تتصدّر عملة بيتكوين مشهد أدوات السلع الجديدة، وتعرَّضت إلى دفعات قويّة صعوداً وهبوطاً في سوق المال من دون مبررات واضحة على امتداد سنوات عدّة.
وفي كل مرة يخرج علينا مجموعةٌ من الخبراء المشهود لهم بالحكمة ليعلنوا "انتهاء العملة"، في مشهدٍ يحاكي دور الصبيّ في القَصص الخرافيّة حين يقول: "حسناً لقد قُضي الأمرُ".
في الحقيقة، تحمَّلت بيتكوين صدمتين كبريين في غضون ثلاثة أيام فقط، لكن هل يعني ذلك أنها وصلت إلى نقطة تحوّل في زخمها؟ أم أنّ تلك التغيّرات تمثل لحظة انقلاب قد تعود بعدها بيتكوين مرة أخرى إلى قصرها العاجي، بحثاً عن رداءٍ جديدٍ، ترمي من خلاله وابلاً من الحجارة على رؤوس المتعاملين، فنشهد عندئذ مزيداً من الضحايا؟
كنت أنتظر حصول ذلك، فهذا عادة ما يحدث على الدوام حين يجمع بعضهم عدداً كبيراً من قدامى الحذاءين، ويروّجون لهم كما لو كانوا مجموعة من الاستثمارات النفيسة.
فلنعد إلى الوراء قليلاً، هل نتذكّر أزمة الديون المضمونة بالرهون العقارية؟ نشأت الأزمة وقتذاك نتيجة تسويق أرقام هائلة من الرهون العقارية الرديئة للفقراء على نطاقٍ واسعٍ تحت غطاءٍ من المسميات الرنانة، بحيث يُمكن بيعها على نطاق واسع في العالم كله إلى أفراد كان من المفترض أنهم يتحلّون بقدر كافٍ من المعرفة كي لا تنطلي عليهم حيلٌ من هذا النوع.
وهكذا، عندما أدركت مجموعة كافية من هؤلاء أن استثماراتهم أو ديونهم المضمونة بالرهون العقارية كانت ترتدي أقنعة زائفة، وأنها لا تساوي شيئاً، كاد العالم يشهد انهياراً مالياً شاملاً، لكنه استطاع تفاديه بصعوبة بفضل مبالغ طائلة جاءته من أموال دافعي الضرائب.
لكن، من غير المرجَّح أن يؤدي انفجار فقاعة عملة بيتكوين المُشفرة إلى تداعيات دراماتيكية، مع أنه بالتأكيد سيسبب كثيراً من الألم. فهكذا تسير الأمور دائماً! وعلى الرغم من عدم وجود انفجار فقاعة بيتكوين على رأس قوائم المسائل التي تثير قلق الجهات التنظيمية، فإن عواقب ذلك، وكيفية التعامل معه في الفترة التالية على وقوعه، ستبقى من أبرز الهواجس التي تسيطر على معظم المعنيين بالتنظيم.
تشير غالبية الاحتمالات إلى انفجار وشيك لتلك الفقاعة عند نقطة معينة، لأن ذلك ما يحدث دائماً منذ القرن السابع عشر، حين تحمّس الناس بشدة إلى اقتناء زهرة التوليب في أثناء العصر الذهبي لهولندا، التي انفجرت فقاعتها في ما بعد، وربما كان بوسع المؤرخين الاقتصاديين أن يسلّطوا الضوء على حالات أقدم لانفجار فقاعات كانت تتجه في مسار حتمي نحو نهايتها، وبالنسبة إلى بيتكوين، فلا يوجد أي بصيص ضوء يشير إلى إمكانية حصول تحوّل إيجابي في المستقبل.
وكما كتب زميلي هاميش ماكراي العام الماضي، أخفقت عملة بيتكوين في اجتياز كل اختبار، لو نجحت فيه لوضعناها في مصاف ما نعدّه "نقوداً"، فهي أداة استثمارية تقوم على المضاربة بشكلٍ كبيرٍ من دون أي أسس لتلك المضاربة سوى المشاعر فقط.
