصفتنا بشراً".
3- فوكوشيما، عام 2011
بعدما طبع إلقاء القنبلتين النوويتين الكارثي على هيروشيما وناغازاكي في العام 1945 صورة اليابان في العصر الحديث، وجد البلد نفسه مرّة جديدة ضحية أزمة نووية- تسبب بها هذه المرة زلزال توهوكو الذي بلغت قوته 9 درجات على مقياس ريختر.
وأسفرت الهزّة وموجة التسونامي التي تبعتها عن مقتل أكثر من 15 ألف شخص، كما نجم عنها انهيار داخل مفاعل فوكوشيما دايتشي النووي- ونزوح مئات الآلاف من الأشخاص. وشكّلت الحادثة كارثة جديد، كأنّ تشيرنوبيل وقعت في عصر الإنترنت. وطوال أشهر، دأبت شركة كهرباء طوكيو، "تيبكو"، المسؤولة عن إدارة المعمل على نفي حدوث انهيار لكن الرأي العام ما يزال يشكّ بهذه الرواية. وفي سبتمبر (أيلول) من هذا العام، أعلنت الحكومة اليابانية أنها قد تضطر قريباً إلى إطلاق مليون طن من المياه الملوّثة بالإشعاعات في البحر.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، أي بعد مرور ثمانية أشهر على الحادثة، سُمح للصحافيين بزيارة الموقع للمرة الأولى.
وفي مقال كتبه في صحيفة نيويورك تايمز، قال مارتن فاكلر "توّزع أكثر من 30 مراسلاً على باصين. ولبسنا بزّات حماية وقفازات مزدوجة، وغلّفنا أحذيتنا بطبقتين من البلاستيك الشفاف، كما اعتمرنا أغطية للرأس ولبسنا أقنعة تنفّس وحملنا معنا أجهزة لكشف مستوى الإشعاعات النووية. وفي طريقنا إلى معمل فوكوشيما، مررنا بنقطة للشرطة ورأينا ثلاث بلدات مقفرة وخالية تماماً من السكان هي ناهارا وتوميوكا وأوكوما. وبين البيوت المهجورة ثمة متجر لبيع الزهور لمّا تزل بعض النباتات الذابلة والميتة معروضة في واجهته".
"أحاطت بقاعدة مباني المفاعل شاحنات مسحوقة ودعامات معدنية ملتوية وهياكل مبانٍ وخزان ملتوٍ هائل الحجم وأنابيب مثنيّة بفعل قوى الطبيعة. وصلت الأضرار إلى الطابق الثاني في إشارة إلى حجم التسونامي الذي بلغ ارتفاعه 14 متراً. وقد شُيّد في المكان جدار بحري بارتفاع أربعة أمتار باستخدام الصخور والشباك السود. وقالت "تبكو" إنه خطّ دفاع مؤقت في مواجهة تسونامي جديد. وبلغ قياس الأشعة في هذا المكان 300.
وجاء الوزير المكلّف بملف الأزمة النووية جوشو هوسونو لمخاطبة الرجال هنا فقال "كلّما أعود أشعر بأنّ الظروف تحسّنت. وهذا بفضل جهدكم الدؤوب". ولفت إلى أمله بإغلاق المفاعل مع نهاية العام. فهل كل شيء على ما يرام إذاَ؟ ليس بالضبط. إذ أضاف أنّه تبقّى 30 عاماً من العمل بعد ذلك، في إشارة إلى تفكيك المفاعلات.
4- مقتل أسامة بن لادن، عام 2011
في مشهد تحوّل إلى علامة فارقة في عهد باراك أوباما، نجحت المساعي في اقتفاء أثر مؤسس القاعدة أسامة بن لادن بعد 10 سنوات قضاها مختبئاً وعثر عليه داخل مجمّع في مدينة أبوت آباد في باكستان. وشكّلت ظروف مقتله ودفنه في عرض البحر إنذاراً مسبقاً عن مقتل زعيم داعش أبو بكر البغدادي- الذي يرجّح أن يتحول إلى حدث أساسي ضمن إرث دونالد ترمب.
وغرّد صهيب آثار، خبير البرامج الذي كان قد انتقل مؤخراً إلى مدينة أبوت آباد في إقليم خيبر بختنخوا، مباشرة وتلقائياً أحداث غارة مايو (أيار) 2011 التي نفّذها الفريق السادس من القوات الأميركية الخاصة التابعة للبحرية داخل المجمّع الذي مكث فيه بن لادن.
ويقول للإندبندت إنه غير نادم على تغريده تلك الليلة.
