في الصيف الماضي، أحدث عقار هلوسة جديد اسمه "غبار القردة" Monkey Dust موجة انتحار في أوساط الشبيبة عالميّاً، وصلت إلى دول عربيّة عدّة. وحاضراً، ينظر القضاء البريطاني قضيّة تتعلق بمصرع شابة بتأثير عقار هلوسة ربما يكون أكثر شدّة من معظم المُشابِهَة التي سبقته. ويحمل هذا العقار اسم "2- سي بي" 2- cp. ربما يصلح الاسم مدخلاً للحديث عنه، خصوصاً بالنسبة إلى هواة البحث عن المعلومات على الـ "ويب"، لأنه يتشابه لفظاً مع عقار هلوسة آخر هو "2- سي بي" 2- cb.
ويشترك الاثنان في أنهما ينتميان إلى عائلة عقاقير ابتكرها البروفسور آلكسندر شولغين في أواخر الستينات من القرن العشرين، وتشتهر بمصطلح "2 سي" 2 c الذي يشير إلى أن تركيبتها الكيماويّة تتضمن تعديلاً لذرتين من الكربون carbon (ومنه جاء الحرف "سي" c)، في مادة شديدة التأثير في الجهاز النفسي- العصبي للإنسان، هي "فنتيلامين" phenethylamine. وتتضمن عائلة "2 سي" المركب الشهير "إكستازي" Ecstasy الذي عُرِفَ باسم عقار الهلوسة، بل إن تلك العائلة كلها يشار إليها بأنها عقاقير هلوسة. وتضم قائمتها مركّبات مثل "دوبامين" (الذي يرتبط بالإصابة بالشيزوفرينيا)، و"إيبنيفرين" المنشط (قريب الصلة بالـ "إدرينالين" الذي يفرزه الجسم في حالات الخوف والفرغ والاستنفار في مواجهة المخاطر)، والـ "ميثأفيتامين" المُشابِه لمادة "أمفيتامين" وهي من المنشطّات المعروفة وغيرها.
وإذا أعدنا قراءة الجملة الأخيرة، يتضح أن تأثيرات عائلة "2 سي" تشمل إحداث أعراض شبيهة بالشيزوفرينيا (خصوصاً الهلاوس البصرية التي تجعل الإنسان يرى أشياء غير موجودة، تكون مرعبة غالباً، إضافة إلى أفكار مخيفة تشمل الانتحار)، والاستنفار المُفرِط لأجهزة الجسم وتنشطيها كأنها تعيش حال فزع دائم (يشبه ذلك أن تنخس حصاناً إلى ما لانهاية، فلربما قضى من الإجهاد الزائد)، وإثارة مشاعر متناقضة تشمل الإحساس بنشوة كبرى يخالطها خوف منفلت وإحساس بفقدان القدرة على السيطرة، والتفكير المُلِحْ بالانتحار. ويضاف إلى ذلك أنها ترفع حرارة الجسم، مع زيادة دقات القلب إلى حد إنهاكه وفقدانه القدرة على الخفقان، ما يدخل الإنسان في غيبوبة مميتة. وأخيراً، يكمن الفارق بين 2- cp و2-cb في أن المادة الأولى هي أقوى تأثيراً وإضراراً بالدماغ والجهاز النفسي- العصبي للإنسان، بل بأضعاف مضاعفة، وهي التي ستكون موضع نقاش بقية المقال.
منذ ظهورها على يد البروفسور شولغين، وُصِفَتْ تلك المركّبات بأنها "عقاقير مُصَمَّمَة" Designer Drugs. ويعني ذلك أنها تُصنع قصداً كي تكون مماثلة لمواد مخدرة أو مُنَشّطة محظورة كالكوكايين والهيرويين والأفيون وغيرها.
عندم اتصبح النشوة موتاً
عن تأثيرات تلك المادة ("2- سي بي")، تقدّم مجموعة من الأشخاص بشهاداتهم أمام محكمة بريطانيّة تنظر في مصرع فتاة بريطانيّة في خريف العام 2017، بعيد تناولها تلك المادة في سياق احتفالي تمثّل في حضورها مع صديقها إلى مهرجان "بستيفال" Bestival الموسيقي الشهير. وعمد ذلك الصديق إلى تصويرها عقب تناولها "2- سي بي" (ربما مع عقاقير أخرى)، كي يصنع فيلماً يتضمن التأثيرات السلوكية والعاطفية لذلك العقار. وأصرّ ذلك الصديق على متابعة التصوير، حتى بعد أن تبيّن أن الشابة باتت لا تطيق تأثير "2- سي بي" عليها، بل إنها خرجت على غير هدى محاولة الوصول إلى المستشفى الميداني الملحق بمهرجان "بستيفال". وقضت تحت تأثير مفاعيل تشمل الارتفاع المفرط في حرارة جسمها، والتسارع الكبير في دقات القلب، وصولاً إلى عدم قدرته على معاودة الخفقان وغيرها. وقبيل موتها، تمكّنت من الاتصال بأهلها الذين اتصلوا مراراً بصديقها طالبين منه نقلها إلى المستشفى أو مساعدتها في ذلك، لكنه لم يستجب، ما اعتبرته المحكمة إهمالاً جنائيّاً بحق الضحية. في المقابل، قدّم الصديق المتهم شريطاً يظهر أن الفتاة البريطانية تناولت "2- سي بي" برضاها، بل إنها وصفت تجربتها بأنها نشوة لم تعرف مثلها في حياتها.
