يواجه جيلٌ كاملٌ من الأطفال السوريين في الأردن مُستقبلاً مُظلماً، بعد أن كشفت إحصاءات صادرة عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أن نحو 83 ألف طفل سوري في المملكة "خارج أسوار المدارس"، أي ما يشكّل نحو ثلث الأطفال السوريين الموجودين في الأردن، وذلك على الرغم من كل الجهود الأردنية لرعايتهم.
وتعيد جهات أردنية هذه الأرقام إلى ضعف الإمكانات وتقصير الجهات الدولية المانحة، وعلى الرغم من الظروف التعليمية الصعبة في البلاد أساساً فإن الحكومة اضطرّت إلى استحداث نظام تعليمي على فترتين: صباحية ومسائية، في محاولة لاستيعاب الطلبة السوريين في المدارس المُكتظة.
وتقول المفوضية، إن 50 في المئة من اللاجئين السوريين في الأردن، أي 330 ألفاً و672، هم من فئة الأطفال دون 18 عاماً، وإن 28 ألف لاجئ سوري عادوا إلى ديارهم منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتقدّم المفوضية مساعدات نقدية مباشرة إلى 27 ألف أسرة سورية في الأردن، تعدّ من الأكثر ضعفاً وأشدّ حاجة إلى الدعم.
وفيما تقلّص عدد اللاجئين السوريين المُسجّلين لدى المفوضية إلى 657 ألفاً و445 لاجئاً، يعيش منهم 534 ألفاً و372 خارج مخيمات اللجوء ضمن مختلف المناطق الحضرية، في حين يعيش 123 ألفاً و370 لاجئاً داخل المخيمات.
معوّقات رسمية
حسب أرقام مفوضية شؤون اللاجئين، فإن طفلاً واحداً من بين كل ثلاثة أطفال سوريين في الأردن لم يذهب إلى المدرسة، أي ما يصل إلى نحو 83 ألف طفل.
ومنذ اندلاع الأزمة في سوريا عام 2011، اتّخذت الحكومة الأردنية سلسلة إجراءات لاستيعاب حاجات هؤلاء الأطفال التعليمية، شملت توظيف معلمين جُدد، والسماح بالتحاق الأطفال السوريين بالمدارس الحكومية المجانية، وفتح فترات مسائية في نحو 100 مدرسة ابتدائية، وتهيئة 50 ألف مكان جديد بالمدارس العامة لصالح الأطفال السوريين، مع استهداف 25 ألف طفل خارج المدرسة بـ"دروس تعويضية".
لكن، منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقول إن ثمة متطلبات تعيق التحاق كل الأطفال السوريين بالمدارس في الأردن، من بينها متطلبات تسجيل طالبي اللجوء التي لا يمكن للعديد من السوريين استيفاؤها، والعقوبات التي تُفرض على العاملين من دون تصاريح عمل، ما يُسهم في زيادة الفقر وعمل الأطفال وترك المدارس، ومنع إلحاق الأطفال الذين قضوا خارج المدرسة 3 أعوام أو أكثر.
في هذا السياق، تطلب الحكومة الأردنية من اللاجئين السوريين استصدار أوراق هُوية أو "وثائق خدمة" من أجل الالتحاق بمدارس حكومية، مّا يعيق الآلاف من أبنائهم من الالتحاق بالتعليم، مع صعوبة الحصول على هذه الوثائق من بلدهم.
كما يشكّل لجوء البعض إلى المخيمات التي خصّصت للاجئين صعوبة إضافية، إذ يعجز أغلبهم عن الخروج من المخيمات من دون وجود كفيل وفق سياسة أردنية تخصّ اللاجئين السوريين لديها.
ويفتقر نحو 40 في المئة من الأطفال السوريين اللاجئين لشهادات الميلاد، ما يشكّل عائقاً إضافياً أمام التحاقهم بالمدارس عند بلوغهم السن التعليمية، كما تمنع أنظمة وزارة التربية والتعليم الأردنية تسجيل الأطفال الذين تزيد أعمارهم بثلاث سنوات عن متوسّط أعمار أقرانهم في الفصل الدراسي.
وحسب تقديرات مفوضية الأمم المتحدة، فإن "قاعدة الثلاث سنوات" هذه منعت نحو 77 ألف طفل سوري من التعليم الرسمي.
الفقر وأسباب أخرى
يُسهم الفقر الذي يعانيه أغلب اللاجئين في الأردن، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الصعب بالبلاد، في عدم التحاق عددٍ كبيرٍ من الأطفال السوريين بمدارسهم، حسب الناشطة ديما خرابشة التي تشير إلى أن القوانين الأردنية "تجرّم عمالة الأطفال، غير أنها غير مطبّقة".
ويرى الناطق الرسمي للمفوضية في الأردن محمد الحواري، أن الحدّ من هذه الظاهرة ممكن من خلال زيادة فرص وتصاريح العمل للسوريين، وحملات التوعية للآباء وتقديم مساعدات مالية للأهالي، منعاً لإرسال الأبناء إلى سوق العمل، إضافةً إلى تعزيز فكرة العمل المنزلي لدى العائلات السورية.
فضلاً عن ذلك، قلّت أو توقفت برامج دعم اللاجئين السوريين في الأردن على نحو مُلفت بسبب نقص التمويل، إذ قطع "برنامج الأغذية العالمي" دعمه عن 229 ألفاً من اللاجئين عام 2016، وخفّض قيمة الدعم إلى النصف لآخرين.
ويبقى أن عدم التحاق الأطفال السوريين بالمدارس ليس المشكلة الوحيدة التي يعانيها هؤلاء، فمن هم على مقاعد الدراسة باتوا يعانون انخفاض جودة التعليم في المدارس التي تعتمد نظام الفترتين وساعات تعليم أقل من الأطفال في المدارس التي تعمل فترة واحدة فقط.
وحسب متخصصين اجتماعيين، فإن أغلب الأطفال السوريين على مقاعد الدراسة يحتاجون إلى "دعم نفسي"، بسبب ظروف وويلات الحرب في بلادهم، إلى جانب عوامل أخرى أسهمت في تسرّب بعضهم من المدارس، مثل التنمّر من قبل أقرانهم والعقاب البدني بالمدارس والزواج المبكر للفتيات.
سوق العمل بدلاً من مقاعد الدراسة
وتشير إحصاءات غير رسمية إلى أن نحو 60 في المئة من العائلات السورية في المناطق المضيفة للاجئين يعتمدون على النقود التي يكسبها أطفالهم، الذين يتركون التعليم للالتحاق بالعمل.
وتتضارب الأرقام حيال ظاهرة عمل الأطفال السوريين، إذ تُقدّر إحصاءات حكومية نسبتهم بنحو 70 في المئة من مجموع عمالة الأطفال في البلاد، ما يحرم كثيرين منهم من حق التعليم، ويعزّز ظاهرة الاتجار بالأطفال واستغلالهم.
ووسط غياب الإحصاءات الدقيقة، تطل دراسة مسحيّة أعدّتها "منظمة العمل الدولية" بالتعاون مع وزارة العمل ومركز الدراسات الاستراتيجية في الأردن عام 2015، لتظهر أرقاماً مخيفة، تتحدّث عن 76 ألف طفل تنطبق عليهم معايير عمالة الأطفال، 45 ألفاً منهم يعملون في مهن خطرة مثل العمل في تمديدات الكهرباء والنجارة والحدادة والميكانيك والبناء والتبليط والمخابز ومحلات القهوة والبيع ليلاً في الشوارع، وتتراوح غالبية أعمارهم بين 5 و17 سنة.