تكمنُ قيمة السهم في نصيبه من تدفّق الأرباح لقاء السلع والخدمات التي تبيعها الشركة التي أصدرت السهم، أمَّا العُملات النقدية فهي عملة مُعترفٌ بها في الاقتصادات التي تستخدمها للتداول، إضافة إلى استعداد البنوك المركزية لدعمها باستخدام الاحتياطيات النقدية لديها.
وهكذا تقف النقود على أرضيّة افتراضيّة أو نظريّة، على الرغم من إمكانية هبوط قيمتها وسقوط قاعدتها الدّنيا ما يسبب عادةً انهيار الشركات والدّول.
إذن، فبيتكوين لا تمثل شيئاً حقيقياً، بل هي مجرد رمز بريديّ، ومع ذلك فالمشاعر عنصرٌ مؤثرٌ بقوة، ولهذا توجد كثيرٌ من المقالات التي تعزز تداول بيتكوين من خلال الحديث عن أنها تمثّل فرصة "شراء" سانحة حالياً بعدما باتت كسيحة.
ولدى هؤلاء (الكثير) الرسوم البيانية والكلمات الذكية الطنّانة التي تكاد تكون عديمة المعنى، لكنهم يستخدمونها لدعم آرائهم، وعلى سبيل المثال رأيت تغريدةً بلا معنى تشير إلى (الاتجاه التصاعدي القطعي المكافئ).
نعم، لقد رأيت هذا بالفعل. لكن هناك العديد ممن يرون تلك المصطلحات، ويتساءلون باستغراب: إلى ماذا تشير تلك المصطلحات؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الواقع، إنها تعني أولئك الذين يعتقدون أن تلك المصطلحات على درجةٍ عاليةٍ من الذكاء، وتجدهم يدعون إلى أخذها على محمل الجد! وهذا الأمر يذكّرنا بعروض بيع الأزياء المُبهرة، ذات الضفائر الذهبية الرائعة، التي لا تراها إلا على الإنترنت فقط، ويرافقها في الغالب حملة ترويج تصوِّرها فرصة للشراء، خصوصاً مع إمكانية الحصول عليها بأسعار معقولة! ويقولون لك: (اشترِ، اشترِ، اشترِ)!
لكن، أكثر ما أضحكني بشكلٍ صاخبٍ، هو ما قرأته عن وجود بعض التحسينات التي تشهدها "الأسس المالية" لبيتكوين.
يشير ذلك المصطلح المالي الكلاسيكي، الذي يُطلق عليه "الأسس المالية"، عادةً إلى احتمالات تحقيق الشركات أرباحاً، أو إلى ما يمكن أن يفعله بنكٌ مركزيٌّ لتعزيز العملة، مثل رفع أسعار الفائدة.
ويوجد كثيرٌ من المحللين الذين يتقاضون كثيراً من المال لكتابة التقارير ووضع الرسوم البيانية عن كيفية أداء الأسهم والعملات والسلع، مثل الذهب أو النبيذ الفاخر أو عصير البرتقال المُركّز، وفقاً لـ"الأسس المالية" الخاصة بها.
ولا تمتلك بيتكوين أيّاً من الأسس المالية، ما عدا حقيقة أن بعض الناس يعتقدون أن سعرها ربما يرتفع من مستويات معينة، لمجرد أنّها مستقرة مدة طويلة عند هذه المستويات، وربما يكون بائعوها طُردوا من الميدان جميعاً.
لكن، لك أن تعلم أنّه إذا ضخّ القطيع القليل من الأموال، سترتفع بيتكوين بالفعل من تلك المستويات.
لقد حدث ذلك من قبل، وسيحدث على الدوام حتى ينتهي تماماً، وعند هذه النقطة سنرى سيلاً من الدموع، وتقارير كثيرة ستكتبها الجهات المنظمة عالمياً لتوضّح الأسباب التي منعتها من إيقاف ذلك الشيء (هم على الأرجح يأملون إيجاد طريقة لإيقاف ما يحدث)، قبل أن يُصابوا بأذى، وسيشعر كثيرون بالسخط الشديد، وتُوجَّه أصابع الاتهام في كل اتجاه، لكن من المؤكد أنَّ أحداً لن يذهب إلى السجن.
وفي النهاية، لن يتلقّى أحدٌ أكثر من صفعة خفيفة على يده، وسننتقل جميعاً إلى الأزمة التالية في المستقبل.
© The Independent