رُغم ما أعادته الانتفاضة الفلسطينية الثانية من زخمٍ دوليّ وإقليميّ جديد إلى قضيتهم، فإن محاولات إحياء عملية السلام وتطبيق "مبدأ حلّ الدولتين" وفق ما استقرّ عليه المجتمع الدولي، ظلّت حبيسة بنود المبادرات المُطروحة خلال العقدين الأخيرين، ولم تصل إلى محطتها النهائية بعدُ، وبقيت "المستوطنات الإسرائيلية" تقضمُ ما تبقّى من "فلسطين التاريخية" لصالح "أرض التوراة الموعودة لبني إسرائيل".
ومِن كثيرين، شكّلت ثلاث مبادرات للحل محور المحطات الفاصلة من عمر ما تحوّل تدريجيّاً لـ"صراع فلسطيني إسرائيلي"، بدأت بالمبادرة العربية للسلام في العام 2002، مروراً بخريطة الطريق برعاية الرباعية الدولية: (الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة) في العام 2003، إلى أن انفردت واشنطن بخيار رعاية "السلام" حتى تعثره وإعلان "فشله" في أبريل (نيسان) 2014، وذلك قبل 6 سنوات من عودتها مجدداً بخطة "أثارت جدلاً" وفق كثيرين، بعد أن أعلن تفاصيلها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي.
وفي هذه الحلقة، تستعرض "اندبندنت عربية" ما اقترحته تلك المبادرات في ثنايا نصوصها، بحثاً عمّا بقي من أرض لدولة "فلسطين المُستقبلية" أمام التوسّع الاستيطاني، الذي وإن أصرّ غالبية دول المجتمع الدولي على "عدم شرعيته"، فإن خطة ترمب الأخيرة "أخرجت واشنطن من ذلك الإجماع".
مبادرة السلام العربية
في خضمّ الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وتحديداً في مارس (آذار) عام 2002، ولدى انعقاد القمة العربية في العاصمة اللبنانية بيروت، أطلق الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، "مبادرة لإنهاء الصراع" ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، استناداً إلى قراري الأمم المتحدة: 242 (1967)، و338 (1973)، سرعان ما أقرّتها الدول العربية والإسلامية، ومثّلت أساس "رؤيتهم" لتطبيق السلام.
واستناداً إلى نصوص المبادرة، فإنّ الحل الوحيد لذلك الصراع التاريخي يكمنُ في إنشاء "دولة فلسطينية" في الضفة الغربية وقطاع غزة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967، وأن تكون عاصمتها القدس الشرقية، مع تأكيدها انسحاب إسرائيل من مرتفعات الجولان السوري المُحتل، وإيجاد حلّ عادلٍ للاجئين الفلسطينيين.
وفي المقابل، تعترفُ الدول العربية بـ"حق إسرائيل في الوجود"، وتبحث سُبل ما أعلنته "سلاماً وتطبيعاً شاملين مع دول المنطقة"، وهو ما مثّل الإجماع العربي والإسلامي في السنوات التي تلت من عمر القضية، "انطلاقاً من اقتناع الدول العربية بأنّ الحلّ العسكري للنزاع لم يحقق السلام أو الأمن لأيّ من الطرفين"، وفق ما جاء في نص المبادرة، وهو ما رفضته الدولة العبرية.
ووفق مراقبين، تكمنُ قوة هذه المبادرة في الدَّعم الذي حظيت به مسألة إقامة دولتين في المنطقة، لكنها لم توضّح سُبل التفاوض على القضايا ذاتها، التي فشل الطرفان في حلّها عبر المبادرات التي سبقتها.
محاولة لخلق التزام دولي بالحل
في أبريل (نيسان) 2003، أعدّت اللجنة الرباعية الدولية خريطة طريق لعملية السلام، ورُغم أنها كانت لا تضع تفاصيل بشأن تسوية نهائية للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، فإنها اقترحت الطرق الكفيلة لحل المشكلة وكيفية مقاربتها.
وهدفت "خريطة الطريق" إلى تحديد مراحل واضحة، وجداول زمنية، ومواعيد محددة أهدافاً ومعالم على الطريق لتحقيق التقدّم عبر خطوات متبادلة من قِبل الطرفين في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية، ومجال بناء المؤسسات، تمهيداً للوصول إلى تسوية نهائية وشاملة للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني بحلول عام 2005.
كما طرحت في خطاب الرئيس بوش في الرابع والعشرين من يونيو (حزيران)، ورحّب بها الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة في بيانين وزاريين للمجموعة الرباعية في السادس عشر من يوليو (تموز)، والسابع عشر من سبتمبر (أيلول) من العام ذاته.
