سنوات تسع مَضت على خروج الشباب المصري في الـ25 من يناير (كانون الثاني) 2011 إلى الشارع، مطالبين بإسقاط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وخلال تلك السنوات لم ينقطع الجدل حول مدى نجاح الثورة في تحقيق شعارها الأشهر "عيش... حرية... عدالة اجتماعية"، أو الإيمان بها سواء أكانت ثورة أم مؤامرة.
ومؤخراً، أضيف جدلٌ جديدٌ حول ما إذا كان إرث يناير ما زال حاضراً في المشهد السياسي المصري أم لم يعد موجوداً بعد كل التغيّرات التي حدثت خلال السنوات الماضية.
الفرصة الضائعة
الدكتور عمرو الشوبكي، عضو أول برلمان مصري بعد إطاحة مبارك، وصف (25 يناير) بأنها "فرصة ضائعة"، مبرراً ذلك بأنها "كانت التجربة الأولى منذ تأسيس محمد علي الدولة المصرية عام 1805 التي حدث بها محاولة تغيير من خلال نزول الشعب ورفع شعارات سياسية مناهضة الحكومة والنظام السياسي".
يقول الشوبكي، "ثورة يوليو (تموز) 1952 جاءت من قلب مؤسسات الدولة عن طريق ضباط بالجيش، وثورة 1919 كان وراءها سعد زغلول الذي كان وزيراً للمعارف، أمَّا يناير فقد كانت حراكاً شعبياً دون زعامات".
ويرى الشوبكي أن ثورة يناير "لم يُكتب لها النجاح في حكم البلاد، ولم تتحقق شعاراتها (عيش، حرية، عدالة اجتماعية)، لعدة أسباب أهمها تجربة الإخوان المسلمين في السلطة ومشروعهم في التمكين، مع تجاهلهم إقامة نظام ديموقراطي قائم على الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، إلى جانب تركيز شباب الثورة والقوى السياسية على النشاط الاحتجاجي وحصار مقرات الأجهزة والوزارات والاشتباك مع الأمن، وعدم تقديم بديل للنظام القائم، ما أدى إلى شعور المواطنين بالملل من تواصل الاحتجاجات".
وأضاف، "إهدار فرصة الثورة في أن يحكم الشعب نفسه وفق نظام ديموقراطي ودولة قانون لا يعني أن القيم الأساسية التي خرج من أجلها الناس في يناير انتهت، لأنها ستظل تمثل طموح غالبية المصريين، حتى لو لم يستطيعوا التعبير عن ذلك".
وتابع، "من الجوانب الإيجابية التي أسفرت عنها الثورة أنه للمرة الأولى في تاريخ مصر تغيير الحاكم يأتي من خلال نزول الجماهير إلى الشارع، وبذلك أُسقطت نظرية أن الشعب خارج أي معادلة للتغيير، وبالتالي أصبح الشعب طرفاً أصيلاً في معادلة السياسة والحكم للمرة الأولى في تاريخ الدولة المصرية الحديثة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أمَّا طارق الخولي عضو مجلس النواب عن حزب مستقبل وطن، فيؤكد أنه لا يمكن لأكثر المتشائمين أن ينكر أن "مصر الآن ليست مصر ما قبل يناير 2011، لأن الثورة وتبعاتها بوصول الإخوان إلى الحكم ثم ما حدث في 2013 غيَّر وجه مصر سياسياً واجتماعياً واقتصادياً".
وأضاف، "من أهم التغييرات السياسية أنه قبل 2011 لم يكن معلوماً موعد رحيل رئيس الجمهورية عن الحكم على عكس الآن، حتى بعد التعديلات الدستورية العام الماضي ما زالت مواعيد الانتخابات ورحيل رأس السلطة التنفيذية معلوماً، إلى جانب تمثيل الشباب في البرلمان وفق نص دستور 2014 ومحاولات دمجهم في السلطة التنفيذية من خلال مناصب نواب الوزراء والمحافظين".
على الرغم من النصّ على أن 25 يناير (ثورة شعبية) في ديباجة الدستور المصري 2014، لكن ما زال الكثير من الأوساط الشعبية والإعلامية تنظر إليها بعين التشكيك وربما الكراهية، لذلك تثور التساؤلات حول مدى بقاء الثورة في العقل الجمعي المصري.
ويؤكد الشوبكي، أن "يناير ثورة مختلفٌ عليها بين الشعب المصري"، فهناك مجموعة متحفظة للغاية تجاهها، وهو ما يراه الشوبكي "طبيعياً في أي دولة تشهد تغييراً"، بينما هناك من هم "شديدو التأييد للثورة"، ويوجد قطاع ثالث "نسى أحداث يناير بسبب تلاحق الأحداث، لكن لا يزال داخله قيم الثورة ويبحث عنها، لكن ليس بالضرورة عبر استنساخ أحداث الثورة، ربما يكون بعضهم ليس مقتنعاً بأن التغيير يكون من خلال ثورة، لكنه يؤيد أفكار الديموقراطية ودولة القانون، وبالتالي فهم متمسكون بالفكرة أكثر من الفعل الثوري".
ثورة على أطرافها مؤامرة
واعترف الخولي، أن كثيراً من فئات الشعب "ليست على وفاق مع ثورة يناير"، وأرجع ذلك إلى أن هناك قلة من الشباب المُشارك في الثورة قدَّم "خطاباً سياسياً وإعلامياً منفراً للمزاج والرأي العام، ما أعطى الفرصة لمعارضي الثورة لاصطيادها والنَيل من سمعتها، إلى جانب تقديم صورة سيئة من جانب الذين حاولوا الاستيلاء على السلطة من خلال الثورة".
وعلى الرغم من اختلاف الخولي مع من يرون أن 25 يناير كانت "مؤامرة"، فإنه أشار إلى أنها ثورة "حدثت على أطرافها مؤامرات"، لأن جهات كثيرة "حاولت استغلال الثورة لتحقيق أهداف سياسية معينة"، وفي مرحلة لاحقة دخلت أطراف أجنبية حاولت سرقة الثورة، لذلك كانت 30 يونيو (حزيران) 2013 تصحيح مسار حركة 2011، وأعادت الثورة إلى أحضان الشعب.
الخولي، الذي كان أحد أعضاء حركة (6 أبريل)، التي كانت من أبرز الحركات الثورية خلال يناير، يرى أن معظم قادة الحراك أو شباب الثورة "ارتكبوا خطأ شديداً بأنهم تحجّروا عند مرحلة الاحتجاج، ولم يتطوروا إلى ترجمة شعارات الثورة إلى برنامج يشاركون من خلاله في الحياة السياسية"، على الرغم من أن الاحتجاج لا يمكن أن يستمر إلى الأبد.
وأرجع ذلك الخطأ إلى ما سمّاه "النقاء الثوري والترفّع عن السلطة"، إضافة إلى "الخوف من المزايدات والاتهام ببيع الثورة"، مؤكداً أنه من الصعب حالياً على تلك الوجوه أن تعود إلى الحياة السياسية، لأن "الزمن تجاوزها بعد مرور 9 سنوات، وخروج جيل جديد للعمل السياسي".