إذا سار كل شيء حسب الخطة المرسو عليها سلفاً، وهذا أمر غير مؤكد أبداً، يجب أن نسمع هذا الأسبوع ماذا سيقوله رئيس شركات السيارات الذي تحول إلى لاجئ.
وُعد العالم بأن مؤتمراً صحافياً سيُعقد، وإذا تمّ ذلك فعلاً فإن فرق الصحافيين العالميين ستحتشد كما لو كانوا مجموعة من عشاق النجمة الأميركية تايلور سويفت وهم يتدافعون أملاً باقتناص تذاكر تخولهم الجلوس في الصفوف الأمامية لإحدى حفلاتها.
السؤال الذي يفرض نفسه هو هل سيقول سيد شركات نيسان و رينو وميتسوبيشي مجتمعة، شيئاً ذا قيمة جوهرية؟ الحق أنني شخصياً أشكّ في أنه سيفعل. أتوقع أننا سنكون أمام محاولة لتبرئة الذات. بيد أن ذلك يكاد يكون عديم الأهمية. فالأمر كله يتعلق بالعرض، وقد قدم غصن سلفاً عرضاً مدهشاً كان أشبه بفيلم هوليوودي طافح بالإثارة.
قصة هروبه الكبير من اليابان، الذي خُطّط له بدقة متناهية، ونُفّذ بمساعدة شركة أمنية خاصة علاوة على طائرة خاصة، يكاد يكون غير قابل للتصديق. وكان غصن يعيش هناك طليقاً بكفالة مالية في ظل قيود صارمة كما هو مفترض، بسبب مزاعم حول ارتكابه مخالفات مالية.
أخذت تداعيات الهروب تنتشر على نطاق واسع، فثمة تحقيق يجري في إسطنبول، حيث حطّت أولاً الطائرة التي أقلته من اليابان في طريقها إلى لبنان، كما أن اليابان تحقق في القضية بدورها.
يُشار إلى أن غصن يحمل جنسية برازيلية وأخرى فرنسية بالإضافة إلى جنسيته اللبنانية.
وليس من الواضح ما إذا كان سيبقى في الشرق الأوسط ام لا، وخصوصاً أن الإنتربول قد أصدر سلفاً بحقه بطاقة بحث دولية حمراء من النوع المخصص للمطلوبين لتنفيذ أحكام أو للمثول أمام المحكمة. وعلى الرغم من أن هذه البطاقة لن تحظى بالاهتمام الكافي في لبنان، حيث لغصن أصدقاء نافذون، فالسياسة تعاني هناك من عدم الاستقرار كما أن الاقتصاد يتأرجح. ولاننسى أن غصن قد زار في سياق عمله السابق إسرائيل، التي يبقى لبنان في حالة حرب معها ويمنع لذلك مواطنيه من التعامل معها.
إذن، قد تكون هناك طائرة خاصة أخرى، ورحلة ثانية ربما تحمله إلى فرنسا التي لاتُسلّم مواطنيها المطلوبين لدول أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في خضم هذه التفاصيل كلها، تبرز روايتان.
في الرواية الأولى يبدو غصن كبطل للشركات، وشخص بات يُعرف بـ "قاتل التكلفة" وذلك قبل أن يحطّ رحالة في شركة نيسان في أعقاب إقامة التحالف بين الشركتين. كان غصن في تلك الفترة مهندس الانتعاش الذي لم يكن متوقعاً، لا بل كان ينظر اليه على أنه مستحيل.
كان حينذاك موضع حفاوة، كما كُرست له بعض قصص مانغا التقليدية اليابانية المصورة، ما يمثل تعبيراً عن ثناء كبير نظراً إلى النفوذ الذي تحظى به الثقافة في اليابان، وهو أمر لا يستطيع الغربيون أن يقدروه.
في هذه الرواية، تُوصف التهم الموجهة إليه بارتكاب مخالفات مالية، تتصل بإساءة الاستعمال المزعومة لأصول الشركة وتقديم بيانات كاذبة مزعومة أيضاً عن راتبه الفلكي، بأنها سياسية الطابع وتمثل محاولة من جانب السلطات اليابانية لإطاحة أجنبي متغطرس كبُر حتى لم تعد ثيابه تتسع له.
غالباً ما يرغب أولئك الذين يتفقون مع هذا التوصيف بالإشارة إلى المخالفات الأشد خطورة التي يرتكبها كبار المسؤولين التنفيذين في الشركات تتعرض للتجاهل بانتظام في اليابان. وقد لفتوا النظر أيضاً إلى نظام " عدالة الرهينة" المطبق هناك، والذي يقضي المتهمون بموجبه فترات زمنية طويلة رهن الاعتقال في ظروف قاسية، يبقون خلالها في حالة من الاعياء جرّاء عمليات الاستجواب المستمر التي يخضعون لها بغرض انتزاع الاعترافات منهم التي يستند إليها فريق الادعاء في مقاضاتهم. وقد مكث غصن في السجن بظروف كهذه 120 يوماً.
أما الرواية الثانية فتنصّ على أن غصن كان رجلاً طمس الحدود بينه وبين الشركة، وذلك على نحو كثيراً من نراه لدى المدراء التنفيذين الأقوياء، وقد خرق القانون في سياق ذلك. وبصرف النظر عن الخلفية السياسية، يبقى انتهاك القانون انتهاكاً للقانون ومن الضروري ملاحقة مرتكبها. والحق أن من المهم توجيه رسالة لأشباه غصن من المدراء الأقل نفوذاً منه، وهم كثر.
من المرجح أن في كل من الروايتين بعض الحقيقة. ولكن ليس هناك هامش كبير للاتفاق أوالحلول الوسط، بين هذه وتلك.
حالة غصن هي واحدة من الحالات التي يميل الآخرون إلى الوقوف إلى جانب أحد الطرفين، والبقاء في صفه ، بغضّ النظر عن الحقائق، التي طُمست على أي حال بواسطة ضباب أشد كثافة من ذاك الذي تجده في سان فرانسيسكو خلا لفصل الصيف.
والواقع أن ذلك الضباب لن يتبدد في أي قاعة محكمة. صحيح أن الصحافيين والكتّاب سيتسابقون كي يحاولوا تبديده، ولكن هيهات أن يفعلوا. هناك حقوق عمل فيلم عن هذه الوقائع معروضة للبيع. والقصة تبدو سلفاً كأحلام كاتب سيناريو يعاني من الحمى، كما أن هناك فصولاً لم تُكتب بعد.
لذا، استرخِ يا عزيزي. عليك بالبوب كورن وأنت تمتع ناظريك بالعرض.
© The Independent