صار من الشائع في الهند التي يترّأس حكومتها ناريندرا مودي، أن تتحدّث شخصيّات سياسية رفيعة المستوى عن العمّال المهاجرين المسلمين بعباراتٍ مهينة للغاية، فعادةً ما يسمّونهم "متسلّلين"، وأحياناً يشبّهونهم بـ "النمل الأبيض". هذا الخطاب لقي ترجمة على الأرض خلال الأسبوع الجاري في مدينة بنغالورو الرئيسية (بنغالور سابقا)، حيث هُدمت أكواخ يقطنها مئات العمّال بذريعة أنهم كانوا يأوون "مهاجرين اشتُبه في أنهم غير شرعيّين".
هذا الإجراء الذي جرى بمشاركة الشرطة في ما يبدو من دون أوامر رسمية، ترك مئاتٍ من المشرّدين على قارعة الطريق، وقد اضطُر بعضهم إلى تشارك مساحاتٍ ضيّقة ومحدودة في أكواخ لا تزال قائمة، أو إلى النوم في الشوارع.
وبينما اعتبرت سلطات المدينة أن الحادث هو من تصرّف مسؤول متغطرس على مستوى رسمي متوسّط، رحّب به الفرع المحلي لحزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم الذي يتزعمه رئيس الوزراء مودي، معتبراً أنه "قرار صحيح".
بدأ الحادث يوم الأحد الماضي عندما انطلق رجال بجرّافات "جي سي بي" محاطين بأفراد من الشرطة بلباسٍ مدني، ودخلوا إلى مستعمرة عشوائية مكوّنة من نحو 600 منزل في كاريامانا أغراهارا شرق المدينة. وأعلنوا أن جميع المقيمين فيها كانوا من المهاجرين البنغلاديشيّين غير الشرعيّين، وبدأوا في تدمير منازلهم.
وتُظهر مقاطع فيديو انتشرت منذ ذلك الحين كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي، سكّان تلك التجمّعات وهم يرفعون بطاقاتهم الانتخابية ووثائق التسجيل البيومترية المعروفة باسم "آدهار"، وغيرها من الأدلّة التي تثبت أنهم وُلدوا بالفعل ونشأوا في ولاياتٍ أخرى من الهند.
لكن الشرطة واصلت ما تقوم به بغضّ النظر عن تلك الوثائق، وقالت لإحدى الصحف المحلية في وقتٍ لاحق إنه لم يكن لديها لا الوقت ولا المال للتحقّق من الأوراق الثبوتية للعمّال، مع السلطات الأخرى في البلاد.
وتوقّفت عملية الهدم بعد تدمير نحو 200 منزل، وعلى أثر تقديم ناشطين قانونيّين التماساً لدى المحكمة العليا لولاية كارناتاكا التي أصدرت أمراً بالتوقّف عن أعمال الجرف يوم الأربعاء، إضافة إلى فتح تحقيقٍ فوري وبتعاون كلٍّ من الشرطة والبلدية لمعرفة كيف أمكن حدوث مثل هذا الأمر.
وفي حديث مع "اندبندنت" أوضحت ليكا آدافي، وهي عضوٌ في "منتدى القانون البديل" الجماعي الذي يقدّم دعماً قانونياً مجّانياً للعمّال المهاجرين في بنغالور، أن أولئك الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة قدموا إلى المدينة من ولاياتٍ هندية أخرى مثل البنغال الغربية أو آسام أو حتى داخل كارناتاكا نفسها. ورأت أنه حتى لو كانوا مهاجرين غير شرعيّين من بنغلاديش، أو من الجيلين الثالث والرابع من المهاجرين، فإن السلطات البلدية أو الشرطة المحلية لا تتمتّع بسلطة التصرّف على نحو ما فعلت، لأن قراراً من هذا النوع يجب أن يكون من صلاحية السلطات الفيدرالية.
وتضيف آدافي أن الحادث كان مقلقاً بشكل خاص لأنه جاء بعد أيام قليلة من قيام عضو المجلس التشريعي عن حزب "بهاراتيا جاناتا" في المنطقة، أرافيند ليمبافالي، بنشر تغريدة على حسابه في "تويتر" تتضمّن فيديو عن المستعمرة العمّالية يصفها بأنها "من دون نظافة... هي موقع لنشاطٍ غير قانوني، ومقرّ سكن الأشخاص الذين "يُشتبه في أنهم مهاجرون غير شرعيّين من بنغلاديش".
