انخفضت أسعار النفط خلال تعاملات اليوم الخميس، لتستأنف تراجعها بعد استقرارها لفترة وجيزة في وقت سابق من الأسبوع الحالي، في حين يتنامى القلق من التأثير الاقتصادي لفيروس "كورونا" في الصين، بينما أدى ارتفاع فاق التوقعات في مخزونات الخام الأميركية إلى تفاقم المعنويات السلبية في السوق.
وتراجع خام القياس العالمي "برنت" بنحو 62 سنتاً بما يعادل 1% إلى مستوى 59.19 دولار للبرميل في تعاملات مبكرة من صباح اليوم بعد أن زاد بنسبة 0.5% أمس الأربعاء. وتراجع الخام الأميركي بنحو 51 سنتاً بما يعادل 1% إلى 52.82 دولار للبرميل بعد أن انخفض بنسبة 0.3% في الجلسة السابقة.
واستقرت الأسعار خلال الأيام القليلة الماضية، بعد اضطراب دفعها صوب أدنى مستوى في ثلاثة أشهر، في الوقت الذي سعى فيه المستثمرون إلى تقييم الأضرار الناجمة عن الفيروس على النمو الاقتصادي والطلب على النفط ومنتجاته.
لكن في الوقت الحالي تسبب ارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن الإصابة بالفيروس وانتشاره في أنحاء العالم مجدداً في تراجع الأسواق، مع هبوط حاد في أسواق الأسهم الآسيوية. واتجهت شركات طيران في أنحاء العالم إلى تعليق الرحلات المباشرة إلى بكين أو تقليص عددها مع إصدار الحكومات تحذيرات بشأن السفر وانخفاض أعداد المسافرين.
كما أبقى ارتفاع أكبر من المتوقع في مخزونات خام النفط الأميركية الأسبوع الماضي على الضغط المماثل على الأسعار.
توقعات بتقديم اجتماع "أوبك" إلى فبراير
وأمس، نقلت وكالة الأنباء الجزائرية، عن وزير الطاقة في الجزائر، محمد عرقاب، قوله، إنه من "الممكن جداً" أن يجري تبكير اجتماع "أوبك+" إلى شهر فبراير (شباط) المقبل بدلاً عن الموعد المقرر في مارس (آذار).
ورداً على سؤال عن احتمالات تمديد اتفاق "أوبك+" لخفض إنتاج النفط، قال "كل شيء وارد". وسُئل أيضاً عن التأثير المحتمل على أسعار النفط لتفشي فيروس كورونا، فأجاب قائلاً "نحن في تشاور مستمر مع وزراء الطاقة لدول أوبك وسيتم اتخاذ قرارات في الأيام المقبلة".
كما نقلت وكالات أنباء، أمس، عن رئيس شركة "تات نفت" الروسية المتوسطة الحجم لإنتاج النفط، نايل ماغانوف، قوله إن "الاتفاق العالمي لكبح إنتاج الخام، المعروف باتفاق (أوبك+)، يضيف المزيد من الضبابية لخطط الاستثمار في الإنتاج". مشيراً إلى أن شركته وغيرها من الشركات تدرس مبادلة إمدادات الوقود إلى زيمبابوي بالألماس.
قفزة كبيرة في مخزونات النفط الأميركية
وأعلنت إدارة معلومات الطاقة الأميركية، أمس، أن مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة زادت وكذلك مخزونات البنزين، بينما تراجعت مخزونات نواتج التقطير.
وارتفعت مخزونات الخام بواقع 3.5 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 24 يناير (كانون الثاني) الحالي، إلى 431.7 مليون برميل مقارنة مع توقعات محللين في استطلاع سابق بزيادة قدرها 482 ألف برميل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكرت أن مخزونات الخام في نقطة التسليم في كاشينغ بولاية أوكلاهوما زادت بمقدار 758 ألف برميل في الأسبوع الأحدث، مشيرة إلى أن استهلاك الخام في مصافي التكرير هبط بواقع 933 ألف برميل يومياً الأسبوع الماضي مع تراجع معدلات تشغيل المصافي 3.3 نقطة مئوية.
وأشارت إلى أن مخزونات البنزين الأميركية ارتفعت بواقع 1.2 مليون برميل الأسبوع الماضي إلى 261.2 مليون برميل، مقارنة مع توقعات محللين في استطلاع سابق بزيادة قدرها 1.3 مليون برميل.
وأظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة، أن مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، انخفضت 1.3 مليون برميل في ذلك الأسبوع إلى 144.7 مليون برميل، مقابل توقعات بهبوط 1.1 مليون برميل. وأوضحت أن صافي واردات الولايات المتحدة من النفط الخام زاد بواقع 133 ألف برميل يومياً الأسبوع الماضي إلى 3.15 مليون برميل يومياً.
كيف تتحرك الأسعار في ضوء المعطيات الحالية؟
وفيما يخيِّم الغموض والضبابية على سوق النفط، وحول إمكانية ارتفاع الأسعار مجدداً، قال محلل النفط الكويتي، محمد الشطي، إن الإجابة تقتضي الإشارة إلى المؤثرات حالياً في السوق النفطية والتي يمكن تلخيصها في 6 محاور، أهمها انتشار فيروس كورونا، وحركة المخزون النفطي، والإمدادات في أسواق النفط، وحاله الاقتصاد العالمي، والتطورات الجيوسياسية، وقرارات أوبك بلس لتنظيم أسواق النفط وتحقيق التوازن.