"وجدت الموضوع مسلّياً إجمالاً- ولا أعني الغارة طبعاً لأنها أمر جدّي وخطير- بل أعني سخرية القدر في أنني انتقلت من لاهور إلى أبوت آباد بحثاً عن بعض الهدوء والسكينة لأجد نفسي وسط حادثة دولية".
"لست نادماً على تغريدي تلك الليلة- لأنه تسنّى لي أن أشكّل وجهة نظر جديدة عن الإختلاف في الرؤية بين الأشخاص المتواجدين في أماكن متفرقة من العالم حين ينظرون إلى خبر واحد من جوانبه المتعددة، وعن مدى سهولة فرض الأطراف المعنية روايتها على العالم عبر حرصها على اختيار عبارات معيّنة وانتقائها حقائق معينة دون غيرها".
"أعيش الآن في إسلام أباد لكنني ما زلت أمتلك منزلاً صغيراً في أبوت اباد، حيث المقهى الذي أسسته ما زال يعمل وأنا أزور المكان كل بضعة أشهر".
"فرضت التغطية الإعلامية التي أحاطت بالحادثة حينها وما زالت مستمرة إلى الحين صورة معيّنة عن باكستان تتجدّد مع كل "ذكرى سنوية للحادث". وباكستان بلد عادي إجمالاً خارج إطار عدسة المبالغة الشديدة بالأحداث. كما عادت الحياة في أبوت آباد إلى مسارها العادي بعد اسبوعين على وقوع الحادث لكن في بقية أنحاء العالم لا يزال يُعد خبراً".
5- زلزال هايتي عام 2010
في 12 يناير (كانون الثاني) 2010 ضرب زلزال بقوة 7 درجات على مقياس رختر جزيرة هايتي، في هيسبانيولا الكاريبية.
وأسفرت الهزة المدمّرة التي ضربت منطقة تعاني بالفعل من عقود من الإضطرابات السياسية والاقتصادية- وكان 70 في المئة من سكّانها يعيشون تحت خط الفقر في ذلك الوقت - عن مقتل ربع مليون نسمة وتشريد 1.5 مليون آخرين ولجوئهم إلى المخيمات المؤقتة.
وإطّلعت الاندبندنت على تفاصيل ذلك اليوم والأشهر والسنوات التي تلته من نارومي مارلين جوزيف فتال، العاملة في وحدة الدعم النفسي التابعة لمنظمة "أطبّاء بلا حدود" التي قالت:
"إختبرت الهزة الأرضية مثل غيري وتسمرت في مكاني. ظننت أن قنبلة نووية قد انفجرت بسبب قوّة الصوت".
"رأيت أبنية وأشجاراً تنهار وتقع أرضاً واحدة تلو الأخرى... فيما اهتزّ المستشفى وهو مبنى من خمس طبقات. لم أقوَ على الذهاب إلى أي مكان- فاستلقيت على الأرض وأغلقت قبضتيّ ودعوت الله أن يساعدني".
"في الأيام اللاحقة، عملت الجرارات على التقاط الجثث كما القمامة. بعد مرور أربع سنوات على الحادثة، استشرت طبيب نفسي من أجل إبعاد هذه الصور عن ذهني".
"في المدة التي أعقبت الزلزال... كان من الضروري تقديم الدعم النفسي على نطاق واسع. وبلغ حجم الحاجة للدعم درجة هائلة بسبب وجود أهالي مثكولين وأشخاص يعانون من الإحباط وبسبب الصدمة جرّاء كل هذا الموت".
"بدأت بالعمل بدوام كامل لدى أطباء بلا حدود، كونها المنظمة الوحيدة التي اهتمّت حينها بمن يحتاجون دعماً نفسياً. يجب أن نقول أنّ الحادث أوقع الأشخاص الضعفاء بالأصل في الهاوية".
"تأثرت البشرية جمعاء بهذا الحدث. فوفاة 300 ألف شخص حدث جلل. وزادت المساعدات الدولية كما التغطية الإعلامية بشكل لافت خلال السنوات الخمس التي تلت الزلزال".
"سمعنا الكثير عن إعادة الإعمار. لكني شخصياً لم أر شيئاً. ما زلنا ننتظر".
6- الخطوط الجوية الماليزية الرحلة 370، عام 2014
عندما اختفت الرحلة 370 التابعة للخطوط الجوية الماليزية يوم 8 مارس (آذار) 2014، أصيب العالم بحال من الذهول. وما إن بات من الواضح أنّ الرحلة اختفت دون أن تخلّف أيّ أثر، امتلأت منصّة تويتر بالنظريات الغريبة وأصبحنا جميعاً خبراء في الملاحة الجوية بين ليلة وضحاها.