وحسب الخُطة، ستقود التسوية ثم التفاوض بشأنها، إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ديموقراطية، قادرة على البقاء، تعيش جنباً إلى جنب بسلامٍ وأمنٍ مع إسرائيل وجيرانها الآخرين، وتنهي "الاحتلال" الذي بدأ عام 1967، بناءً على الأسس المرجعية لمؤتمر قمة سلام مدريد 1991، ومبدأ الأرض مقابل السلام، وقرارات الأمم المتحدة 242 و338 و1397، والاتفاقات التي جرى التوصل إليها سابقاً بين الطرفين، ومبادرة السلام العربية.
وطالبت نصوص الخريطة بـ"تفكيك إسرائيل على الفور المواقع الاستيطانية"، التي أقيمت منذ شهر مارس (آذار) 2001، فضلاً عن تجميد الدولة العبرية جميع النشاطات الاستيطانية (بما في ذلك النمو الطبيعي للمستوطنات).
وعلى الرغم من انهيار المحادثات الرسمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإنهما توصلا بـ"طريقة غير رسمية إلى اتفاق بينهما" في ديسمبر (كانون الأول) 2003 تناول للمرة الأولى تنازل الفلسطينيين عن "حق العودة" في مقابل الحصول على معظم أجزاء الضفة الغربية، ولو أنّ الاتفاق نصّ على إمكانية عودة قلة تمثيلية منهم إلى منازلهم.
فيما تنازلت إسرائيل عن بعض المستوطنات الرئيسة الكبرى، لكنها تحتفظ بأخرى بالقرب من منطقة الحدود، على أن يُقترن ذلك بتبادل الأراضي بحيث تمنح إسرائيل الفلسطينيين أراضي في داخل إسرائيل في مقابل احتفاظها بأخرى في الضفة الغربية.
وكذلك، نصّ الاتفاق على منح الفلسطينيين حق إقامة عاصمة دولتهم المرتقبة في القدس الشرقية، على أن يحتفظ الإسرائيليون بالسيادة على الحائط الغربي من المدينة القديمة.
وفيما كانت التفاهمات تراوح مكانها حيناً وتتوقف حيناً آخر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كانت سياسة الاستيطان على الأرض "متواصلة دون توقف"، ففي العام 2005، نُشِر تحليل لمركز حقوق السكن والتهجير (مقره جينيف) "وهي منظمة دولية غير حكومية مدافعة عن حقوق الإنسان في مجال الحق في السكن ومحاربة عمليات التهجير القسري"، بالاشتراك مع مركز البديل الفلسطيني، جاء فيه أن "سياسة مصادرة الأراضي ما زالت متواصلة، إذ استولت إسرائيل في الفترة ما بين 2000 و2003 على نحو 848 كيلومتراً مربعاً إضافية".
وأشار التحليل إلى "الخلل القائم في حق الملكية، إذ يشكل فلسطينيو الداخل (أي الذين استمروا في العيش داخل حدود إسرائيل) البالغ عددهم مليوناً ومئتي ألف نسمة، خُـمس تعداد سكان دولة إسرائيل، لكنهم لا يملكون أكثر من 3% من الأراضي".
وحسب التقرير، فإنّ الدّول العبرية لم تكتفِ بمصادرة الأراضي العربية الواقعة داخل الحدود الإسرائيلية، بل "طبّقت سياسة السيطرة على الأراضي، حتى في المناطق الواقعة تحت الاحتلال بالضفة والقطاع".
يضاف إلى ذلك ما أنتجه بناء الجدار الأمني من مصادرة لمزيدٍ من الأراضي الفلسطينية، وما خلّفه من تعقيدات لسكان عدة مدن، وهو ما قد يؤدي عند اكتمال بناء الجدار العازل (دعا إلى بنائه في 2003 رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون، وهدف إلى فصل الفلسطينيين إلى جيبين على الخط الأخضر الذي رسمته هدنة 1948) إلى "تقليص مساحة الصفة الغربية بنحو 15%"، معتبراً أن الحل المُقترح للصراع العربي الإسرائيلي المُستمر منذ عقود، والمتمثل في إقامة دولتين واحدة لليهود والثانية للفلسطينيين أصبح "أمراً مستحيلاً من الناحية العملية".
