بات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يصنع الحدث في منطقة المتوسط، وزاد ظهوره مع الأزمة الأخيرة التي تشهدها ليبيا بين السراج وحفتر، وزيارته اليوم الأحد إلى الجزائر لتكشف حقيقة اهتمام تركيا أردوغان بشمال أفريقيا وليس ليبيا فقط.
وفد أردوغان يكشف نوايا الزيارة
لا يريد أردوغان التراجع خطوة إلى الوراء فيما يتعلق بليبيا، وهو الذي أرسل مقاتلين لـ"الدفاع عن طرابلس" ويقدم الدعم الكامل للمجلس الرئاسي الذي يقوده فايز السراج.
وفي حين تترقب المجموعة الدولية احترام "الهدنة" بين الإخوة الفرقاء "السراج- حفتر"، راح أردوغان أحد المتسببين في تصعيد الأوضاع بإرساله المقاتلين والأسلحة إلى المجلس الرئاسي الليبي أحد طرفي النزاع، يحط رحاله في الجزائر على رأس وفد تكشف هويته عن حقيقة نوايا تركيا أردوغان في المنطقة.
ويرافق أردوغان الذي وجد في استقباله لدى وصوله إلى المطار، نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، ومسؤولين آخرين، عقيلته أمينة أردوغان، ووزراء الخارجية مولود جاويش أوغلو، والطاقة فاتح دونماز، والدفاع خلوصي أكار، والصناعة مصطفى ورانك، ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، ومتحدث الرئاسة التركية إبراهيم كالن، ورئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، وهي التشكيلة التي تشير إلى أن أردوغان جاء بحثا عن حليف استراتيجي في المنطقة ويراهن في ذلك على الجزائر.
وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات
يعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية أحمد وليكان لـ"اندبندنت عربية"، أن زيارة أردوغان للجزائر فضح نواياها الوفد المرافق له، وأيضاً التصريحات التي تضمنها المؤتمر الصحافي.
وأوضح أن وجود وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات التركيين يؤكدان أن أنقرة تريد التنسيق مع الجزائر عن قرب فيما يتعلق بالأزمة الليبية ومنطقة الساحل، كما أن تصريح الطرفين بأن تعليمات وجهت لوزيري خارجية البلدين بالتواصل اليومي تجنبا لأي سوء تفاهم، يشير إلى أن أردوغان يسعى إلى "جر" الجزائر إلى المستنقع الليبي بطريقة أو أخرى.
الحنين للماضي العثماني
ويوضح وليكان أن الجزائر ترفض أن تكون ليبيا ساحة صدام بين بعض الدول العربية والغربية، وعليه "من المقرر أن يتم إبلاغ الطرف التركي بهذه التخوفات"، مشيرا إلى أن أردوغان سيلجأ خلال زيارته إلى اللعب على أوتار الاقتصاد والاستثمار للوصول إلى أهدافه، على اعتبار أن الجزائر تعاني أزمة اقتصادية خانقة في ظل تراجع أسعار النفط، و"هو ما سيحاول استغلاله الرئيس التركي الذي أوضح أن انقرة تتطلع إلى رفع مستوى التعاون وحجم المبادلات التجارية"، مبرزاً أن تركيا أردوغان بات معروف مشروعها الذي يحن إلى العهد العثماني.
تحرك الجزائر... وتخوف أنقرة
في السياق ذاته، يتخوف أردوغان من خسارته للكعكة الليبية، بعد عودة الجزائر إلى الساحة الدولية وتحرك دبلوماسيتها في اتجاه جمع الأطراف الليبية على طاولة الحوار، وبات يخشى الوصول إلى صفقة لتقاسم السلطة بين السراج وحفتر تحول دون تثبيت نفوذه في المنطقة، ما دفعه إلى الدعوة من إسطنبول قبيل توجهه إلى الجزائر، إلى تحرك سريع لحل الأزمة الليبية.
وقال إن "حفتر ما زال يواصل هجماته في ليبيا، وليس من المتوقع التزامه بوقف إطلاق النار. الرجل لم يلتزم بمسار السلام، لا في موسكو ولا في برلين، وسيبحث الملف خلال المباحثات التي يجريها اليوم في الجزائر".
تصريحات تكشف عن "توتر" تركي بعد الفشل في الحصول على تأييد من دول شمال أفريقيا، خاصة إثر استباق الجزائر لتحركات أردوغان كان يعتزم القيام بها مع دول جوار ليبيا والساحل، وقد تمكنت من عقد اجتماع بالجزائر الخميس الماضي، وتجديدها رفض التدخل الخارجي والتزامها بالحوار لحل الأزمة وبالحياد تجاه أطراف النزاع.
لا تراجع جزائري
في سياق متصل، أكد الرئيس عبد المجيد تبون أن الجزائر وتركيا اتفقتا على تطبيق بنود مؤتمر برلين حول الأزمة الليبية والسعي معا إلى إقرار السلم في ليبيا.
وقال إنه بخصوص ما يجري في المنطقة، "يجمعنا اتفاق تام مع الشقيقة تركيا على اتباع ما تقرر في اجتماع برلين الأخير، وأن نسعى إلى السلم معا"، مضيفا أن الطرفين "يتابعان يوميا وبكل دقة كل ما يجري في الميدان وكل مستجداته".
إحياء خط تركيا الجزائر روسيا + سوريا
زيارة أردوغان للجزائر تفرضها جملة من التحولات الدولية، بحسب قول الأكاديمي ساعد ساعد لـ"اندبندنت عربية"، "أولها التقاطع المشترك في بعض المواقف بشأن الأزمة الليبية، فالجزائر كانت أجندتها السياسية رافضة لخيار التدخل العسكري والحل الأمني من خلال دعمها حكومة الوفاق، وهو التوجه الذي يخدم تركيا في التحالفات الدولية، وأوضح أن هذه أهم نقطة سيكون عليها النقاش".
ويواصل ساعد أن تركيا تبحث عن منافذ سياسية ودبلوماسية في الوطن العربي بعد الصراع الكبير مع مصر والإمارات والسعودية، حيث يسعى أردوغان إلى إحياء خط تركيا الجزائر روسيا + سوريا، مضيفا أن البعد الاقتصادي المتعلق بالعلاقات الأوروبية والطاقة سيكون له مكان في الزيارة، لأن أردوغان يعلم أن الجزائر بوابة أوروبا في مجال الطاقة، وبالتالي هو يريد أن يقول لأوروبا إنه حاضر حتى في عمق المغرب العربي.
رفض شعبي
انقسمت آراء الجزائريين إزاء زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للجزائر، وغلب عليها الرفض الشعبي مقابل الترحيب، فيما سارت الطبقة السياسية في اتجاه الرأي الدبلوماسي، وعبر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عن غضبهم من استقبال أردوغان في الجزائر، وقالوا إن هدف الزيارة "تطويق ليبيا ومحاصرة أهلها تمهيدا لاحتلالها"، فهل يستثمر تبون في الزيارة لرفع شعبيته ودفع العجلة الاقتصادية وتجنيب ليبيا حربا ضروسا؟