بمرور الأيام يتصاعد التضارب في التصريحات بين أركان السلطة في إيران، لا سيما بين الرئيس حسن روحاني وقادة الحرس الثوري، على إثر "إسقاط" عناصر الأخير لطائرة ركاب أوكرانية يوم الأربعاء الماضي، مخلفة نحو 176 قتيلا أغلبهم من الإيرانيين والكنديين، والتي أعلنت القوة العسكرية الأقوى في البلاد مسؤوليتها عنه بعد أيام من النفي.
ووفق مراقبين، فإن حدة التلاسن وتبادل الاتهامات بين روحاني وقادة الحرس الثوري، تنذر بأن الصراع الذي كان مقتصرا على الغرف المغلقة، بات يظهر إلى العلن في أوج أزمة غير مسبوقة تواجهها البلاد، بما في ذلك احتجاجات وسخط شعبي واسع ضد السياسات الاقتصادية والأمنية للحكومة منذ عدة شهور.
صراع في العلن
على ضوء التصريحات المتباينة بين روحاني والحرس الثوري، قالت صحيفة "التلغراف" البريطانية، "إن حدة التوترات بين الطرفين تصاعدت بعدما اتهم مكتب الرئيس قوات النخبة العسكرية بتضليلهم بشأن إسقاط الطائرة الأوكرانية عن طريق الخطأ. بينما اتهم الحرس الثوري حكومةَ روحاني بالتخلي عنهم في مواجهة الغضب الشعبي من الحادث". وهو ما أقرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، بأن محاولات الحرس الثوري "الكذب" على العالم أجمع والتملص من الجريمة تسبب في "أزمة كبيرة بشرعية النظام بأكمله"، معتبرة أن هذه الأزمة تضاف إلى الغضب الشعبي الواسع الموجود مسبقا بسبب الأزمة الاقتصادية الموجود منذ أكثر من شهرين ويعبر عن نفسه بمظاهرات في مختلف أنحاء البلاد.
وبحسب "التليغراف"، فإن الانتقادات التي وجهها مكتب الرئيس روحاني للحرس الثوري واتهامه بخداعه بخصوص إسقاط الطائرة الأوكراني، أظهر مدى التباين بين الطرفين إلى العلن. مضيفة، أنه "مع اليوم الثالث من المظاهرات بمختلف المدن الإيرانية بدا واضحا أن روحاني يوجّه الغضب الشعبي باتجاه أكثر أعدائه تشددا في الحرس الثوري".
وكان المتحدث باسم الحكومة، علي ربيعي، أعلن في وقت سابق، "أن الحرس الثوري أخبر الرئيس على نحو زائف بأنهم لم يكونوا متورطين، عندما كان يحاول توضيح سبب نفي إيران خلال الأيام الأولى التالية للحادث"، مضيفاً، "كل السلطات المعنية أكدت لنا عدم سقوط الطائرة الأوكرانية بسبب أي صواريخ إيرانية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر التقرير، أنه "في الوقت نفسه كشف عن تسجيل مسرب لأحد قادة الحرس الثوري يشكو من أن حكومة روحاني تركتهم عرضة للغضب الشعبي بسبب إسقاط الطائرة الأوكرانية"، مشيرا إلى أن التسجيل نشره موقع تابع للمعارضة وهو "بي واي كي نت"، ويُظهر فيه قائد بارز في الحرس الثوري يتحدث في غرفة مليئة بالضباط مطالبا إياهم بامتصاص الغضبة السياسية.
وتابعت "تليغراف"، "وفق التسجيل المسرب فإن القائد قال إن الحكومة كان من الممكن أن تنتظر شهرين أو ثلاثة قبل أن تعلن الحقيقة لتسمح للحرس الثوري بالحصول على دعم وتعاطف شعبي أكبر على خلفية اغتيال قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني وما تلاه من قصف لقاعدتين عسكريتين توجد فيهما قوات أميركية بالعراق"، مضيفا "أن حكومة روحاني لم تُظهر أي نوع من التقدير للحرس الثوري الذي قمع مظاهرات معادية لها قبل أسابيع".
كما ذكر القائد العسكري، الذي ظهر في ذات الفيديو، أن "بيان الحكومة والاعتراف بسبب سقوط الطائرة مخزٍ للغاية. لم يكن ينبغي أن يلقي البيان باللوم على الحرس الثوري بالكامل، كان يكفي القول إنه خطأ فردي".