وبينما توقّفت المحادثات بين الطرفين، ظهرت محاولات أخرى خلال (قمة أنابوليس)، التي رعاها الرئيس الأميركي الأسبق جورج دابليو بوش عام 2007، وذلك قبل 3 سنوات من إطلاق خلفه الرئيس باراك أوباما في سبتمبر (أيلول) 2010، محادثات مباشرة في البيت الأبيض جمعت بين محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
لكن، انتهاء العمل في إسرائيل بالتجميد الجزئي للاستيطان في 26 سبتمبر (أيلول) أدّى إلى انهيار المفاوضات، ثم عادت مجدداً في ظل دعوة من وزير الخارجية الأميركي حينها جون كيري، في العام 2013، وعلقت نهائياً في أبريل (نيسان) 2014.
ويقول البنك الدولي، إنه في العام 2013، بلغ عدد المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية "المحتلة" 409 مواقع، أمَّا عدد المستوطنين بذات البقعة فقد بلغ أكثر من 580 ألفاً نهاية ذلك العام، مشيراً إلى أن 48.5% من المستوطنين يسكنون بمحافظة القدس، إذ بلغ عددهم نحو 282 ألفاً.
وتشكّل نسبة المستوطنين من الفلسطينيين بالضفة 21 مستوطناً، مقابل كل مئة فلسطيني، في حين بلغت أعلاها بمحافظة القدس 69 مقابل كل مئة فلسطيني.
وفي كتابه (كل يوم إضافة)، يتذكّر كيري، بعضاً من العقبات التي حالت من إتمام تلك المفاوضات، قائلاً: "إن الوقائع على الأرض التي اصطدم بها أن الجانب الإسرائيلي لا يتوقّف عن خلق العقبات التي تعيق تقدم المفاوضات"، مشيراً إلى رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكثر من مرة، لمقترحات أميركية للحل، ومنها تلك الخطة التي أعدّها الجنرال الأميركي جون ألين، وتقضي بانسحاب القوات الإسرائيلية من الضفة الغربية وحلول القوات الأميركية مكانها، مع أحقية الجيش الإسرائيلي بالانتشار خلال ساعات إذا استشعر تهديداً، لكن نتنياهو أصرّ على أن إسرائيل بحاجة إلى الحفاظ على وجود عسكري طويل الأمد في الضفة الغربية".
وفي مارس (آذار) 2015، ذكر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أن أراضي "فلسطين التاريخية"، التي تبلغ مساحتها نحو 27 ألف كيلومتر مربع، يستغل منها الفلسطينيون ما دون 15% فقط، موضحاً أنه ظلّ استمرار إجراءات لتقسيم الأراضي الفلسطينية لعدة مناطق "بلغت نسبة الفلسطينيين أكثر من 48% من إجمالي السكّان بفلسطين التاريخية، ما يقود للاستنتاج بأن الفرد الفلسطيني يتمتع بأقل من خُمس المساحة التي يستحوذ عليها الإسرائيلي من الأرض".
وحسب كيري، "عبر هذه العراقيل أدركت صواب رأي أوباما الذي اعتبر عملية السلام منذ بدايتها إيماءة طيبة من واشنطن لإسرائيل، لكنها لن تثمر عن أي شيء، حتى لم تشفع تلك الإيماءة من ردّ إسرائيل على القرار 2334، ومنذ عام 1979 لم تعطِ الولايات المتحدة ضوءاً أخضر لمشروع قرار يدين بناء المستوطنات الإسرائيلية، لكن أوباما قرر فعلها في الأسابيع الأخيرة لحكمه بعدم استخدام حق النقض (الفيتو) ضد القرار 2334".
ووفق منظمة العفو الدولية، في مارس (آذار) 2018، فإن الدولة العبرية وطّنت أكثر من 628 ألف مستوطن في مستوطنات غير شرعية في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، رغم أن القانون الإنساني الدولي يحظر على قوة الاحتلال نقل مدنييها إلى الأراضي المحتلة.
بحثاً عن "شرعنة" واقع جديد للقضية
بخلاف المبادرات والمقترحات التي وإن اختلف بعض من تفاصيلها، فإن جوهر نصوصها ظل قائماً على القرارات الأممية، وما استقرّ عليه الأطراف المنخرطون، جاء الرئيس الأميركي الجديد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، محمّلاً برؤية "جديدة وخاصة" لحل ذلك الصراع التاريخي، في نحو 181 صفحة، قال عند الكشف عن تفاصيلها، إنها "خطة توفر فرصة للفلسطينيين والإسرائيليين، ضمن حل الدولتين وهي مختلفة عن خطط إدارات أميركية سابقة".
وتقضي رؤية ترمب وإدارته للسلام، التي مهّدت لها جملة من القرارات التاريخية التي تمسّ بالأراضي الفلسطينية المحتلة إضافة إلى أخرى عربية، كهضبة الجولان المحتلة، بأن تكون القدس "عاصمة موحدة وغير مقسمة لإسرائيل"، وإقامة دولة فلسطينية "متصلة" في أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة، مع طرح إمكانية أن تكون لهم عاصمة في شرق مدينة القدس.