كما قيل لي إن المشاهدين الذين تابعوا مسلسل "لوست" (مفقود) شعروا أنّ القصّة مألوفة بشكل مخيف بالنسبة لهم. أحقّاً اختفت الطائرة؟
ولكن على الرغم من محاولات السلطات الماليزية الحثيثة وإصرارها على أنّها ستعثر بلا شكّ على الطائرة وأنّ ركّابها الـ227 وطاقمها الذي يتألف من 12 شخصاً ما زالوا على قيد الحياة، سرعان ما تبيّن أنّ الموضوع إمّا حادثة مأساوية أو حادثة اغتيال جماعي.
يتحدّث سايمون كالدر مرة جديدة عن هذا الحدث الغامض.
"عاشت الملاحة الجوية قبل 8 مارس 2014 تاريخاً طويلاً من اختفاء الطائرات المفاجئ. لكن لم ترقَ أيّ حادثة إلى المستوى الذي بلغته الخطوط الجوية الماليزية الرحلة 370".
أقلعت طائرة الخطوط الماليزية في رحلة اعتياديّة من كوالا لامبور باتّجاه بكين. وشعر العالم بحدوث خللٍ في الرّحلة لأوّل مرة حين عجز المراقبون الجوّيون في فييتنام عن الإتصال بطائرة البوينغ 777. بعد ورود تقارير كاذبة عن هبوط الطائرة في جنوب الصين على خلفية معاناتها من مشاكل تقنية، صدر إعلان عن اختفاء الرحلة 370 التابعة للخطوط الماليزية ورُجّحت فرضية وقوعها في بحر الصين الجنوبي.
وأشار البيان إلى وجود 239 شخصاً على متن الطائرة (مع أنّ البعض يتحدثون عن وجود شخص إضافي على الأقل إختبأ داخل المقصورة السفلى تمهيداً لارتكاب جريمة جماعية).
وقاد عمّال الإنقاذ عملية بحث دامت أسابيع طويلة في المياه بين ماليزيا وفييتنام ولم تسفر عن أي نتيجة. ثمّ عقد رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزّاق مؤتمراً صحافياً في كوالا لامبور أعلن فيه عن نبأ مفاجئ هو أنّ الطائرة حلّقت في الأجواء طوال ساعات قبل أن تختفي. وبيّن تحليل للإشارات الآلية التي التقطتها شركة إنمارسات للإتصالات عبر الأقمار الصناعية أنّ الطائرة 777 سارت على أحد هذين المسارين: إمّا في الشمال الغربي عبر جنوب الصين باتّجاه بحر قزوين وإمّا جنوباً فوق المحيط الهندي باتّجاه منطقة تقع غرب أستراليا.
واستنتجت السلطات أنّ حصول الفرضية الأولى من دون معاينة الطائرة مستحيل، واستلمت أستراليا عندها عملية البحث. وانطلقت رحلات استطلاع من قاعدة عسكرية شمال مدينة بيرث بهدف تفتيش منطقة الحادث المزعومة. ووضعت خطط للقيام بعملية هي الأولى من نوعها لتمشيط قاع المحيط انتهت بالفشل. وبدأ حطام الطائرة يبلغ شواطئ المحيط الهندي- لكن تحليل أنواع القشريات التي نمت على جزء من جناح الطائرة لم ينجح في المساعدة على تحديد موقع الحطام.
ويعتقد أحد الأشخاص الذين لديهم علاقة وثيقة بالحادث أنّ الطائرة ستظهر في المحيط الهندي الجنوبي حين يصبح من الممكن استخدام طائرات استكشافية بلا طيّار مُسيّرة تحت الماء وإرسال 100 طائرة أو أكثر للغوص في أعماق المحيط بحثاً عن دلائل على وجود حياة سابقة.
ودرس المحققون عدّة فرضيات بغية تفسير مسألة اختفاء الطائرة لكن كلّها تعاني من عيوب كبيرة. وأكبر الفرضيات هي قيام قائد الطائرة زاهري شاه باختطاف طائرته بنفسه عمداً إما بهدف الإنتحار وقتل كلّ الركاب أو من أجل الهبوط بالطائرة والهروب منها والنجاة.