واليوم الثلاثاء، قال الرئيس روحاني، "إن بلاده ستبذل كافة الجهود من أجل مواصلة تقصي الحقائق في حادث الطائرة الأوكرانية، التي أسقطت بصاروخ بعد إقلاعها من مطار الخميني الأربعاء الماضي، مما تسبب في مقتل ركابها الـ176 (معظمهم من حملة الجنسيتين الإيرانية والكندية، وبعضهم من أوكرانيا وأفغانستان وبريطانيا والسويد)".
وتعهد روحاني، في كلمة بثها التلفزيون، بألا يتكرر مثل هذا الخطأ الذي اعتبره "لا يغتفر"، مطالباً السلطة القضائية بتشكيل محكمة خاصة برئاسة قاض متخصص للنظر في الحادث، كما طالب أعضاء الحكومة بالوقوف إلى جانب أسر الضحايا.
واعتبر الرئيس الإيراني أن اعتراف القيادة العسكرية بإسقاط الطائرة "خطوة جيدة"، وقال، "إن على المسؤولين توضيح سبب التأخير في إعلان أسباب سقوط الطائرة". وأضاف "أن المسؤول عن إسقاط الطائرة يجب أن يلقى جزاءه بمعزل عن منصبه"، مؤكدا "أن حكومته مسؤولة أمام الأمة الإيرانية والدول الأخرى التي فقدت رعايا في الحادث".
والسبت الماضي، أعلن بيان لهيئة الأركان "أن منظومة دفاع جوي تابعة لها أسقطت طائرة الركاب الأوكرانية إثر خطأ بشري، لحظة مرورها فوق منطقة عسكرية حساسة". وكانت طهران أنكرت في البداية سقوط الطائرة بسبب صاروخ، وقالت "إنها تمتلك أدلة مقنعة في هذا الإطار".
أبعاد الخلاف في هرم السلطة
بحسب تقرير "التليغراف" ذاته، فإن التوترات بين الحكومة المعتدلة نسبياً بقيادة روحاني والحرس الثوري الأكثر تشدداً تعود إلى سنوات عدة، إذ يدافع روحاني عن التعامل الدبلوماسي والعلاقات مع الغرب، بينما ينادي قادة الحرس الثوري باستمرار عزلة البلاد.
وهدد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، بالاستقالة العام الماضي بعدما حلّ سليماني مكانه في اجتماع مع بشار الأسد". مضيفة "أن مواجهة الغضب الشعبي المتزايد بسبب الطائرة الأوكرانية المنكوبة، واقتراب الانتخابات البرلمانية المقررة في فبراير (شباط) المقبل، صعد الخلاف بين الجانبين.
ويقول مايكل هورويتز، رئيس وحدة الاستخبارات في شركة "لو بيك" للاستشارات الجيوسياسية، "إنه بالنسبة لروحاني، فإنها فرصة فريدة كي يتغلب على الحرس الثوري، وهي الفرصة الأولى له منذ انسحاب الرئيس الأميركية دونالد ترمب من الاتفاق النووي الإيراني، الأمر الذي أضعف موقف روحاني واستراتيجيته القائمة على التفاوض مع الغرب". معتبراً "أن الحرس الثوري كان يكتسب نفوذاً متزايداً منذ الانسحاب الأميركي، ولا أعتقد أن روحاني قد يفوت تلك الفرصة للنيل من الحرس الثوري وإضعاف مصداقيته ونفوذه لدى الشعب الإيراني".
ووفق دراسة حديثة لمركز "كارنيغي" الأميركي، "فإن تنامي سيطرة الحرس الثوري على مفاصل الدولة بشكل كبير منذ عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، يمثل أحد مواطن الخلاف مع روحاني، الساعي جاهدا لمعالجة الأزمة الاقتصادية، التي كان يأمل أن تنفرج بعد توقيع الاتفاق النووي مع قوي الغرب في 2015، وهو ما لم يحدث". واعتبرت "أن هذه الأزمة قد تشكل فرصة لروحاني لإحداث التغيير المطلوب في إيران، لكن عوائق استغلالها قد لا تسمح بذلك".
مقطع مصور جديد لإصابة الطائرة
وفي جديد قضية الطائرة الأوكرانية المنكوبة، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الثلاثاء أن لقطات مصوّرة جديدة، سجّلتها كاميرا أمنية، أظهرت إصابة صاروخين إيرانيين الطائرة التجارية الأوكرانية بفارق نحو 30 ثانية.
وقالت الصحيفة إن الصاروخين أطلقا من منشأة عسكرية إيرانية تبعد نحو 12 كيلومتراً عن الطائرة. وأضافت أن أياَ من الصاروخين لم يسقط الطائرة على الفور وأن التسجيل المصوّر أوضح أن حريقاً شبّ فيها فعادت صوب مطار طهران.