ويمكن اعتبار أن مثل هذه التعليقات لا تأتي من عدم. فبعد يومين فقط من عملية الهدم، أعلن ديليب غوش وهو كبير المسؤولين في حزب "بهاراتيا جاناتا" في ولاية البنغال الغربية، عن "دخول متسلّلَيْن مسلمَين من بنغلاديش (20 مليون نسمة) إلى الهند"، قائلاً "لن نسمح لأيّ أحد بالبقاء هنا".
واشارت القانونية ليكا آدافي إلى أنه من الواضح أن هناك صلةً بين أعمال الإخلاء في بنغالور و"الشعور الأوسع نطاقاً بمناهضة الهجرة الذي يشمل جميع أنحاء الهند في الوقت الراهن"، بعدما أصدرت الحكومة أخيراً قانوناً للجنسية يتعلّق باللاجئين يستبعد المسلمين منهم، وينظّم طريقة إصدار سجلّ قانوني للمواطنين في ولاية آسام.
وتضيف "من الواضح جدّاً أن هؤلاء الأشخاص يطبّقون أجندة (حزب "بهاراتيا جاناتا")، لا أكثر ولا أقل. إنهم يريدون تنفيذ أجندتهم الخاصّة باضطهاد المسلمين، وقد صودف أن يكون المهاجرون البنغلاديشيّون المسلمون بيدقاً واحداً في تلك الأجندة بأكملها.
ويروي محمد رياض الإسلام البالغ من 24 عاماً لقناة "ان دي تي في" كيف أجبر على المبيت هذا الأسبوع في كوخ سكن فيه فعلاً مع شخصين آخرين قبل أن يُهدم، مؤكّداً أن منزله دُمّر يوم الأحد. واعتبر أنه "في حال كان هناك بنغلاديشيّون هنا، فإن من مهمّة الشرطة إجراء تحقيق وإخراجهم". ويضيف موضحاً "لكننا نحن من ولاية آسام، وقد مررنا للتو عبر "السجل الوطني لمواطني الولاية" ولدينا جميع الأدلّة التي تثبت ذلك. ويجب على الشرطة أن تتحقّق مسبقاً من هذه الأوراق بدلاً من اتّهامنا بأننا "بنغلاديشيّون" وتعمل على هدم المنازل... إن جميع الذين يعيشون هنا جاءوا من أنحاء مختلفة من الهند".
ووصف سيدارامايا، الحاكم السابق في ولاية كارناتاكا، ممارسات الإخلاء والهدم بأنها "عمل غير إنساني أقدمت عليه حكومة حزب ’بهاراتيا جاناتا‘". وفي المقابل، رأى ف. س. أوغرابّا، المتحدّث باسم حزب "المؤتمر" المعارض، أن "الله وحده يعرف ما الذي يحدث للأشخاص الموجودين هناك... إنها ليست سوى شريعة الغاب يمارسها حاكم الهند، وفي النهاية يجب أن تتحمّل الحكومة المسؤولية عمّا يحصل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر أحد كبار ضبّاط الشرطة في المركز المحلي في كاريمانا أغراهارا، في اتصال أجرته معه صحيفة "ديكان هيرالد" أن الأمر متروكٌ لسكان الأحياء الفقيرة للعمل على التحقّق من وثائق الهوية الخاصّة بهم، متسائلاً "ما الذي يضمن أن هذه المستندات أصلية؟" وأشار إلى أن المحاولات السابقة التي قام بها مسؤولو الشرطة للسفر إلى ولاية البنغال الغربية من أجل التحقّق من وثائق العمّال المهاجرين قوبلت بعدم الامتثال من جانب سلطات الولاية هناك.
واعترف أخيراً د. رانديب، رئيس الفرع المحلي للسلطة البلدية في تصريح له بأنه "لم يُبلغ كبار المسؤولين مسبقاً بإخلاء العمّال". ووعد بأن يواجه المهندس الذي أطلقت رسالته إلى الشرطة الشرارة للقيام بهذا العمل "إجراءً" غير محدّد، وبأن تقريراً مفصّلاً سيصدر يتناول أحداث يوم الأحد.
© The Independent