هل اختطف أحد الركّاب أو أحد أفراد الطاقم هذه الطائرة؟ أم اختُطفت الرحلة 370 للخطوط الماليزية عن بُعد في عمل إرهابي إلكتروني متطوّر؟ هل اختبأ أحدهم في قمرة الإلكترونيات بمحاذاة غرفة القيادة واستولى على الطائرة إمّا في إطار عملية انتحارية أو بنيّة الهبوط بالطائرة فوق جزيرة بعيدة؟
لن يمكن تحديد أي رواية عن الأحداث سوى حين يستطيع الغواصون أن يدرسوا حطام الطائرة. وحتى حينها، يمكن ألّا يحصل الأقارب المفوجوعون على الرواية كاملة بما فيها كافة التفاصيل حول طريقة وفاة أحباءهم وسبب وفاتهم.
إختفاء طائرة؛ وتفجير أخرى من طراز بوينغ 777 تابعة للخطوط الماليزية بعدها بأربعة أشهر فوق أوكرانيا بصاروخ مضادّ للطائرات روسي الصنع؛ وكارثتي الطائرتين من طراز بوينغ ماكس 737 حيث تغلّب برنامج الكمبيوتر على قائد الطائرة- فيما أصبحت الملاحة الجوية بين 2010 و2019 أكثر أماناً، ربّما لا ينتاب الركّاب القلقون هذا الشعور.
7- فتية الكهف التايلنديون عام 2018
لا يمكننا أن نغفل عن ذكر عملية الإنقاذ المؤثرة الثانية من داخل كهف التي وقعت خلال هذا العقد- وهي قصة فريق كرة القدم التايلندي للناشئين الذي اختفى أعضاؤه لمدة 18 يوماً بعد أن اصطحبهم مدرّبهم في مغامرة بعد جلسة تدريب. وأدّى هطول الأمطار الغزيرة إلى ارتفاع منسوب المياه سريعاً وإغلاق مدخل كهف ثام لوانغ نانغ نن، وحبس العالم أنفاسه مرة جديدة، خوفاً في البداية - إذ لم يجر أي اتصال بالفتية خلال الأسبوع الأول قبل أن يرسلوا رسالة- ثم أملاً، حين عمل فريق متعدد الجنسيات من غوّاصي الكهوف ورواد الأعمال وأفراد العمليات البحرية الخاصة على وضع مخططات متعددة من أجل إنقاذهم.
وتوفّي أحد أفراد القوات البحرية التايلندية الخاصة أثناء العملية، وبينما لعبت الجهود التي بذلها غواصَين بريطانيين دوراً أساسياً في إعادة الفتية، عمل فريق دولي على تأمين طريقهم إلى خارج الكهف.
واضطلع بِن ريمنينس، وهو غواض كهوف بلجيكي مستقر في تايلندا بدور في عملية البحث والإنقاذ الأولية.
ولدى ظهوره في وثائقي حول العملية حمل عنوان 13 مفقوداً- عملية إنقاذ مذهلة من داخل الكهف قال "ما خطر لي للوهلة الأولى هو أنّ الوضع مذهل والكهف جميل للغاية لكن الظرف غير سعيد- ثمّ رأيت المياه التي تشبه نهراً في كولورادو والطين البني وقوة دفع المياه المتدفقة خارج الكهف ففكرت في نفسي- هذا مستحيل. لن تنجح العملية أبداً".
ومن طريق الاستعانة بخريطة مرسومة يدوياً منذ 30 عاماً فقط لا غير، اكتشف بن أنّ أحداً لم يسبق له الغوص داخل الكهف قبلاً.
"سرعان ما أدركت السبب، فالظروف خطيرة جداً بسبب التيار المائي وصعوبة الرؤية وامكانية أن تعلق بأي شيء وغيرها من القيود غير المناسبة للإنسان أبداً".
"كان أملي بخروج الفتية ضعيف جداً".
"يميل الأطفال عادة إلى النجاة لوقت أطول من البالغين في ظلّ ظروف شديدة الصعوبة طالما أنهم لا يشعرون بالذعر. أردت أن أبقي ذهني مفتوحاً على كافة الإحتمالات لكنني لم أرغب بتحويل عملية الإنقاذ إلى عملية انتحارية".
إنما قبل أن تبدأ عملية الغوص حتّى "تبخّرت كل آمالي. كان المشهد أشبه بكاسة قهوة كابتشينو هائلة الحجم بعد تحريكها بالملعقة...ظهرت دوّامة تجذبك داخلها. وهذا يشكّل ضغطاً هائلاً عليك جسدياً وفكرياً أيضاً لأنّ الجميع يتطلّع إليك من أجل إنقاذ الفتية".
لكن الفتية أنقذوا في النهاية، وجرى سحبهم بمعجزة من شبكة الكهوف المعقّدة (وليس أبداً بفضل تصميم الغواصة الذي وضعه إيلون ماسك) وتنفّس العالم الصعداء.
© The Independent