إن مشروع قانون بريكست هو التشريع الذي سيُخرج بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي من وجهة نظر القانون البريطاني. ولابد أن يكون مشروع قانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، في إصداراته المختلفة على مدار العامين الماضيين، صاحب الرقم القياسي، إذا صحّ التعبير، من حيث التعقيد وطول المدة التي استغرقها للمرور في البرلمان، إذ خضع للتعديل مراراً ورفضه النواب أحياناً، بفوارق تاريخية في الأصوات بين مؤيديه ومعارضيه، حتى أنه سُحِب قبل أن يُعاد طرحه مثل سيارة محطّمة في سباق السيارات القديمة.
لكن يبدو أن مشروع القانون سيصبح تشريعاً نافذاً بعدما تجاوز المناقشة الثالثة في مجلس العموم، ما يعني أنه لم يعد بإمكان النواب تعديله. وبفضل الأغلبية الساحقة للحكومة، بات طريق مشروع القانون خالياً من العقبات التي اعترضته في ظل حكومتيْ تيريزا ماي وجونسون السابقتين، وكانتا حكومتيْ أقلية.
سيُطرح مشروع القانون حالياً على مجلس اللوردات، حيث لا تتمتع الحكومة بالأغلبية. وبموجب اتفاقية سالزبوري، لا يمكن للمجلس رفض المشروع، وذلك لأن بريكست كان بوضوح جزءاً مهماً من البيان الانتخابي للمحافظين عام 2019 ويُنظر إليه على أنه يحظى بدعم شعبي. لكن يمكن للوردات تعديل بعض التفاصيل، ويبدو أنهم يميلون إلى إعادة إدراج فقرة من نسخة سابقة من مشروع القانون. وتدعو هذه الفقرة الحكومة إلى التفاوض مع الاتحاد الأوروبي على صفقة تسمح لأطفال اللاجئين غير المصحوبين بذويهم بالانضمام إلى أفراد أسرهم الموجودين حاليا في المملكة المتحدة بشكل قانوني. وعند عودة هذا التعديل إلى مجلس العموم، قد يرفضه النواب أو يقبلوه. بعد ذلك، سيذهب مشروع القانون إلى الملكة للحصول على موافقة ملكية رسمية، ويغدو قانوناً قبل موعد تنفيذ بريكست المزمع في31 يناير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سيشكل هذا نهاية لإحدى المعارك السياسية، وبداية لمعركة جديدة. وتشير تدخلات أورسولا فون دير لاين، الرئيسة الجديدة للمفوضية الأوروبية، وميشيل بارنييه، كبير المفاوضين في الاتحاد الأوروبي، الأخيرة، إلى أن إبرام اتفاقية التجارة الحرة التي تفضّلها الحكومة البريطانية لن يكون سريعاً ولا سهلاً.
يعتقد بارنييه، على سبيل المثال، أنه في أفضل الأحوال، قد يُقرّ الجانبان العناصر المتعلقة بالسلع في اتفاقية التجارة هذه، وذلك قبل حلول 31 ديسمبر (كانون الأول) 2020 الذي تريده المملكة المتحدة موعداً نهائياً للتفاوض. ولا تمثل السلع الأساسية، رغم أهميتها، سوى جزءاً من التجارة البريطانية مع الاتحاد الأوروبي. ولن تغطي الاتفاقية قطاع الخدمات، بما في ذلك مدينة لندن والخدمات المالية، في إطار الجدول الزمني الذي وضعه بارنييه. ومع اقتراب الموعد النهائي للتوصل إلى صفقة تجارية، ستهدد حكومة المملكة المتحدة بالخروج من دون اتفاق، كما فعلت من قبل انطلاقاً من قناعات متفاوتة الصلابة. صحيح أن مشروع قانون الخروج من الاتحاد الأوروبي ينص على استبعاد تمديد هذا الموعد النهائي، إلا أن العودة عن ذلك ممكنة بسهولة إلى حد ما، شريطة ألا يكون البرلمان في عطلة.
في غضون ذلك التزمت أورسولا فون دير لاين بالتفويض الممنوح لها من الدول الـ 27 المتبقية في الاتحاد الأوروبي، إذ أعلنت بوضوح أن الاتحاد الأوروبي يريد من المملكة المتحدة أن تلتزم بمعاييره إذا كانت تريد الوصول إلى السوق الموحدة بدون رسوم أو حصص جمركية. وكما قالت في كلمة ألقتها بكلية لندن للاقتصاد، فإن هذا ينطبق على نطاق واسع. وأوضحت أن " كل قرار ينطوي على مقايضة، ومن دون حرية تنقل الأشخاص، لا يمكنك التمتع بحرية تنقل رأس المال والسلع والخدمات. ومن دون أرضية متكافئة حول البيئة والعمل والضرائب والمساعدات الحكومية، لا يمكنك التمتع بأعلى مستويات الجودة في الدخول إلى أكبر سوق منفرد في العالم."
بالتالي، قد يقرر الاتحاد الأوروبي ضمنياً فرض رسم جمركي على السلع البريطانية كلها أو بعضها، أو تقييد الوصول إلى أسواق الخدمات إذا شعر أن البريطانيين يحاولون الحصول على ميزة تنافسية "غير عادلة" من خلال تحرير القواعد وتخفيف القيود. لكن سيؤدي هذا إلى الانتقاص من الغاية الأساسية لبريكست التي تتمثل في تمكين المملكة المتحدة من اتخاذ قراراتها الخاصة بحرية كاملة، بما يتناسب مع الاحتياجات البريطانية، أي "استعادة التحكم".
وكما تقول الحكومة، قد يعني ذلك في بعض الحالات أن المعايير ستصبح أعلى والتكاليف سترتفع، كما هو الحال في قطاع رعاية الحيوانات. وفي مجالات أخرى، مثل التصنيع، قد يؤدي ذلك إلى تقليص حقوق العمال، أو تخفيف بسيط في صرامة قوانين في التعامل المصرفي. ويعتبر الدخول إلى مناطق الصيد واحداً من الموضوعات الحساسة والمعقدة تحديدا بالنسبة لكلا الجانبين. فبينما تُستورد معظم الأسماك التي تُعالج في المملكة المتحدة من دول الاتحاد الأوروبي أو دول المنطقة الاقتصادية الأوروبية، أي النرويج وأيسلندا، يجري تصدير معظم المنتجات النهائية لهذه المعالجة إلى الاتحاد الأوروبي.
هذه إذاً هي المقايضات التي ستزعج فريقيْ التفاوض في الأشهر المقبلة. وبمعنى آخر، نحن لسنا بصدد نهاية بريكست رغم ما تردد عن أن الوزراء قد طُلب منهم تجنّب استخدام هذا المصطلح الكبير، للدلالة على بداية جديدة. إن بريكست لم ينتهِ بعد، ولم تبدأ للآن حتى النقاشات الأكثر إثارة للخلاف.
© The Independent