وقال لـ"اندبندنت عربية"، إن "هبوط أسعار النفط الخام في الوقت الحالي يرجع إلى مخاوف السوق من تأثير انتشار فيروس كورونا على الاقتصاد الصيني والطلب على النفط في الصين، لأن هذه المخاوف تؤثر بشكل مباشر في الملاحة الجوية من وإلى الصين وكذلك تؤثر في حركه النقل داخل البلد الآسيوي".
وأوضح أن بعض المصادر تشير إلى أن تأثر السوق الصينية يعني خفض معدل نمو الطلب في الصين بنحو 200 ألف برميل يومياً خلال 2020، وسيكون التأثير في غالبه خلال الربع الأول من العام الحالي. وهذا يعني حالياً أن سكرتارية منظمة "أوبك" تقدر تنامي الطلب على النفط خلال عام 2020 في حدود 1.1 مليون برميل يومياً (لكن تأثير فيروس كورونا يعني الزيادة تكون فقط 900 ألف برميل يوميا بدلًا من 1.1 مليون برميل يوميا).
اختلال ميزان العرض والطلب في النصف الأول
وأكد الشطي أن توقعات الصناعة تشير إلى اختلال في ميزان الطلب والعرض خلال النصف الأول من عام 2020 ولذلك جاء قرار "أوبك بلس" بتعميق الخفض قبل ظهور فيروس كورونا. كذلك تشير توقعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى أن الاقتصاد العالمي تجاوز مرحله الركود ومن المتوقع أن يعاود النمو، لكن هناك مخاوف لا تزال مرتبطة بالتفاوض بين الصين وأميركا بشأن الحرب التجارية.
ولكن من المؤشرات التي تتأثر فعلياً بالانطباعات وتشكل أجواء السوق ومسار الأسعار، سلوكيات بيوت الاستثمار والمضاربة، وعندما تشتد حركة البيع وتكون حركة الشراء خجولة، فإن ذلك من دون شك يعني أجواء وانطباعات سلبية يصعب معها تعافي أسعار النفط وإنما تظل تعاني من الضغوط. كذلك تقدر بعض مصادر السوق ارتفاع إنتاج روسيا من النفط والمكثفات، حيث سجل أعلى مستوى له في خمس شهور عند 11.28 مليون برميل يومياً.
واستمرار هبوط أسعار النفط مرتبط أيضاً بحركة المخزون النفطي، فقد أظهرت بيانات إدارة الطاقة الأميركية بناءً في المخزون النفطي الأميركية مقابل توقعات استمرار السحوبات من المخزون، فيما تقدر بعض مصادر السوق عودة السحوبات من المخزون الأميركي الأسبوع المقبل مع انخفاض واردات الولايات المتحدة لهذا الأسبوع وارتفاع صادراتها من النفط الخام.
وعلى الرغم من ذلك، فإن انخفاض إنتاج ليبيا من النفط إلى النصف والبعض يقدر الإنتاج حالياً في حدود 242 ألف برميل يومياً من مستوى 1.2 مليون برميل يومياً قبل تعطيل حفتر التصدير، سيكون له تأثير في دعم الأسواق وأسعار النفط بعد استيعاب حجم النقص في المعروض نتيجة لذلك، وأيضاً بعد تعافي السوق من تأثيرات فيروس كورونا والوقوف على تأثيراته الفعلية في الصين.
اتجاه لتمديد اتفاق "أوبك" حتى منتصف 2020
ومن المؤشرات الإيجابية التي تدعم أسعار النفط، حسبما أشار الشطي، ما يتردد من أنباء تدور حول عزم "أوبك بلس" تمديد اتفاق خفض الإنتاج إلى شهر يونيو (حزيران) المقبل، مع استمرار تعهد السعودية بالالتزام بخفض إضافي في إنتاجها، وأنباء أخرى عن احتمالات تبكير موعد مؤتمر "أويك" الذي كان مقرراً في مارس (آذار) المقبل. كذلك يستمر إنتاج فنزويلا في الانخفاض إلى ما دون 900 ألف برميل يومياً خلال شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، وهو أيضا عامل إيجابي يدعم أسعار النفط.
يتابع "لذلك من الصعب توقع استمرار هبوط أسعار النفط، ولكن هي فتره يجري فيها استيعاب تأثيرات فيروس كورونا، ثم تبدأ في التعافي، وهذا أيضاً يتماشى مع التوقعات السابقة باستمرار اختلال ميزان الطلب والعرض خلال النصف الأول من العام 2020، ثم يتحقق التوازن خلال النصف الثاني من العام الحالي".
وأشار إلى أن معدل سعر نفط خام الإشارة "برنت" بلغ خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) 2019 نحو 67 دولار للبرميل، ولكنه انخفض إلى 64 دولاراً للبرميل كمعدل خلال يناير (كانون الثاني) الحالي، أي خفض بمقدار 3 دولارات للبرميل، وهو ما يعود بالدرجة الأولى إلى تأثيرات فيروس كورونا.