وخلال الأعوام الأخيرة الماضية، وقبل الكشف رسمياً عن خطته للسلام، اتخذ ترمب جملة من القرارات عكست، ما وصفه البعض بـ"انقلاب على سياسة واشنطن تجاه عملية السلام"، بدأها بإعلانه عدم التوقيع على مذكرة إبقاء مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية مفتوحاً في العاصمة واشنطن في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2017، ثم الاعتراف بالقدس "عاصمة لإسرائيل" في 6 ديسمبر (كانون الأول) 2017، ونقل سفارة بلاده إليها في مايو (أيار) 2018، إضافة إلى تجميد 125 مليون دولار أميركي من مخصصات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" (ثلث التبرع السنوي الأميركي للوكالة)، وصولاً إلى وقف مساعدات اقتصادية بأكثر من 200 مليون دولار كانت مخصصة إلى قطاع غزة والضفة الغربية.
وحسب خطة ترمب، فإنها تضع إطاراً زمنياً، مدته أربع سنوات لقيام دولة فلسطينية، لكن "بشروط صارمة"، قائمة بالأساس على أن يوافق الفلسطينيون أولاً على وقف الهجمات التي تقوم بها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تسيطر على قطاع غزة.
ويتعين على الفلسطينيين إنشاء مؤسسات للحكم من أجل إقامة دولتهم التي من المُرجح أن تكون مماثلة للسلطة الفلسطينية الحالية التي تمارس حكماً ذاتياً محدوداً على أجزاء من الضفة الغربية، فضلاً عن الاعتراف بإسرائيل كـ"دولة يهودية" و"الرفض الصريح للإرهاب بكل أشكاله"، وتعزيز مؤسساتهم.
وستشمل الدولة الفلسطينية، التي ستكون "منزوعة السلاح مع مسؤولية إسرائيل عن مراقبة المجال الجوي"، قطاعات من الأرض في الضفة الغربية وقطاع غزة الواقع على ساحل البحر المتوسط وقطاعين ممتدين من الأراضي في صحراء النقب بجنوب إسرائيل، وسيتم ربط الضفة الغربية وقطاع غزة اللذين يفصل بينهما 40 كيلومتراً عبر نفق، وستقام العاصمة الفلسطينية عبر عدة بلدات على حدود القدس الشرقية.
ومِن ضمن "الشروط الصارمة" أمام الدولة الفلسطينية، وفق الخطة التي هنّدسها جاريد كوشنر مستشار ترمب وصهره، ستحتفظ إسرائيل بـ"المسؤولية الشاملة عن الأمن للدولة الفلسطينية" بما في ذلك المعابر الحدودية الدولية لدولة فلسطين.
كما أن التقسيم والتخطيط في المناطق الحدودية بين إسرائيل وفلسطين "سيخضع للمسؤولية الأمنية الشاملة للدولة العبرية"، كما ستحتفظ إسرائيل بالسيطرة على "المجال الجوي والطيف الكهرومغناطيسي غربي نهر الأردن"، ولن يُسمح للدولة الفلسطينية بتشكيل جيش أو إبرام اتفاقات أمنية أو مخابراتية مع أي دولة أو منظمة يمكن أن تؤثر بالسلب على أمن إسرائيل.
وستسمح الخطة في حال تطبيقها للدولة العبرية بالحق في "الدخول" إلى دولة فلسطين للتأكد من أن "تظل منزوعة السلاح، ولا تمثل تهديداً".
وفي الإعلان عنها أيضاً، قال ترمب، إن الولايات المتحدة جاهزة للاعتراف من دون أي تأخير بضمّ إسرائيل إلى مستوطناتها في الضفة الغربية المحتلة، ما يعني فإن مساحات تقارب نسبتها 30 بالمئة من أراضي الضفة الغربية ستصبح رسمياً ضمن الدولة العبرية، فضلاً عن استعدادها للاعتراف بسيادة إسرائيل على غور الأردن.
وعليه، فإن الدولة التي يتطّلع الفلسطينيون لقيامها لن تلبّي طموحاتهم، علماً أنّهم يطالبون بإقامة دولتهم على كامل الأراضي المحتلّة منذ 1967.
