بتمويل أميركي، أعلنت سفارة الولايات المتحدة في القاهرة، عزمها ترميم مقابر اليهود بمنطقة البساتين (جنوبي القاهرة)، والتي تعد ثاني أقدم مقبرة يهودية في العالم، بعد "جبل الزيتون" الواقعة في القدس، وتعرضت لإهمال كبير عبر العقود الأخيرة.
وذكرت السفارة، في بيان لها، أن "الحفاظ على هذا الموقع التراثي المهم يسهم في إلقاء الضوء على التنوع التاريخي والتعددية الثقافية في مصر"، مشيرة إلى أنه "يأتي في إطار الشراكة الاستراتيجية الممتدة بين واشنطن والقاهرة، وتمويل العديد من مشروعات ترميم المواقع التراثية الثقافية المصرية والحفاظ عليها من خلال صندوق سفراء الولايات المتحدة للحفاظ على التراث".
وقال السفير الأميركي في القاهرة، جوناثان كوهين، إن "هذا المشروع في مقابر البساتين يعد استثماراً في تاريخ مصر الثقافي المتنوع، وفرصة لزيادة الوعي بالتعددية". وأضاف "فخورون بالشراكة في الحفاظ على المواقع التراثية وحمايتها".
وبحسب السفارة، يتولى المركز الأميركي للبحوث في مصر، بالتعاون مع مؤسسة "قطرة اللبن"، تنفيذ المشروع في مقابر البساتين للحفاظ على طرازها المعماري، وضمان استدامة الموقع. ومن المتوقع أن يستمر مشروع الترميم لمدة عام، بهدف الحفاظ على القيمة الحضارية والتاريخية لمقابر اليهود.
مقابر البساتين... 120 فداناً
يعود تاريخ مقابر البساتين إلى القرن التاسع الميلادي، وتقع على مساحة تبلغ 120 فداناً، وكانت مقسمة سابقاً إلى مناطق مخصصة للطوائف اليهودية الربانية والقرائية. وجرى دفن اليهود المصريين من جميع الخلفيات في الموقع منذ تأسيسه، بما في ذلك شخصيات تاريخية مهمة من يهود مصر، مثل الحاخام حاييم كابوسي وأعضاء أسر يهودية مصرية معروفة من القرنين التاسع عشر والعشرين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعد تلك البساتين ثاني أقدم مقابر يهودية في العالم، بعد "جبل الزيتون" الواقعة في القدس، وسُميت بذلك بعد أن خصص السلطان أحمد بن طولون موقع إقامتها في منطقة تمتد فيها الأراضي الزراعية، وكانت تسمى آنذاك "بساتين السلطان"، وتعرضت لإهمال كبير عبر العقود الأخيرة، وطالبت الطائفة اليهودية بترميمها، وتحويلها إلى أثر أكثر من مرة.
وفيما لم تجب السفارة الأميركية على "اندبندنت عربية"، نقلت تقارير محلية عن لويز بارتيني، مديرة المركز الأميركي للبحوث بالقاهرة والمشرفة على المشروع، قولها "إن تمويل المشروع ليس ضخماً، وهو بغرض توثيق مقابر اليهود في البساتين، ووضع خطة لإدارتها وتجديد بعضها، وأبرز المقابر هناك مقبرة حاييم كابوس، أحد أشهر الحاخامات المصريين في القرن السابع عشر وله معبد باسمه في حارة اليهود، وسط القاهرة". وأضافت أن "المشروع من الممكن أن يتمدد حسب التمويل وحسب الخطط التي ستُوضع للمكان في المرحلة الأولى من المشروع".
وبحسب بارتيني، فإن توقيت إعلان المشروع "مناسب جداً" لتزامنه مع دعم واضح من الحكومة المصرية والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي "يريد أن تظهر بلاده بالغنى الحضاري والتنوع الثقافي".
وفي مارس (آذار) الماضي، زار حاخامان يهوديان المقابر اليهودية في القاهرة، خلال أعمال تنظيف لها، وذلك في أعقاب نشر صفحة "إسرائيل بالعربية"، وهي صفحة رسمية لوزارة الخارجية الإسرائيلية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، مقطع فيديو يوضح إزالة أطنان من القمامة من محيط تلك المقابر بعد سنوات من الإهمال.
ترميم معبد "إلياهو هانبي"
ويأتي الإعلان عن المشروع الجديد بعد أقل من شهر على ترميم وإعادة افتتاح معبد "إلياهو هانبي" اليهودي، بشارع النبي دانيال في مدينة الإسكندرية الساحلية، بعد إغلاقه لعدة سنوات، حيث تحملت الحكومة المصرية أخيراً تكلفة ترميم هذا الكنيس، والتي بلغت نحو 100 مليون جنيه (نحو 6.2 مليون دولار أميركي)، بعد أن رفضت تلقي أي تبرعات من الجاليات اليهودية في العالم لهذا الغرض.
وشملت أعمال الترميم، الأسقف الخشبية المعلقة والأيقونات والنوافذ الزجاجية، وإعادة تأهيل ساحة الصلاة الرئيسة. وهو ما علقت عليه ماجدة هارون، رئيسة الطائفة اليهودية في مصر، في تصريحات إعلامية، بقولها "إن إصرار الحكومة المصرية على ترميم هذا المعبد وغيره من أماكن العبادة والمقابر اليهودية يؤكد أن اليهود كانوا جزءاً من نسيج هذا المجتمع وأسهموا في حضارته وحركة بنائه".
وحينها، أثار إعلان الحكومة عزمها ترميم الآثار اليهودية ردود فعل متباينة بين مؤيد، باعتبار أن هذه الآثار جزء من التراث الإنساني والحضاري للمصريين، ومعارضٍ للخطوة باعتبار أنها "إنفاق مهدر على مبانٍ وأماكن لا يرتادها أحدٌ" لقلة عدد اليهود الذين لا يزالون يعيشون في مصر، حيث هاجر أغلب اليهود المصريين إلى إسرائيل في خمسينيات القرن الماضي.