منذ إعلان الجزائر عن سعيها إلى لعب دور أكبر في الملف الليبي، رجح مراقبون جزائريون أن الهدف كان "استعادة" دور الوساطة على المستوى الإقليمي بالشكل نفسه الذي قادت به كل من الجزائر وتونس ومصر جولات الحوار الأولى قبل خمس سنوات. ويعني ذلك أن الجزائر قررت من البداية "التسلل" إلى قمة برلين على أمل دفع الملف إلى طابع إقليمي، بعيداً من التجاذبات الدولية.
وترقبت الجزائر "صفاء" الأجواء سياسياً في الجارة تونس، قبل استعجال زيارة الرئيس قيس سعيد إليها. وفي هذا السياق، يقول الدكتور خواص العربي، أستاذ العلوم السياسية سابقاً في جامعة ورقلة، لـ"اندبندنت عربية"، إن "تونس شكلت مفتاح الخطة الإقليمية التي ابتغتها الجزائر. لذلك، تم استعجال الزيارة بموافقة من الطرفين حتى قبل تشكيل الحكومة في الجارة الشرقية".
الضوء الأخضر
في المؤتمر الإعلامي المشترك بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره التونسي قيس سعيد، أعلن عن مبادرة جزائرية تونسية بشأن ليبيا. وقال تبون "اتفقنا على أن حل الملف الليبي ينبغي أن يكون ليبياً ليبياً، وأنه من الضروري إبعاد ليبيا عن كل ما هو أجنبي، مع منع تدفق السلاح".
وشدد تبون على ضرورة أن تكون بلاده وتونس "بداية الحل للأزمة الليبية من خلال عقد لقاءات مع كل الليبيين، إما في الجزائر أو تونس، من أجل الانطلاق في مرحلة جديدة لبناء مؤسسات جديدة تؤدي إلى انتخابات عامة وبناء أسس جديدة للدولة الليبية الديموقراطية، بشرط أن يُقبل هذا الاقتراح من قبل الأمم المتحدة".
ومعنى ذلك، كما يعتقد العربي، أن الجزائر ترغب في استعادة الدور الثلاثي، بعد إضافة مصر، وبرعاية من المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة. ويضيف "أعتقد أن الجزائر تحظى بثقة ألمانيا، التي شاركت بوزير خارجيتها في آخر لقاء احتضنته الجزائر وضم دول الجوار الليبي". لكن الجزائر سعت "منذ البداية إلى منح فرصة لدول الجوار الثلاث للعب الدور الرئيسي، وأن تتحول أي مبادرة دولية جديدة إلى نتيجة عن اقتراح الدول الثلاث".
وعلم من مصادر جزائرية تابعت زيارة سعيد، أن الرئيس التونسي "كان يلح على مبادرة ثنائية أو ثلاثية تنطلق من الصفر من دول الجوار". ففي تصريح له، قال الرئيس التونسي إن "هناك توافقاً كبيراً في الرؤى لدى البلدين حول مختلف الملفات الدولية الراهنة".
هل تعوض تونس "الحلف" مع تركيا؟
شكل التقارب الجزائري - التركي في فترة ما بعد انتخاب تبون رئيساً، قبل شهرين، محط أسئلة في الداخل بشأن منح الجزائر "ورقة بيضاء" للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خصوصاً في الملف الليبي. إلا أن بياناً لاحقاً صدر عن الخارجية الجزائرية، أعطى انطباعاً بأن "جزائر تبون" تبقي على تحفظات على الدور التركي في عدد من الملفات التي تشترك فيها مع الجزائر، ولو من بعيد.
وقالت الجزائر، مساء الأحد، إنها "فوجئت بتصريح أدلى به الرئيس التركي نسب إلى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وأن الحديث أخرج عن سياقه حول قضية تتعلق بالجزائر". وهي قصدت تصريحاً لأردوغان يذكر فيه أن الرئيس الجزائري أبلغه أن الجزائر أحصت أكثر من خمسة ملايين قتيل في فترة الاستعمار الفرنسي، منذ بدايته حتى الاستقلال عن فرنسا (1830 إلى 1962)، وأنه طلب تزويده بوثائق تدين المستعمر الفرنسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت وزارة الخارجية إن "الملفات المعقدة المتعلقة بالذاكرة الوطنية لها قدسية خاصة عند الشعب الجزائري. لذلك، فإن تصريحات أردوغان لا تسهم في الجهود التي تبذلها الجزائر وفرنسا لحل قضايا الذاكرة".
ويشير الكاتب الصحافي بشير مسيعد لـ"اندبندنت عربية" إلى أن "نتائج زيارة أردوغان في الشهرين الماضيين لكل من تونس والجزائر تشابهت من حيث الشكل. فالغريب أن الدولتين أصدرتا بياناً يعقب على تصريحات للرئيس التركي". ويقصد مسيعد بيان الرئاسة التونسية نهاية ديسمبر (كانون الأول)، عندما ذكرت بموقف الدولة المحايد في ليبيا وأنها لم تنضم إلى أي تحالف.
ويرى مسيعد أن "قرار الجزائر ضخ وديعة مالية في البنك المركزي التونسي بقيمة 150 مليون دولار، أثناء زيارة سعيد، كضمان للخزينة التونسية يهدف إلى مساعدة الأشقاء في تأمين استقلال قراراتهم في ملفات دولية"، موضحاً أن البلدين "يتفقان على أن يظل محور تعاونهما الأمني قائماً، لا سيما في المنطقة الحدودية الثلاثية بينهما وبين ليبيا".
رئيس الأركان يتفقد الحدود
وتزامناً مع محاولات حصر الملف الليبي في بلدان الجوار، تفقد رئيس أركان الجيش الجزائري بالنيابة، اللواء السعيد شنقريحة، الاثنين، مناطق حدودية واسعة في الجنوب والجنوب الغربي. والتقى أفراداً من الجيش المرابطين على الحدود، ودعاهم إلى "بذل كل ما في وسعهم لصد وإفشال أي محاولة، يمكنها أن تهدد سلامة بلادنا، وتمس بسيادتها الوطنية".
وخلال ترأسه لقاءً توجيهياً في مقر قيادة الناحية العسكرية السادسة (تمنراست)، قال إن ما "يعيشه محيطنا الجغرافي برمته، من أحداث ومستجدات متلاحقة، وما يجري بمحاذاة حدودنا الوطنية يشكل باعثاً أساسياً من بواعث زيادة الحيطة".
وطلب الرئيس الجزائري قبل أسبوع من قيادة أركان الجيش، خلال زيارته مقر وزارة الدفاع، "عزل البلاد عن أي مفاجآت أمنية، لا سيما على الحدود". ومعلوم أن تبون زار الوزارة بصفته قائداً للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع الوطني، وقد خصص الزيارة لملف الحدود بشكل كامل، ما اعتبر امتداداً لخطة جزائرية من شقين، دبلوماسي وأمني.