ويضم غور الأردن الذي تقترح خطة السلام الأميركية ضمه إلى إسرائيل، سهولاً زراعية غنية بمواردها المائية، وهو عبارة عن قطاع ضيق استراتيجي يمثّل نحو 30% من مساحة لضفة الغربية المحتلة على طول الحدود مع الأردن، إذ تنظر الدولة العبرية إلى هذه المساحة الواقعة بين نطاقين صحراويين على أنّها حيوية لأمنها.
وفي حال ضمّته إسرائيل، سيصير هذا السهل الحدود الشرقية للدولة العبرية، بما يزيد من المناطق الحدودية مع دولة الأردن التي وقّعت معها تل أبيب اتفاقية سلام في 1994.
ويعيش نحو 10 آلاف من أصل 400 ألف من مستوطني الضفة الغربية المحتلة، ضمن غور الأردن، حسب أرقام الحكومة الإسرائيلية ومنظمات غير حكومية، كما يعيش هناك نحو 65 ألف فلسطيني، بما في ذلك سكان أريحا العشرين ألفا، حسب منظمة (بتسليم) الإسرائيلية المناهضة الاستيطان.
ويعدّ الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية غير شرعي من وجهة نظر القانون الدولي، ورغم ذلك، غيّرت الولايات المتحدة موقفها تجاه هذا الملف الحساس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، معتبرة أنّ المستوطنات "لا تتعارض والقانون الدولي".
وتبسط إسرائيل سيطرتها بالفعل على جزءٍ كبيرٍ من غور الأردن، لوقوعه ضمن المنطقة (ج) في الضفة الغربية، طبقاً لاتفاقات أوسلو التي تحدد منذ منتصف التسعينيات العلاقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، حيث تمثّل المنطقة (ج) نحو 60% من مساحة الضفة الغربية.
ويمتد غور الأردن من جنوب بحيرة طبرية وصولاً إلى شمال البحر الميت، وهي تعدّ استراتيجية على صعيد الإنتاج الزراعي والمخزون المائي.
تقول منظمة (بتسليم)، إنّ 56% من السهل تقتصر على الاستخدام العسكري، ولا يمكن للفلسطينيين الوصول إلى 85% من أراضيه، وحسب أرقام الاتحاد الأوروبي فإنّ غالبية عمليات الهدم التي قامت بها إسرائيل منذ 2009 كانت في غور الأردن (هدمت 2,403 مبان لفلسطينيين).
وطبقاً لتقديرات دائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية عام 2019، فإن الزيادة الطبيعية لسكّان المستوطنين في العام 2017 باستثناء شرقي القدس كان أكثر بـ1.75 مرات من الزيادة لدى مجموع السكان في إسرائيل: 3.5% مقابل 2% بالتناسب (بحساب سنوي)، علاوة على ذلك فإن نحو 60% تقريباً من هذه الزيادة يعود إلى هجرة الإسرائيليين من داخل إسرائيل والقادمين الجدد إلى المستوطنات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي خطة ترمب ذاتها، فإنه في المقابل تتعهد إسرائيل تجميد بناء المستوطنات مدّة أربعة أعوام، وهي فترة يُمكن أن تدفع الفلسطينيين، الذين رفضوا الخطة، إلى إعادة النظر بقرارهم الرافض هذه الخطة.
وفيما يتعلق بالأماكن المقدّسة، دعا الرئيس الأميركي إلى الحفاظ على الوضع القائم وإبقاء الحرم القدسي (جبل الهيكل لدى اليهود)، حيث يقع المسجد الأقصى، تحت إشراف الأردن.
وتقترح الخطة الأميركية ربط الضفة بالقطاع بواسطة نفق وإقامة "شبكات مواصلات عصرية وفاعلة لتسهيل تنقّل الأشخاص والبضائع"، لا سيّما عن طريق سكة حديد وقطار فائق السرعة لربط غزة بالضفة الغربية.
وأظهرت الخريطة التي نشرها ترمب، عبر صفحته على (تويتر)، المناطق التي ستقام عليها الدولة الجديدة في الضفة الغربية وقطاع غزة، اللذين يربطهما نفق تحت الأرض. كما تظهر الخريطة منطقة صناعية وتصنيع باستخدام التكنولوجيا المتطورة تقع جنوب رفح بمحاذاة الحدود المصرية، وتشمل أيضاً منطقة سكنية وزراعية.
ويلاحظ أن مناطق عديدة في الضفة الغربية كُتِب عليها "جيب سكاني إسرائيلي" (مستوطنات)، فضلاً عن طرق ومواقع استراتيجية تخضع لإسرائيل داخل الضفة الغربية، وكُتِب على الخريطة أن جميع المسلمين الذين يأتون بشكل سلمي يرحب بهم لزيارة المسجد الأقصى والصلاة به.