ويبدأ فعل "2- سي بي" في الظهور بعد ساعتين من تناولها، وتشتد في الساعتين التاليتين، ثم تستمر على ذلك المستوى المرتفع أربع ساعات أخرى، ثم تخفت تدريجاً. ربما قدّمت الكلمات السابقة ملامح من التأثيرات الشديدة الوطأة لمادة "2- سي بي"، وما يشبهها من المواد المؤثّرة نفسيّاً على تلك الشاكلة. ومنذ ظهورها على يد البروفسور شولغين، وُصِفَتْ تلك المركّبات بأنها "عقاقير مُصَمَّمَة" Designer Drugs. ويعني ذلك أنها تُصنع قصداً كي تكون مماثلة لمواد مخدرة أو مُنَشّطة محظورة كالكوكايين والهيرويين والأفيون وغيرها. وبالأحرى، فإنها تُصنع عبر التلاعب بمكوّنات كيماوية أساسيّة في تلك المواد المحظورة، خصوصاً الـ "فنتيلامين". وفي العام 1991، أصدر شولغين كتاباً سماه "قصة حب كيماويّة"، ضمّنه شرحاً تفصيليّاً لطرق صنع قرابة 200 مادة مؤثّرة نفسيّاً وعصبيّاً، مشتقة كلها من الـ "فنتيلامين". ومنذ مطالع الألفية الثالثة، شكّلت الإنترنت أداة فضلى لتجارة تلك المواد التي تتمّ بعيداً من كل أنواع الرقابة الطبيّة والحكومية.
تذكّر عن "غبار القرد"
ربما يألف جمهور السينما العربيّة بعض أعراض حبوب الهلوسة، التي عرضتها أفلام كثيرة من بينها "الفيل الأزرق". وكذلك يعرف المهتمون بأمر رواج تلك المواد بين الشباب المعاصر، أنها تسمّى "عقاقير الحفلات" Party Drugs. ولعل موت الفتاة البريطانيّة بتأثير تناولها عقار "2- سي بي" في سياق حفل موسيقي شبابي ضخم، هو نموذج عمّا تتضمنّه تلك التسمية.
في المقابل، ربما يفيد تذكّر عقار مشابه لـ "2- سي بي"، ويرتبط بظاهرة الانتحار أيضاً، هو "غبار القرد". وفي صيف العام 2018، وصفت صُحُفٌ بريطانيّة تأثيرات ذلك العقار المُهَلوِس بعبارات مثل "إنّه يجعل من يتنشقه يشعر بقوة خارقة"، و"بعد تنشق بودرة "غبار القرد"، و"بريطانيّون يأكلون وجوه الناس وينتحرون بالقفز من أمكنة مرتفعة"، و"بريطانيوّن يتصرفون كأنهم موتى- أحياء ("زومبي"): يأكلون لحوم البشر وينتحرون" وغيرها. وآنذاك، راج في الإعلام العام نقاش عن رواج تلك العقاقير في أوساط الشبيبة من جهة، وأنواع من الموسيقى الإلكترونية والسعي إلى نيل نشوة عارمة والشعور بالقوّة والعظمة، وصولاً إلى احتقار الآخرين بل الحياة نفسها. وكذلك اشتُهِر العقار البريطاني الجديد بأسماء كـ "غبار الزومبي" و"غبار أكلة لحوم البشر" و"العقار الجديد للشيزوفرينيا" وغيرها.
وتحدثت تقارير صحافيّة شتى عن تأثيرات "غبار القرد"، وهي تشمل الإصابة بحالة فصاميّة تشبه الشيزوفرينيا، مع هلوسات بصرية (رؤية أشياء غير موجودة تكون مبهجة ومنتشية، أو محزنة ومحبطة ومُحَطِّمة)، وأفكار غير واقعية كوهم امتلاك قوة جسدية فائضة تجعل السيطرة عليهم عند العلاج صعبة تماماً وغيرها. ولعل الأسوأ هو ذلك الشعور الفائض بالاضطهاد وأوهام عن وجود من يحاول القضاء عليهم، ما يدفعهم إلى الانتحار، وغيرها. وكذلك لفتت التقارير إلى أن الاسم العلمي لذلك العقار هو "آم دي بي في" MDPV، ويكون على شكل غبار بلون بني فاتح، لكن رائحته ليست فوّاحة. وفي الغالب، يؤخذ من طريق التنشق أو التدخين، وأحياناً من طريق الفم أو الشرج أو حتى حقناً في الوريد. وتترافق الطرق الأخيرة مع مخاطر الإصابة بالإيدز أو فيروس التهاب الكبد. ويظهر مفعوله خلال نصف ساعة، ويصل إلى ذروته خلال ساعة، ثم يخبو خلال 4 ساعات.